هنا أمارة "الحفة" الإسلامية المستقلة
في منتصف الطريق بين مركز مدينة "اللاذقية" ومصيف "صلنفة"، ومن على قمة صخرية، تطالعك مدينة "الحفة" التي تبعد عن مدينة "اللاذقية" حوالي 35 كم مطلة على أودية عميقة تجتاحها الأنهار وتغطيها أشجار مختلفة الأنواع، وعلى امتداد طولي تستمر في الاتساع وكأنها تتحدى العمق الذي يحيطها، سميت بـ "الحفة" لأنها تقع على حافة أودية من جهاتها الأربعة أما التسمية التاريخية فهي في "السريانية" تعني المكان المختبئ والذي يطالعك فجأة بعد طول طريق وهذه هي حال المدينة حيث تبقى متخفية.
تمتاز "الحفة" بطبيعتها الخلابة، وبآثار تعتبر من أهم الآثار التي تجذب السياح على مساحة العالم فتضم "قلعة صلاح الدين" أو ما تسمى حتى اليوم بالعامية "قلعة صهيون" بالإضافة إلى العديد من السدود ومواقع للسكن لا تزال مأهولة منذ فجر التاريخ "كشتبغو".
يبلغ عدد سكان المدينة حوالي (80) ألف نسمة تقريباً الأغلبية الساحقة منهم محافظة ، وتجاورها بعض القرى التابعة لما يعرف بجبل صهيون مثل (بابنا- الجنغيل- الزنقوفة ـ سلمى – دورين – المريج وغيرهم) وبجوارها قرى تحتوي على أقلية قليلة جداً من الطائفة المرشدية ، أما ما تبقى من قرى فذات الأغلبية الأقلوية. وهذه القرى متداخلة مع بعضها ورغم أن هذا التداخل بطبيعة الحال قد يخلق جواً من الحوار والنقاش بين الأقليات لكن في الأوضاع الحالية جرى تفجير الأوضاع في الحفة لا لخلق حوار بل لخطورة موقعها وقدرة المتعصبين فيها على إختلاق حرب طائفية بينها وبين جوارها الريفي .
الحفة تقع بالقرب من غابات عذراء كثيفة تمتد من المدينة باتجاه مصيف "صلنفة" الذي يبتعد مسافة قريبة عن تركيا والذي تمكن المسلحون من التسلل عبره إلى الأراضي السورية هناك.
وقوع منطقة الحفة على طريق سياحية (باتجاه مصيف صلنفة) وقرب بعض قراها من جسر الشغور وطبيعتها الجبلية المنفلتة من زمام التاريخ والجغرافيا والسياسية جعلها عرضة لأفكار وتيارات ومذاهب مارقة على أهل المنطقة أنفسهم...يقول "بدر" أحد أبناء الحفة الذين نزحوا إلى مدينة اللاذقية إنه ومنذ فترة طويلة وهو يسمع عن تيارات مذهبية دخيلة تكفر الآخرين الذين لا ينطوون تحت لوائها، عماد هذه التيارات الجهاد والجهاد وحده حيث تبشر تلك التيارات بجنات النعيم وحور العين..
أما الحاج "عبد القادر" فيحكي كيف أن بعض رجال الدين في الحفة أعلنوا منذ ستة أشهر عن فتح باب التطوع في "ميليشيا الجيش السوري الحر" براتب مقداره 25 ألف ليرة سورية ..
ويتابع الحاج فيقول : ولما رفض ولدي "عبد الكريم" التطوع قتلوه أمام عيني والدته دون رحمة أوشفقة...
لماذا إنتقل العمل المسلح المعارض إلى الحفة الآن ولم يبدـأ مع حمص أو مع درعا؟
بعد المحاولات المتكررة لضرب الأمن في دمشق و حلب انتقل العمل المسلح إلى منطقة الحدود السورية التركية على مقربة من محافظة اللاذقية في مدينة الحفة التي هاجمتها مجموعات عبرت الحدود من تركيا وأخرى كانت تتواجد في المدينة قبل أيام حيث احتل المسلحون المدينة وأخرجوا منها قوى حفظ النظام العام والشرطة .
قد يقول قائل لولا ضعف التعزيزات الأمنية في منطقة الحفة وغياب عناصر الجيش وقوات حفظ النظام عنها لما تمكنت ثلة من المسلحين من السيطرة على المنطقة وسد منافذها من جميع الجهات وترويع سكانها وزرعها بالعبوات الناسفة خلال 24 ساعة على الأكثر.. لكن العارفين يقولون " إن عدداً يتراوح مابين 6 آلاف إلى 10آلاف مسلح هو عدد كاف لتدمير مدينة كاللاذقية فكيف إذا كانت منطقة كالحفة.. ناهيك عن بعض الاحتضان الشعبي لهؤلاء المسلحين في المنطقة ،إضافة إلى طبيعتها الجغرافية حيث تكثر حولها القرى المليئة بالبساتين والأراضي الواسعة التي يضيع النظر فيها وقرب بعض قراها من منطقة جسر الشغور التي كانت معقلاً للمسلحين حتى وقت قريب وتصدير المسلحين إليها من المناطق التركية القريبة منها... لذا لم يكن أمام كثير من العائلات في الحفة إلا الاتجاه إلى مدينة اللاذقية للعيش فيها، تعبيراً عن احتجاجهم وعدم رضاهم عما تقوم به الجماعات المسلحة، وهم بذلك أفسحوا المجال أمام المسلحين لكي يستوطنوا في منازلهم ويعيثوا فساداً في المنطقة بأسرها.
أعداد كبيرة من أهالي الحفة غادروا أو أرسلوا نساءهم وأطفالهم إلى خارج المدينة التي كانت كل الدلائل تشير إلى قرب اندلاع أعمال عنف فيها على خلفية تجمع عدد كبير من المسلحين في الحفة وقرى بابنا وجنكيل وصولاً الى كنسبا... وهنا تتساءل "رولا" إحدى الفارات من جحيم الحفة (كما تصفه) نسأل أين كانت قوات الأمن السوري من فرار هذه الأعداد الكبيرة من المواطنين؟.. ألم يشغل بالها هذا الفرار؟!!
"نعمان" أحد الجرحى المدنيين في مستشفى الأسد الجامعي باللاذقية قال: في الساعة الرابعة من صباح يوم الأحد دخل آلاف المسلحين إلى المنطقة وبدأوا يقذفون المشفى الوطني بالحفة بالقذائف الصاروخية فهرب الكادر الطبي والمرضى إلى الملجأ لكن المسلحين ضربوا أساسات المشفى لتدميره ،عندئذ هرب قسم من الكادر الطبي والمرضى بسيارات الإسعاف فلاحقهم بعض المسلحين لقتلهم.. أما من تبقى من المسلحين فقد توجهوا للاستيلاء على باقي المنطقة وما هي إلا ساعات قليلة حتى استولى المسلحون على المنطقة بأسرها وأعلنوا قيام الإمارة الوهابية هناك... حيث حاصروا منازل المواطنين والمباني الحكومية... ومن استطاع الهرب قبل إحكام السيطرة على المنطقة من قبل المسلحين قال بأن المنطقة شبيهة بأفغانستان حيث بدأ المسلحون بحرق السيارات الحكومية والمدنية ونشر الرعب والدمار في المنطقة، وعند الساعة الرابعة مساء وصلت قوة من الأمن السوري لمؤازرة أهالي المنطقة لكنها فوجئت بالأعداد الهائلة للمسلحين فطلبت تدخلاً قوياً وحاسماً من الجيش.. ولكن السؤال الآن أي تدخل هذا سيحسم الصراع مع حوالي10 آلاف مسلح؟؟..
علاوة على ذلك قام عدد كبير من العناصر المسلحة قدرها أحد الفارين بحوالي 1500 مسلح بتهجير أبناء الطائفة العلوية من ثلاث قرى يعيشون فيها في ريف مدينة الحفة وهي (جب الأحمر – الخوارات – الخميلة)، أما مدينة الحفة فقد خلت بشكل شبه كامل من سكانها، كما اتجه المهجرون من القرى العلوية إلى قرى ومناطق أخرى في اللاذقية بحثاً عن مأوى لهم، بعد أن سيطرت عليها ميليشيات الجيش الحر تماماً.
ولكي يكتمل المشهد الوهابي السلفي التكفيري فقد أعلن أهالي الصليبة في مدينة اللاذقية الجهاد نصرة لمسلحي الحفة إذ خرجوا ليلاً وأشعلوا الدواليب وبدأوا بأعمال شغب حيث نقلت بعض حالات الاختناق إلى مستشفى الأسد الجامعي باللاذقية.. كما قامت أعمال شغب في حي السكنتوري، و كذلك في في حي علي جمال و في حي قنينص.
الجيش العربي السوري حتى الآن يطوق مدينة الحفة ولكن كثيراً من الفارين من الحفة يتساءلون كم سيلزم هذا الجيش من وقت حتى تكلل مهمته بالنجاح ويعود الأمن والاستقرار إلى ربوع الحفة.
المصدر: عربي برس
إضافة تعليق جديد