هل يتحول العالم من مكافحة الإرهاب إلى مكافحة إنفلونزا الطيور
- هل إنفلونزا الطيور والإرهاب مصطنعان؟
- هل سيجتاح الوباء العالم؟
الحروب تعيد تشكيل العالم، وهي الوسيلة المفضلة لدى القوى والدول والأنظمة السياسية العالمية والإقليمية والمحلية للتحول إلى مرحلة جديدة، وثقافة جديدة أيضا.
وسيبقى الإرهاب على ضآلة قدره ومحدودية الخسائر البشرية والمادية الناجمة عنه هو الأكثر تأثيرا وجاذبية في الاستثمار السياسي، ولكن هل تصلح إنفلونزا الطيور التي تهدد البشرية بكارثة قد تودي بحياة الملايين لتكوين تحد جديد أمام العالم أم أنها ستبقى مثل الإيدز والمخدرات والتلوث والجريمة المنظمة وغسل الأموال تحديات تدمر العالم بصمت وهدوء ويكتفي العالم بالانشغال بوهم الإرهاب؟
هل إنفلونزا الطيور والإرهاب مصطنعان؟
"كانت الشرور موضوعة في صندوق مغلق، وعندما غضب زيوس من البشر لأن بروميثيوس سرق النار أعطى الصندوق لامرأة اسمها بندورا وما إن فتحت الصندوق حتى انطلقت منها جميع الشرور والرزايا فعمت البشر، ولم يبق في قاعه غير الأمل".
هذا ملخص الأسطورة اليونانية التي اقتبسها فيلم سينمائي أميركي ظهر في العام 1996 بعنوان "باندوراز كلوك" (Pandora's clock) من تأليف: جون. ج. نانس يعالج فيه مسألتي وباء خطير (إنفلونزا قاتلة) والإرهاب على نحو مثير ويدعو للاسترجاع والتأمل.
يصاب د. روني ساندر البروفيسور الأميركي أثناء إجازة يقضيها في ألمانيا بجرح تسبب فيه مصاب بمرض إنفلونزا قاتل، ويظهر المرض على ساندر بعد يومين أثناء عودته بالطائرة إلى نيويورك، ويتوفى في الطائرة.
يحاول الطيار أن يعود إلى ألمانيا، ولكن السلطات الألمانية ترفض عودة الطائرة لأنها تعلم أن ساندر أصيب بالإنفلونزا القاتلة، وتخشى أن ركاب الطائرة قد انتقل إليهم المرض، وقد ينتشر في ألمانيا بسرعة، وينتشر خبر الإنفلونزا والشخص المصاب به على الطائرة إلى المطارات والإدارات في العالم فترفض استقبال الطائرة.
ويشكل الرئيس الأميركي لجنة من الدفاع والاستخبارات للتعامل مع الحالة، وتقرر اللجنة ترتيب هبوط الطائرة في قاعدة جوية سوفياتية مهجورة في الصحراء الموريتانية لتبقى فيها لمدة يومين تحت المراقبة، أو ليموت جميع ركاب الطائرة إذا انتقل إليهم المرض دون أن ينتشر.
في هذه الأثناء يصل خبر إلى منظمة إرهابية عربية تعارض السلام مع إسرائيل، وترسل طيارا سوفياتيا من العملاء السابقين للاستخبارات السوفياتية KGB ليفجر الطائرة.
وتراود الشكوك عميلة الاستخبارات الأميركية والباحثة الطبية التي كانت تتابع المرض منذ فترة، ويعتقد أن المسؤول عن الفيروس وتخليقه هو إحدى وكالات الاستخبارات، وتبدأ بالسؤال المنطقي: لماذا تلاحق المنظمة الإرهابية طائرة أميركية مدنية قد يتوفى جميع ركابها بعد يومين؟ وكيف عرفت بوجودها رغم أن القصة بالغة السرية ويجري التعامل معها على أضيق نطاق؟
وتتأكد الباحثة من خلال مجموعة من الملاحظات والأدلة أن مدير المخابرات الأميركية أو أحد كبار المسؤولين يسرب المعلومة إلى المنظمة الإرهابية ويدفعها بوسائل اختراق وتوجيه في المنظمة وفي الاستخبارات الدولية إلى ملاحقة الطائرة الأميركية وتدميرها.
عندها تتصل روبي رولينز بقائد الطائرة الكابتن جيمس هولاند الذي كان طيارا في سلاح الجو، ولكنه استقال من عمله بعد فشله في مواجهة الفساد ورفضه المشاركة فيه، ويدخل الطيار في مواجهة ومراوغة مع الطيار الروسي تنتهي بتدمير طائرته.
ويكتشف أمر مسؤول المخابرات الأميركية، ويعترف بأنه دبر العملية لإجبار الولايات المتحدة على تدمير المنظمة الإرهابية لأنه بغير ذلك لن تقدم الولايات المتحدة على مواجهة حاسمة مع المنظمة.
والسؤال اليائس الذي يبعث عليه ما تبقى في الصندوق، هل فتح العالم صندوق الوباء والإرهاب؟ أم أنه نجح في إبقائه مغلقا؟ هل يمكن إعادة المارد إلى القمقم؟
إن الأساطير العربية تجعل الفرصة متاحة للإصلاح، ولكن الأساطير اليونانية تبدو واقعية أكثر، ورغم أن أسطورتهم تؤكد على بقاء الأمل في الصندوق وعدم ضياعه فإننا نبدو أكثر اقتناعا منهم بوجوده.
هل سيجتاح الوباء العالم؟
ظهر وباء إنفلونزا الطيور للمرة الأولى عام 1997 في هونغ كونغ، ومنذ ذلك الوقت توفي بضع عشرات من الأشخاص بسبب هذا الفيروس، جاء موت معظمهم بسبب تعاملهم مع طيور مصابة بالعدوى.
والخطر يكمن في أن الفيروس قد يتحور كي يصبح قابلا للانتقال بسهولة بين البشر، ومن ثم ينتشر بسرعة ليصيب الملايين.
وفي كتابه "الطاعون القادم" يشير لوري غاريت زميل الصحة العالمية في مجلس العلاقات الدولية إلى أن العلماء يتنبؤون بظهور إنفلونزا قادر على إصابة 40% من سكان العالم.
ويتذكر العالم الإنفلونزا الإسبانية خلال العامين 1918/1919 التي قتلت 50 مليون إنسان، غير أنه من الممكن ألا يحدث شيء من هذا على الإطلاق، فالعلماء لا يستطيعون التنبؤ على وجه التأكيد بما سوف تفعله إنفلونزا الطيور H5N1.
وقد يكون لاستعادة مجريات أحداث الإنفلونزا الإسبانية دور في فهم المستقبل وتقديره حول إنفلونزا الطيور، فقد تطور المرض بعد انتشاره ليتحول من مرض مزعج إلى قاتل، وانتشر في القواعد العسكرية للجيش الأميركي، وحدثت حالة من الهستيريا في صفوف القوات المسلحة الأميركية، وجند معظم الأطباء للتعامل مع الحالة.
ثم امتد المرض إلى مناطق نائية معزولة، فأبيد سكان قرى بأكملها من الإسكيمو وأفريقيا وإندونيسيا وجزر المحيط الهادي، وكانت الحرب العالمية الأولى تدور رحاها، ولكن الإنفلونزا قتلت من الجنود المتحاربين ومن المواطنين أكثر بأضعاف مضاعفة مما قتلت القنابل والرصاص والغازات السامة والقاتلة.
وفي العام 1976 أصيب أحد الجنود الأميركيين بإنفلونزا الخنازير وتوفي على الفور، وانتشرت على الفور حالة من الهلع لأن مسؤولي الصحة توقعوا أن تنتشر الإنفلونزا على شكل وباء قاتل كما حدث عام 1918، ولكنها تنبؤات لم تقع أدت إلى استقالة مسؤولين كبار في وزارة الصحة الأميركية، وأضعفت من مصداقية الولايات المتحدة في الصحة العامة، ونالت من سمعة الرئيس فورد.
ولكن إذا وقع الوباء بالفعل فإن العالم يبدو غير مستعد لمواجهته، فصناعة الأمصال المضادة للإنفلونزا لا تتجاوز 300 مليون جرعة سنويا، ولذلك فإن إمكانية توزيع عدد من الأمصال يكفي سكان العالم تبدو مستحيلة، ومن المشكوك فيه أن تكون أي من دول العالم الغنية فضلا عن الفقيرة قادرة على توفير احتياجات مواطنيها.
وهناك مشكلة أخرى لا تقل خطورة عن المطاعيم، وهي أن المستشفيات غير قادرة على التعامل مع الوباء في حالة وقوعه، فهي غير مؤهلة لاستقبال مرضى جدد، وحتى في مواسم الإنفلونزا العادية تواجه مشكلة في الاستيعاب.
وتحتاج القوات المسلحة في كل دول العالم أن تخفض من تحركاتها وتنقلاتها وأنشطتها، وتفعيل إجراءات الحجر الصحي، والمنظمات العالمية التي تعمل في هذا المجال، مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) تعمل بميزانيات منخفضة لا تكاد تكفي لتشغيلها فضلا عن تحمل أعباء جديدة إضافية وكبيرة جدا.
ومشكلة إنفلونزا الطيور تثير أسئلة وتوقعات حول أنواع أخرى من الإنفلونزا كان يظن أنها اختفت مثل H2H2 التي ظهرت عام 1957 وتسببت في مقتل أربعة ملايين شخص ثم اختفت نهائيا عام 1968، ولكن تبين في العام 2001 أنها مازالت موجودة، ومازالت بعض الشركات الخاصة تحوز عينات من هذه الإنفلونزا الخطيرة.
ويرصد ميشيل أوسترهولم مدير مركز بحوث الأمراض المعدية عشرة أوبئة من الإنفلونزا اجتاحت العالم على مدى 300 سنة، ويقول إنه لا يمكن تجنب حقيقة وجود وباء قادم، ولكن يمكن التخفيف من آثاره فقط.
ومازالت الأمراض المعدية هي القاتل الأول للإنسان، ففي العالم يوجد اليوم 39 مليون مصاب بالإيدز، وبلغ مجموع موتى الإيدز حوالي 25 مليون إنسان، وأصيب في العام 2003 حوالي تسعة ملايين إنسان بالملاريا والدرن، توفي منهم مليونان.
ولكن الإنفلونزا تستحق اهتماما فريدا، فمن بين 1500 ميكروب معروف تسبب الأمراض للإنسان تظل الإنفلونزا على القمة بمعايير الوفيات الإجمالية، وحتى في الظروف العادية فإنه يموت كل عام حوالي 1.5 مليون إنسان حول العالم بسبب الإنفلونزا.
وإذا تفشى وباء الإنفلونزا فإنه سيغير العالم بين عشية وضحاها، فستنخفض التجارة والسياحة والسفر إلى درجة التوقف، وسيتقلص النقل الداخلي بنسبة كبيرة، ويصل الاقتصاد الدولي والإقليمي والوطني إلى حالة توقف، وقد حدث شيء قريب من ذلك عام 2003 عندما انتشر وباء سارز، وأصاب على مدى خمسة أشهر حوالي 8000 شخص، مات نحو 10% منهم.
ويخشى ستوهولم أن تقع الكارثة بالفعل دون استعداد، وسيأتي برأيه يوم يكون فيه الوباء قد أتى وذهب، وربما تشكل لجنة تشبه لجنة 11 سبتمبر/ أيلول تحدد إلى أي مدى قام قادة الحكومات وقطاع الأعمال والصحة العامة والقوات المسلحة بمواجهة الكارثة والاستعداد لها.
ولكن تجربة العالم مع الإيدز يمكن أن تقدم دروسا مهمة للتعامل مع الوباء وإن كان مثالا غير مطمئن من ناحيتين، الاختلاف في طريقة انتشار المرض، وعدم تعامل العالم حتى الآن بما يكفي ويلزم لمواجهة المرض (الإيدز) الذي مازال تهديدا محتملا للعالم، وهو في أفريقيا كارثة عظمى لا يلتفت إليها أحد، مع أنها تحصد الملايين.
ومازالت معدلات الإصابة بالإيدز في ارتفاع متواصل خاصة في قطاعات وبلاد معينة مثل القوات المسلحة الروسية، ما جعل روسيا تواجه صعوبات متزايدة في سبيل تزويدها جيشها بالأفراد.
فقد تم رفض 5000 مرشح ممن تقدموا للخدمة العسكرية عام 2003 بسبب الإيدز والمخدرات، وتبدو ثمة اتجاهات مشابهة في أوكرانيا وروسيا البيضاء ومولدوفيا.
وفي مالاوي انخفض عدد أفراد القوات المسلحة إلى 50% من الحد الأدنى اللازم لضمان أمن البلاد، وأقرت وزارة الدفاع في زيمبابوي بأن نسبة الإصابة في القوات المسلحة تزيد بنسبة 3% عن مستواها في المجتمع الذي تتجاوز نسبة الإصابة فيه 26%، وتواجه قوات الشرطة أزمة حقيقية بسبب الوفيات العالية في صفوفها نتيجة للمرض.
لقد امتد المرض إلى حياة الزعماء السياسيين من النواب والوزراء وقادة الجيش رغم أنه لا يعلن عادة عن سبب وفاتهم أو تنسب إلى أمراض أخرى أقل شأنا، ولكن في زامبيا على سبيل المثال عقدت انتخابات تكميلية 14 مرة خلال 20 سنة لملء مواقع نواب خلت بموتهم أثناء الخدمة.
وتعرض تقارير معهد الديمقراطية في جنوب أفريقيا قوائم طويلة بما حدث في زامبيا، معبرة عن خسائر بشرية كبيرة تحدث فراغات سياسية واجتماعية مرعبة، بل وتتغير التركيبة السكانية لبعض الدول محدثة اختلالات تدعو للقلق، مثل تزايد أعداد الأرامل والأيتام وتزايد نسبة الأطفال والمراهقين وتناقص نسبة البالغين المعيلين وانخفاض مستوى العمر الذي سيؤدي إلى ضعف كفاءة الدول وإنتاجيتها.
ويقول لوري غاريت إن اتجاه الولايات المتحدة الأميركية ومعها العالم إلى وضع الأمن ومكافحة الإرهاب في مقدمة أولوياتها يضعف مواجهة الخطر الأكبر على
إبراهيم غرايبة
- هل إنفلونزا الطيور والإرهاب مصطنعان؟
- هل سيجتاح الوباء العالم؟
الحروب تعيد تشكيل العالم، وهي الوسيلة المفضلة لدى القوى والدول والأنظمة السياسية العالمية والإقليمية والمحلية للتحول إلى مرحلة جديدة، وثقافة جديدة أيضا.
وسيبقى الإرهاب على ضآلة قدره ومحدودية الخسائر البشرية والمادية الناجمة عنه هو الأكثر تأثيرا وجاذبية في الاستثمار السياسي، ولكن هل تصلح إنفلونزا الطيور التي تهدد البشرية بكارثة قد تودي بحياة الملايين لتكوين تحد جديد أمام العالم أم أنها ستبقى مثل الإيدز والمخدرات والتلوث والجريمة المنظمة وغسل الأموال تحديات تدمر العالم بصمت وهدوء ويكتفي العالم بالانشغال بوهم الإرهاب؟
هل إنفلونزا الطيور والإرهاب مصطنعان؟
"كانت الشرور موضوعة في صندوق مغلق، وعندما غضب زيوس من البشر لأن بروميثيوس سرق النار أعطى الصندوق لامرأة اسمها بندورا وما إن فتحت الصندوق حتى انطلقت منها جميع الشرور والرزايا فعمت البشر، ولم يبق في قاعه غير الأمل".
هذا ملخص الأسطورة اليونانية التي اقتبسها فيلم سينمائي أميركي ظهر في العام 1996 بعنوان "باندوراز كلوك" (Pandora's clock) من تأليف: جون. ج. نانس يعالج فيه مسألتي وباء خطير (إنفلونزا قاتلة) والإرهاب على نحو مثير ويدعو للاسترجاع والتأمل.
يصاب د. روني ساندر البروفيسور الأميركي أثناء إجازة يقضيها في ألمانيا بجرح تسبب فيه مصاب بمرض إنفلونزا قاتل، ويظهر المرض على ساندر بعد يومين أثناء عودته بالطائرة إلى نيويورك، ويتوفى في الطائرة.
يحاول الطيار أن يعود إلى ألمانيا، ولكن السلطات الألمانية ترفض عودة الطائرة لأنها تعلم أن ساندر أصيب بالإنفلونزا القاتلة، وتخشى أن ركاب الطائرة قد انتقل إليهم المرض، وقد ينتشر في ألمانيا بسرعة، وينتشر خبر الإنفلونزا والشخص المصاب به على الطائرة إلى المطارات والإدارات في العالم فترفض استقبال الطائرة.
ويشكل الرئيس الأميركي لجنة من الدفاع والاستخبارات للتعامل مع الحالة، وتقرر اللجنة ترتيب هبوط الطائرة في قاعدة جوية سوفياتية مهجورة في الصحراء الموريتانية لتبقى فيها لمدة يومين تحت المراقبة، أو ليموت جميع ركاب الطائرة إذا انتقل إليهم المرض دون أن ينتشر.
في هذه الأثناء يصل خبر إلى منظمة إرهابية عربية تعارض السلام مع إسرائيل، وترسل طيارا سوفياتيا من العملاء السابقين للاستخبارات السوفياتية KGB ليفجر الطائرة.
وتراود الشكوك عميلة الاستخبارات الأميركية والباحثة الطبية التي كانت تتابع المرض منذ فترة، ويعتقد أن المسؤول عن الفيروس وتخليقه هو إحدى وكالات الاستخبارات، وتبدأ بالسؤال المنطقي: لماذا تلاحق المنظمة الإرهابية طائرة أميركية مدنية قد يتوفى جميع ركابها بعد يومين؟ وكيف عرفت بوجودها رغم أن القصة بالغة السرية ويجري التعامل معها على أضيق نطاق؟
وتتأكد الباحثة من خلال مجموعة من الملاحظات والأدلة أن مدير المخابرات الأميركية أو أحد كبار المسؤولين يسرب المعلومة إلى المنظمة الإرهابية ويدفعها بوسائل اختراق وتوجيه في المنظمة وفي الاستخبارات الدولية إلى ملاحقة الطائرة الأميركية وتدميرها.
عندها تتصل روبي رولينز بقائد الطائرة الكابتن جيمس هولاند الذي كان طيارا في سلاح الجو، ولكنه استقال من عمله بعد فشله في مواجهة الفساد ورفضه المشاركة فيه، ويدخل الطيار في مواجهة ومراوغة مع الطيار الروسي تنتهي بتدمير طائرته.
ويكتشف أمر مسؤول المخابرات الأميركية، ويعترف بأنه دبر العملية لإجبار الولايات المتحدة على تدمير المنظمة الإرهابية لأنه بغير ذلك لن تقدم الولايات المتحدة على مواجهة حاسمة مع المنظمة.
والسؤال اليائس الذي يبعث عليه ما تبقى في الصندوق، هل فتح العالم صندوق الوباء والإرهاب؟ أم أنه نجح في إبقائه مغلقا؟ هل يمكن إعادة المارد إلى القمقم؟
إن الأساطير العربية تجعل الفرصة متاحة للإصلاح، ولكن الأساطير اليونانية تبدو واقعية أكثر، ورغم أن أسطورتهم تؤكد على بقاء الأمل في الصندوق وعدم ضياعه فإننا نبدو أكثر اقتناعا منهم بوجوده.
هل سيجتاح الوباء العالم؟
ظهر وباء إنفلونزا الطيور للمرة الأولى عام 1997 في هونغ كونغ، ومنذ ذلك الوقت توفي بضع عشرات من الأشخاص بسبب هذا الفيروس، جاء موت معظمهم بسبب تعاملهم مع طيور مصابة بالعدوى.
والخطر يكمن في أن الفيروس قد يتحور كي يصبح قابلا للانتقال بسهولة بين البشر، ومن ثم ينتشر بسرعة ليصيب الملايين.
وفي كتابه "الطاعون القادم" يشير لوري غاريت زميل الصحة العالمية في مجلس العلاقات الدولية إلى أن العلماء يتنبؤون بظهور إنفلونزا قادر على إصابة 40% من سكان العالم.
ويتذكر العالم الإنفلونزا الإسبانية خلال العامين 1918/1919 التي قتلت 50 مليون إنسان، غير أنه من الممكن ألا يحدث شيء من هذا على الإطلاق، فالعلماء لا يستطيعون التنبؤ على وجه التأكيد بما سوف تفعله إنفلونزا الطيور H5N1.
وقد يكون لاستعادة مجريات أحداث الإنفلونزا الإسبانية دور في فهم المستقبل وتقديره حول إنفلونزا الطيور، فقد تطور المرض بعد انتشاره ليتحول من مرض مزعج إلى قاتل، وانتشر في القواعد العسكرية للجيش الأميركي، وحدثت حالة من الهستيريا في صفوف القوات المسلحة الأميركية، وجند معظم الأطباء للتعامل مع الحالة.
ثم امتد المرض إلى مناطق نائية معزولة، فأبيد سكان قرى بأكملها من الإسكيمو وأفريقيا وإندونيسيا وجزر المحيط الهادي، وكانت الحرب العالمية الأولى تدور رحاها، ولكن الإنفلونزا قتلت من الجنود المتحاربين ومن المواطنين أكثر بأضعاف مضاعفة مما قتلت القنابل والرصاص والغازات السامة والقاتلة.
وفي العام 1976 أصيب أحد الجنود الأميركيين بإنفلونزا الخنازير وتوفي على الفور، وانتشرت على الفور حالة من الهلع لأن مسؤولي الصحة توقعوا أن تنتشر الإنفلونزا على شكل وباء قاتل كما حدث عام 1918، ولكنها تنبؤات لم تقع أدت إلى استقالة مسؤولين كبار في وزارة الصحة الأميركية، وأضعفت من مصداقية الولايات المتحدة في الصحة العامة، ونالت من سمعة الرئيس فورد.
ولكن إذا وقع الوباء بالفعل فإن العالم يبدو غير مستعد لمواجهته، فصناعة الأمصال المضادة للإنفلونزا لا تتجاوز 300 مليون جرعة سنويا، ولذلك فإن إمكانية توزيع عدد من الأمصال يكفي سكان العالم تبدو مستحيلة، ومن المشكوك فيه أن تكون أي من دول العالم الغنية فضلا عن الفقيرة قادرة على توفير احتياجات مواطنيها.
وهناك مشكلة أخرى لا تقل خطورة عن المطاعيم، وهي أن المستشفيات غير قادرة على التعامل مع الوباء في حالة وقوعه، فهي غير مؤهلة لاستقبال مرضى جدد، وحتى في مواسم الإنفلونزا العادية تواجه مشكلة في الاستيعاب.
وتحتاج القوات المسلحة في كل دول العالم أن تخفض من تحركاتها وتنقلاتها وأنشطتها، وتفعيل إجراءات الحجر الصحي، والمنظمات العالمية التي تعمل في هذا المجال، مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) تعمل بميزانيات منخفضة لا تكاد تكفي لتشغيلها فضلا عن تحمل أعباء جديدة إضافية وكبيرة جدا.
ومشكلة إنفلونزا الطيور تثير أسئلة وتوقعات حول أنواع أخرى من الإنفلونزا كان يظن أنها اختفت مثل H2H2 التي ظهرت عام 1957 وتسببت في مقتل أربعة ملايين شخص ثم اختفت نهائيا عام 1968، ولكن تبين في العام 2001 أنها مازالت موجودة، ومازالت بعض الشركات الخاصة تحوز عينات من هذه الإنفلونزا الخطيرة.
ويرصد ميشيل أوسترهولم مدير مركز بحوث الأمراض المعدية عشرة أوبئة من الإنفلونزا اجتاحت العالم على مدى 300 سنة، ويقول إنه لا يمكن تجنب حقيقة وجود وباء قادم، ولكن يمكن التخفيف من آثاره فقط.
ومازالت الأمراض المعدية هي القاتل الأول للإنسان، ففي العالم يوجد اليوم 39 مليون مصاب بالإيدز، وبلغ مجموع موتى الإيدز حوالي 25 مليون إنسان، وأصيب في العام 2003 حوالي تسعة ملايين إنسان بالملاريا والدرن، توفي منهم مليونان.
ولكن الإنفلونزا تستحق اهتماما فريدا، فمن بين 1500 ميكروب معروف تسبب الأمراض للإنسان تظل الإنفلونزا على القمة بمعايير الوفيات الإجمالية، وحتى في الظروف العادية فإنه يموت كل عام حوالي 1.5 مليون إنسان حول العالم بسبب الإنفلونزا.
وإذا تفشى وباء الإنفلونزا فإنه سيغير العالم بين عشية وضحاها، فستنخفض التجارة والسياحة والسفر إلى درجة التوقف، وسيتقلص النقل الداخلي بنسبة كبيرة، ويصل الاقتصاد الدولي والإقليمي والوطني إلى حالة توقف، وقد حدث شيء قريب من ذلك عام 2003 عندما انتشر وباء سارز، وأصاب على مدى خمسة أشهر حوالي 8000 شخص، مات نحو 10% منهم.
ويخشى ستوهولم أن تقع الكارثة بالفعل دون استعداد، وسيأتي برأيه يوم يكون فيه الوباء قد أتى وذهب، وربما تشكل لجنة تشبه لجنة 11 سبتمبر/ أيلول تحدد إلى أي مدى قام قادة الحكومات وقطاع الأعمال والصحة العامة والقوات المسلحة بمواجهة الكارثة والاستعداد لها.
ولكن تجربة العالم مع الإيدز يمكن أن تقدم دروسا مهمة للتعامل مع الوباء وإن كان مثالا غير مطمئن من ناحيتين، الاختلاف في طريقة انتشار المرض، وعدم تعامل العالم حتى الآن بما يكفي ويلزم لمواجهة المرض (الإيدز) الذي مازال تهديدا محتملا للعالم، وهو في أفريقيا كارثة عظمى لا يلتفت إليها أحد، مع أنها تحصد الملايين.
ومازالت معدلات الإصابة بالإيدز في ارتفاع متواصل خاصة في قطاعات وبلاد معينة مثل القوات المسلحة الروسية، ما جعل روسيا تواجه صعوبات متزايدة في سبيل تزويدها جيشها بالأفراد.
فقد تم رفض 5000 مرشح ممن تقدموا للخدمة العسكرية عام 2003 بسبب الإيدز والمخدرات، وتبدو ثمة اتجاهات مشابهة في أوكرانيا وروسيا البيضاء ومولدوفيا.
وفي مالاوي انخفض عدد أفراد القوات المسلحة إلى 50% من الحد الأدنى اللازم لضمان أمن البلاد، وأقرت وزارة الدفاع في زيمبابوي بأن نسبة الإصابة في القوات المسلحة تزيد بنسبة 3% عن مستواها في المجتمع الذي تتجاوز نسبة الإصابة فيه 26%، وتواجه قوات الشرطة أزمة حقيقية بسبب الوفيات العالية في صفوفها نتيجة للمرض.
لقد امتد المرض إلى حياة الزعماء السياسيين من النواب والوزراء وقادة الجيش رغم أنه لا يعلن عادة عن سبب وفاتهم أو تنسب إلى أمراض أخرى أقل شأنا، ولكن في زامبيا على سبيل المثال عقدت انتخابات تكميلية 14 مرة خلال 20 سنة لملء مواقع نواب خلت بموتهم أثناء الخدمة.
وتعرض تقارير معهد الديمقراطية في جنوب أفريقيا قوائم طويلة بما حدث في زامبيا، معبرة عن خسائر بشرية كبيرة تحدث فراغات سياسية واجتماعية مرعبة، بل وتتغير التركيبة السكانية لبعض الدول محدثة اختلالات تدعو للقلق، مثل تزايد أعداد الأرامل والأيتام وتزايد نسبة الأطفال والمراهقين وتناقص نسبة البالغين المعيلين وانخفاض مستوى العمر الذي سيؤدي إلى ضعف كفاءة الدول وإنتاجيتها.
ويقول لوري غاريت إن اتجاه الولايات المتحدة الأميركية ومعها العالم إلى وضع الأمن ومكافحة الإرهاب في مقدمة أولوياتها يضعف مواجهة الخطر الأكبر على الأمن المتمثل بالإيدز والأوبئة، ويضع العالم أمام تحديات غير مسبوقة.
وأضاف أنه سيكون من اللازم بعد خسائر هائلة قد لا تعوض أن تضع دول العالم الأوبئة خاصة الإيدز ضمن اهتمامات أمنها القومي الذي سيحدد الكيفية التي ستواجه بها هذه الدول الحزن العميق والدمار السكاني والتهديدات الأمنية التي سيجلبها الوباء.
الأمن المتمثل بالإيدز والأوبئة، ويضع العالم أمام تحديات غير مسبوقة.
وأضاف أنه سيكون من اللازم بعد خسائر هائلة قد لا تعوض أن تضع دول العالم الأوبئة خاصة الإيدز ضمن اهتمامات أمنها القومي الذي سيحدد الكيفية التي ستواجه بها هذه الدول الحزن العميق والدمار السكاني والتهديدات الأمنية التي سيجلبها الوباء.
إبراهيم غرايبة
الجزيرة
إضافة تعليق جديد