هل تصلح هيئة الأسرة ما أفسده الجهل
أقيمت في مبنى محافظة مدينة دمشق ندوة سكانية رعتها ونظمتها الهيئة السورية لشؤون الاسرة بالتعاون مع محافظة دمشق بهدف الحوار مع المختصين والمهتمين من اعضاء مجلس الشعب واعضاء المكتب التنفيذي وممثلي عدة وزارات وإدارات في الدولة والقطاع العام وحول واقع دمشق السكاني واحتياجاته ضمن مسعى الهيئة السورية لشؤون الاسرة نحو وضع استراتيجية للمسألة السكانية في سورية تحقق التوزان مابين الموارد المادية والاحتياجات الانسانية حسب ايضاحات الدكتورة منى غانم رئيسة الهيئة السورية لشؤون الاسرة.
وكانت مثل هذه الندوة قد اقيمت في المحافظات الشمالية والشرقية والوسطى والساحلية ودرعا، ولم يبق سوى دمشق وريف دمشق والقنيطرة والسويداء ودرعا.
وتحتوي الندوة على بحث سكاني نوعي عن كل محافظة سورية على حدة ثم اتاحة الفرصة امام الخبراء والمختصين والمهتمين ان يناقشوا ماورد في المحاضرة او البحث والتعليق على الوقائع السكانية واقتراح الحلول.
وستتم مراجعة كل الملاحظات لصوغ الاستراتيجية الوطنية للسكان التي ستراعي الخصوصية السكانية لكل محافظة على حده.
وكنا سألنا د. غانم رئيسة الهيئة السورية لشؤون الاسرة في وقت مضى عن هذا الموضوع فأوضحت ان المؤتمر الاول للسكان في عام 2001 وضع مسودة لهذه الاستراتيجية الا ان تلك المسودة لم تنقح، ولم يتح لها من يصوغها لتخرج كسياسة سكانية سورية واضحة الملامح مكتملة الجوانب سهلة وعملية وقابلة للتنفيذ .
كان حفل افتتاح هذه الندوة على تواضعه ملفتاً اذا احتوى على قفشات مصورة عرضت على شاشة كبيرة في اعقاب الكلمات الى ألقاها الاستاذ هشام تقي نائب السيد محافط مدينة دمشق والدكتورة منى غانم رئيسة الهيئة السورية لشؤون الاسرة، والسيد خالد نجاتي عضو مجلس الشعب الخبير في الشؤون السكانية.
اشتمل العرض السينمائي على مشهد البطل الهمام اذ يروي حكواتي في مقهى شعبي ان البطل الهمام وبينما كان ينظر الى خطيبته حلم انه تزوج وعانى مادياً، فاضطر ان يخرج اولاده العشرة من المدرسة ذلك ان العين بصيرة واليد قصيرة، ثم فتح عينيه ونظر الى خطيبته وتراجع عن فكرة العشرة اولاد وقال لها: ما رأيك اذا وافقت على انجاب طفلين نتزوج في الحال.
في مشهد آخر بعنوان/الغريق/ نرى احدهم ينتقل من حقل الى اخر ويسأل فلاحين يروون اراضيهم من الابار فمن كان عنده ولد واحد كان الماء غزيراً في بئره وزرعه ممتاز ثم من كان عنده ولدين، ولكن من كان عنده خمسة اولاد نزل بالبئر الى مئة متر ولم يصل الى الماء وتصحرت ارضه.
وتحت عنوان /اعمال حرة/ تجري مقابلة تلفزيونية في مقهى يطرح السؤال على احد الرواد فيرد ان اولاده يعملون اعمالاً حرة وفي سياق التورية نرى من يعمل في الصناعات الجلدية ماسح احذية وفي الاعمال المنزلية خادمة تمسح الارض في بيوت الاخرين، وزهرة التي تلعب بالملايين بائعة يانصيب.
فماذا تريد احسن من هذا المستقبل؟.
وكانت كلمة الاستاذ هشام تقي قد ركزت على اهمية التوازن مابين معدل النمو الاقتصادي ومعد النمو السكاني ورأى ان الاسرة نواة الوطن وان محافظة دمشق تتفانى في تقديم مالديها لصالح الاسرة في دمشق، وأهاب بالجميع ان يعملوا انطلاقاً من محبتهم للوطن.
أما الدكتورة منى غانم رئيسة الهيئة السورية لشؤون الاسرة فلقد لفتت الانتباه الى مسيرة هذه الهيئة منذ عامين وأشارت الى دورها على صعد حماية الاطفال، ورعايتهم والاهتمام بالمرأة وحقوقها وحضورها في العمل الوطني، وأوضحت انه قد كلفت الهيئة مؤخراً بالملف السكاني السوري وعهد اليها وضع استراتيجية شاملة للمسألة السكانية والعمل على تحقيق التوازن المنشود وصولاً الى التخلص تدريجياً عبر الوعي من الافراط الضار.
وتحدثت عن تجربة جديدة هي التعاون مع المطرب الشعبي علي الديك اذا اقام حفلات حضرها ما يقارب المئتي الف مواطن في عدة محافظات تم خلالها عرض المشاهد السينمائية الناقدة للزيادة السكانية، وغنى المطرب الشعبي اغنية تحفز على تنظيم النسل لحماية الاسرة من آلام الفقر وعذاب الحرمان (30 الف مواطن حضروا حفل الفنان علي الديك في الحسكة)، وقالت د. غانم: كنا اكثر بلدان العالم زيادة في السكان، ولئن انخفض معدل الزيادة السكانية الا ان من هم في سن الانجاب 50٪ من السكان، ويجب الا نتجاهل أن الزيادة السكانية الكبيرة فرزت ظواهر جديدة مثل اولاد في الشوارع يمسحون السيارات ويتسولون وهذه ظاهرة جديدة في سورية.
بدوره الاستاذ خالد نجاتي عضو مجلس الشعب الخبير في الشأن السكاني لدى هيئة الاسرة شكر المحافظة على تعاونها، ولفت الى ان السيد الرئيس بشار الاسد شدد على ضرورة الا ننسى المشكلة الاكثر الحاحاً: المشكلة السكانية، وان يتركز الاهتمام على تحقيق التوازن بين معدل النمو السكاني ومعدل النمو الاقتصادي لما فيه خير الوطن والقدرة على تلبية الاحتياجات المتنامية للشعب.
القى السيد احمد كيالي المحاضرة الموعودة التي صاغ تفاصيلها وارقامها مع زميليه كبير الخبراء في الاحصاء والتخطيط الاستاذ ممدوح المبيض اذ يصل عمره في الخبرة الى خمسين سنة، والباحث المعروف في قضايا السكان الخبير في هيئة تخطيط الدولة الاستاذ عصام الشيخ اوغلي، ولعل من اهم ماورد في هذه المحاضرة خطأ لايغتفر انه غلطة الشاطر اذ ورد في المدخل العام ان مساحة دمشق 118 الف كم2 اي ما نسبته 06ر0٪ من مساحة سورية علماً ان مساحة سورية 185 الف كم2.
لقد وزعت المحاضرة بحرف صغير جداً وهذا الخطأ اضطرنا الى التدقيق في كل الارقام ما ارهق العينين، ونعتقد انه هناك خطأ آخر مفاده ان المحاضرة اشارت الى ان الكثافة السكانية في دمشق 13200 نسمة وفي رأينا ان الرقم الصحيح حالياً هو 16 الف نسمة في الكيلو متر المربع وسر الخطأ كامن في الاصرار على التعامل مع دمشق بصفتها 6ر1 مليون نسمة.. في حين انها عملياً خمسة ملايين نسمة لكن الخبراء يعتمدون على رقم السجلات المدنية او احصاء المقيميين اذ ينأون عن العدد الحقيقي الناجم عن القادمين الى المدينة يومياً لانجاز معاملاتهم والتنزه والسياحة والتسوق.
لكن هذه الهنات لاتلغي ان البحث قيم وشامل وهو عمل بحثي فكري واحصائي رفيع المستوى واشبه بكنز للمهتمين اذ يشتمل على مقارنة مابين ارقام دمشق وارقام سورية واحياناً العالم، ففي العالم وصل معدل الزيادة السكانية الى 1ر1٪ في حين انه في سورية 45ر2٪ وفي دمشق 33ر1 ٪ تمتلك دمشق اقل معدل زيادة سكانية وتحتاج الى 40 سنة كي تتضاعف في حين ان بقية المحافظات السورية تتضاعف كل 20 سنة.
لقد احتاجت دمشق الى 35 سنة حتى نزل معدل النمو السكاني فيها الى 3ر1٪ ،ولعل سر دمشق كامن في الهجرة منها الى ريف دمشق وفي غلاء البيوت اذ ترتفع نسبة العزوبة فيها الى 9ر43٪.
واشارت المحاضرة الى ضعف التركيبة التعليمية للسكان مما يؤكد عدم وجود اهتمام بالتعليم.
واذا كانت البطالة بين الاناث قد ازدادت 22٪ ،بين الاناث في سورية منذ عام 1990 الى عام 2004 فان نسبة الزيادة في دمشق 11٪ بسبب وجود فرص عمل كثيرة، واذا كانت نسبة الفقر في سورية 3ر11٪ فإنها في دمشق 74ر4٪ ،وفي سياق النقاش قال احد المهتمين: ان سر الزيادة السكانية كامن في ان الاسرة ذات البنات فقط لاتمنع الاخرين من الارث ولهذا تصر على انجاب الصبي والعامل الثاني هو تعدد الزوجات وطالب بقوانين تغير هذا الواقع فقيل له ان هذا لمستحيل.
توزعت الندوة على ثلاث لجان وناقشت كل لجنة موضوعاً محدداً كالتعليم والبطالة والصحة الانجابية والنمو السكاني.
وقد خلصت تلك اللجان بعد المناقشات التي اجرتها الى التوصيات التالية:
اولاً- لجنة النمو السكاني وقد اوصت بالتالي: ضرورة استصلاح اراض جديدة، وتشجيع الهجرة المعاكسة وتنويع مصادر الدخل القومي، واصلاح النظام المالي الضريبي وتنظيم النسل وتشجيع الاستثمار في المناطق النائية.
ثانياً: لجنة واقع الصحة الانجابية: وقد اوصت بضرورة التوزيع العادل للمراكز الصحية وتعريف المواطنين بوجودها وضرورة توفير جهاز ايكو نسائي في المركز الصحي، وزيادة عدد مراكز التوليد الطبيعي وملاحقة الدايات البلديات ومتابعة المتسربات من التعليم الاساسي.
ثالثاً: لجنة التعليم والعمل: وقد شهدت مناقشات حامية ولاسيما حول نسب التسرب اذا افادت مندوبة مديرية التربية ان نسبة الالتحاق في الاول الابتدائي 106٪ وقيل لها ان هذا الرقم دليل فادح على الخطأ في الاحصاء اذ لايوجد نسبة في العالم 106٪ علماً ان تقرير التنمية البشرية السوري اشار الى تسرب كبير في المدرسة السورية، ورأت اللجنة بعد المنافسة ضرورة تحسين الواقع التعليمي بمدارس ريف دمشق، ورصد المسجلين في التعليم بدمشق والقادمين من الريف واعادة النظر بمناهج التعليم وخاصة المهني لتأهيل وتخريج كوادر تمتلك مهارات وقدرات تساعدها على تلبية احتياجات سوق العمل وهذا يتطلب :
1-توفير مدارس تحتوي على وسائل وتجهيزات وادوات تعليمية مناسبة.
2- توفير مدرسين ذوي كفاءة وتأهيل عالٍ في مختلف الاختصاصات.
3- بواسطة الاجهزة المرئية والمقروءة والمسموعة يمكن رفع مستوى الاهل (خصوصاً الاب والام) ليعرفوا ماهي مهمة المدرسة، وماذا يجب ان يفعل التلميذ عندما يذهب الى المدرسة، ويجب عليهم ايضاً توطيد العلاقة بين ابنهم ومدرسيه، وهذا يعمل على تجسير الفجوة بين مخرجات التعليم وطلبات السوق.
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد