هدنة في الغوطة الشرقية واستقالة أبو محمد الفاتح من قيادة أجناد الشام

تتسارع التطورات في الغوطة الشرقية، مرجحة للمرة الأولى اتجاه الأوضاع فيها إلى التهدئة بعد سنوات من المعارك والحروب.
فبعد الموافقة غير المعلنة لـ«جيش الإسلام» على اتفاق الهدنة مع الجيش السوري، انضم «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام»، وهو أحد أكبر التشكيلات العسكرية في الغوطة، لقائمة الداعين إلى القبول بها، ولكن بشروط، الأمر الذي أعطى الهدنة زخماً جديداً، وعزز من فرص تقدمها على طريق التوقيع.
وتقدم أبو محمد الفاتح، قائد «الاتحاد العسكري لأجناد الشام»، باستقالته من منصبه، بعد ساعات فقط من إعلان موقفه من موضوع الهدنة. وقال الفاتح، واسمه الحقيقي ياسر القادري، في تسجيل صوتي بث السبت الماضي، «أي مبادرة مشرفة تحافظ على ثوابتنا وإنجازاتنا، ويكون فيها حقن للدماء وإيقاف للقتل في أرضنا، فواجب على كل مجاهد وثائر وفصيل أن يقبل بها لأن الموت والقتل ليس هدفنا». وهو ما اعتبره المراقبون بمثابة موافقة علنية على الهدنة المطروحة للنقاش في الغوطة الشرقية، والتي أثارت الكثير من الجدل حولها، خاصة بسبب الغموض الذي أحاط بمضمونها وأطرافها.
وما عزز من حالة الجدل السائدة أن الفاتح قدّم استقالته من منصبه بعد ساعات فقط من إعلان موقفه السابق، ما طرح تساؤلات حول جدية هذا الموقف، والأسباب التي دفعته إليه وما هي مآلاته بعد تقديم استقالته. حيث أعلن أبو محمد الفاتح، الذي يشغل منصب نائب القائد العام للقيادة في الغوطة الذي يتولاه زهران علوش، أنه «قدم استقالته إلى مجلس الشورى من قيادة الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام»، وعزا تقديم الاستقالة إلى عدة أسباب أهمها «دعم فكرة تداول القيادة، والابتعاد عن شخصنة الفصائل الثورية، وضخ دماء جديدة في مواقع القيادة»، وهو ما يمكن اعتباره لمزاً بزهران علوش الذي يُتّهم بأنه متمسك بمنصبه ويسعى إلى فرض هيمنته على كامل الغوطة. وبالرغم من أن الفاتح يشغل منصب نائب زهران، إلا أن العلاقة بينهما كانت سيئة ووصلت في أحيان كثيرة إلى درجة الاشتباك المسلح.
وفي إشارة إلى المنعطف الذي بلغته الأزمة السورية وضرورة الاستعداد لملاقاته، قال الفاتح، في تغريدة مختصرة على حسابه الرسمي على «تويتر»، «إنني أعتقد أن عنوان المرحلة المقبلة من الثورة هو (التغيير) ووسيلته (المبادرة) وأداته (الجرأة) وضمانته (العمل الجماعي) ولنبدأ بأنفسنا».
وتولى أبو محمد الفاتح قيادة «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» بداية العام 2014. وتدرج قبلها في المواقع انطلاقاً من عمله ضمن «كتائب شباب الهدى» التي أسسها أبو سليمان طفور وشغل المناصب فيها حتى تولى قيادتها العامة، وصولاً إلى توليه منصب قائد الاتحاد بعد تشكيله. وتشكل «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» في منتصف كانون الأول من العام 2013 من اجتماع عدة فصائل أهمها: «كتائب شباب الهدى»، «كتائب الصحابة»، «كتائب الحبيب المصطفى»، «تجمع أمجاد الإسلام»، «لواء درع العاصمة»، وتضم هذه التجمعات الخمسة أكثر من 50 كتيبة ولواءً، ويقدر عدد عناصرها بحوالي عشرة آلاف مسلح. والاتحاد منضو تحت لواء «القيادة العامة للغوطة الشرقية» بقيادة زهران علوش، لكن ذلك لم يمنع من أن تتفاقم الخصومات بين الطرفين، خصوصاً بعد انضمام «لواء فجر الأمة» بقيادة «الزحطة» إلى «أجناد الشام» حيث كان السبب الرئيس لانضمامه هو حماية نفسه من انتقام زهران علوش بسبب الأنفاق التي يسيطر عليها، ويدير منها تجارة مربحة.
وفي السياق ذاته، تتزايد المؤشرات داخل الغوطة على أن قائد «جيش الإسلام» زهران علوش يعمل وكأن الهدنة حاصلة في أي وقت، ويسعى حثيثاً لإقناع أكبر شريحة من المواطنين وقادة الفصائل ورؤساء الهيئات المدنية بجدواها وضرورتها.
وقد أكد ناشطون من الغوطة أن علوش تحدث في أكثر من مجلس جمعه مع بعض الوجهاء بمنطق التهدئة، وأنه لا قدرة للعسكر على الاستمرار في القتال إلى ما لا نهاية. كما واظب المشايخ التابعون لزهران علوش على تبرير الهدن وإيجاد المرجعية الشرعية لها، والتي غالباً ما ترتكز على مجريات صلح الحديبية الذي قام به الرسول محمد مع مشركي قريش. كما أن بعض خطب الجمعة، يوم الجمعة الماضي، ركّزت على موضوع الهدنة ومشروعيتها وحثت المواطنين على القبول بها.
في المقابل، يواجه علوش معارضة شديدة من قبل بعض الفصائل، وعلى رأسها «أحرار الشام» و«جبهة النصرة»، وبعض الفعاليات والوجهاء وخاصة التجار الذين يعتبرون الأكثر تضرراً من توقيع الهدنة لما سيترتب عليها من انخفاض الأسعار. وتلعب «جبهة النصرة» الدور الأبرز في محاولة إفشال الهدنة ومنع توقيعها، وقد يكون السبب الأهم لذلك هو أن أحد شروط الهدنة يتضمن إخراجها من الغوطة الشرقية، فهي تخشى أن يتكرر معها السيناريو نفسه في ريف دمشق الجنوبي.

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير