نقص الغذاء يهدد ربع اليمنيين بمجاعة
في وقت تعلو أصوات المنظمات الدولية ووكالات الإغاثة، محذّرة من خطورة الوضع الغذائي في اليمن واحتمال وصوله إلى مرحلة الكارثة الشاملة، يدخل فقراء البلاد رمضان المبارك بآمال عريضة في أن يساهم الأغنياء في تخفيف معاناتهم، أو أن تلتفت إليهم اليد الحانية من المؤسسات الخارجية. وأكدت مصادر حكومية يمنية ، أن أسباباً كثيرة تضافرت لمضاعفة مشكلة الغذاء من بينها تراجع الإنتاج الزراعي والاضطرابات السياسية والاجتماعية، وتدني الموارد المالية ومواجهة الإرهاب والنزوح السكاني، ما تسبب في زيادة أرقام الفقراء والعاطلين من العمل في شكل خطير.
وطالبت المصادر الحكومية المنظمات الدولية، التي أعدت تقارير عن اليمن بحشد الموارد المالية وتعبئتها بالسرعة المناسبة لإنقاذ الجياع من الهلاك في أكثر من محافظة. وأعربت عن قلقها من تجاهل النداءات الأممية المتكررة، بتأمين مبالغ مالية لمواجهة الأوضاع في اليمن. وأملت في أن يتخذ مؤتمر المانحين المقرر عقده في الرياض مطلع أيلول (سبتمبر) المقبل، قرارات عاجلة بتأمين التغطية المالية لشراء الغذاء وتخفيف مأساة الفقراء. ولم تستبعد أن توقع البيروقراطية الإدارية والتباطؤ في التحرك الآلاف من الضحايا الجدد على رغم المساعدات الدولية القليلة المعلن عنها.
وأشارت تقارير دولية إلى أن نحو ربع سكان اليمن يحتاجون إلى مساعدات طارئة للبقاء على قيد الحياة، لأنهم لا يملكون ما يكفي من الغذاء. وأعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن خمسة ملايين يمني يحتاجون إلى مساعدات غذائية خارجية. وأشار إلى أن خمسة ملايين يمني آخرين لا يجدون طعاماً كافياً، ويواجهون احتمال الجوع مع الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية والوقود. واعترفت الحكومة اليمنية بصعوبة الوضع الاقتصادي وعدم قدرتها على معالجة الأوضاع بالسرعة الكافية.
ضعف اقتصادي
وأورد البرنامج المرحلي لعامي 2013 و2014، الذي أقره مجلس الوزراء اليمني أخيراً، والذي سيُرفع إلى اجتماع الرياض، أن الاقتصاد اليمني «يعاني ضعفاً شديداً في مستوى تغطية الخدمات الأساسية حتى قبل الأحداث الأخيرة»، لافتاً إلى أن الطاقة الكهربائية «لا تغطي سوى 42 في المئة من السكان، وتتوافر خدمات الأمن والقضاء والسلطة المحلية بنسبة 35.2 في المئة فقط. وتبلغ تغطية إمدادات المياه والصرف الصحي من الشبكة العامة 26 و16 في المئة من السكان على التوالي».
ولفت البرنامج إلى أن الموازنة العامة «واجهت صعوبة كبيرة في الوفاء بأجور موظفي الدولة، واضطرت إلى تبني مجموعة من السياسات المالية التقشفية التي كانت لبعضها آثار قاسية على عملية التنمية ومستويات المعيشة، خصوصاً تجميد معظم مشاريع البرنامج الاستثماري العام، وتقليص نفقات دعم المشتقات النفطي». وأوضحت الحكومة اليمنية، أن مشكلة البطالة «تتركز في أوساط الشباب بنسبة 52.9 في المئة في الفئة العمرية (15-24)، وتبلغ نسبة 44.4 في المئة في الفئة العمرية (25-59). وتنتشر البطالة حتى بين المتعلمين ويشكلون 25 في المئة».
وأقرّت الحكومة اليمنية في البرنامج المرحلي، بـ «ارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات قياسية»، مقدرة بلوغها 54.4 في المئة من السكان عام 2011. وأظهرت نتائج مسح أعدّه برنامج الأغذية العالمي، ارتفاع نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى نحو 44.5 في المئة من السكان عام 2011، مقارنة بـ 32.1 في المئة عام 2009، ما يعني ازدياد عدد السكان العاجزين عن الحصول على غذاء كاف إلى أكثر من 10 ملايين نسمة بحلول نهاية عام 2011، ما يستدعي توسيع برامج الحماية الاجتماعية وآلياتها في شكل عاجل للفئات الأشد فقراً وتضرراً».
الأوضاع الإنسانية
وأشارت التقديرات، إلى وصول عدد المتضررين نتيجة تدهور الأوضاع الإنسانية إلى «نحو 8 ملايين نسمة خلال عام 2011. وازدادت معاناة السكان في المناطق التي شهدت صراعاً مسلحاً، مثل مناطق الحصبة وصوفان ومديرية بني الحارث في أمانة العاصمة، ومديريات أرحب ونهم في محافظة صنعاء ومدينة تعز، إضافة إلى الحرب مع تنظيم القاعدة في محافظة أبين. ويقدر وصول أعداد النازحين إلى 465.9 ألف، كما أثرت الأحداث على نحو 440 ألف من المزارعين المتوسطين والصغار، وأدت إلى هجرة 26 ألف نسمة. يُضاف إلى ذلك ما خلفته الحرب من دمار في البنية التحتية والمنشآت العامة والخاصة، والمقدرة في أمانة العاصمة وحدها بنحو 2526 منشأة.
وكشف مسح ميداني نفذه مركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية حول الأولويات الاقتصادية في اليمن بالتعاون مع منظمة «فريدريش إيبرت» الألمانية، وشاركت فيه فرق مسح ميدانية في أربع محافظات هي أمانة العاصمة وعدن وتعز وحضرموت، عن أن الفقر والأمن الغذائي «يمثلان أهم التحديات الاقتصادية بنسبة 95 في المئة، يليه التشغيل ومكافحة البطالة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحسين الخدمات الأساسية والبنية التحتية وتطويرها».
ويتزامن رمضان عادة مع موجة ارتفاع أسعار السلع الغذائية، ما يجعل الحياة أكثر صعوبة للفئات المحتاجة. وعلى رغم تأمين وزارة الصناعة والتجارة السلع في السوق، إلا أن قطاعات واسعة تشكو من زيادة الأسعار ما يعجزها عن تلبية حاجات رمضان.
وأفادت تقارير ميدانية، بأن أسعار القمح والسكر «ارتفعت بنسبة 15 في المئة والخضر وتحديداً البندورة بنسبة 30 في المئة».
وفي سياق محاولات التخفيف من تأثير الأوضاع الاقتصادية الصعبة، تسعى بعض المؤسسات الحكومية والخاصة إلى النزول بثقلها في سوق السلع ودعم حاجات الفقراء ومنها المؤسسة الاقتصادية اليمنية وجمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية. وأعلن نائب المدير العام للمؤسسة الاقتصادية اليمنية محمد اللبود، «وضع خطة لتأمين الحاجات والمواد الغذائية الأساسية للمواطنين والمنتسبين إلى القوات المسلحة والأمن خلال رمضان». وأشار إلى أن المؤسسة «تؤمن حاجات رمضان وبيعها عبر فروع المؤسسة في المحافظات وبأسـعار منافسة وبعضها بسعر الكلفة تقديراً للظروف التي يمر فيها المواطن وكسر الاحتكار».
إلى ذلك، بدأت جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية تنفيذ مشاريع الخير الرمضانية ويستفيد منها أكثر من نصف مليون فرد و200 ألف أسرة خلال رمضان. وتتضمن إقامة وجبات إفطار الصائم في المساجد ومراكز الإفطار الثابتة وتوزيع الدعم الغذائي المكون من القمح والرز والحليب والزيوت للأسر الفقيرة وتوزيع اللحوم والتمور وتوزيع كسوة وهدية العيد.
إبراهيم محمود
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد