نساء يرقصن رفضاً للعنف الأسري
«ضاق خلقي يا صبي من هالجو العصبي.. ضاق خلقي، ضاق خلقي»، قد تعبّر أغنية فيروز عن حال امرأة أنهكتها يومياتها الزوجية. وقد يكون «ضيق الخلق» أيضاً محاولة لكسر الصمت، ورفض الرضوخ للعنف.
لعلّ استخدام الأغنية في التظاهرة ضد العنف الأسري، التي انطلقت أمس من أمام وزارة الداخلية باتجاه مقرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، هو لتأكيد أن المسألة ليست شخصية، وحلّها لن يكون من داخل الجدران الأربعة، بل في الشارع للمطالبة بإدراج مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري على جدول أعمال اللجان النيابية المشتركة.
«كلّ شهر مرا بتموت، ما رح نرضى بالسكوت»، هتف المئات في المسيرة التي دعا إليها «التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري» و«منظمة كفى عنف واستغلال»، وضمّت عدداً من الجمعيات المدنية والأحزاب.
«المشاركة كانت أقل من العادة، لأن تظاهرة الشيخ أحمد الأسير أقفلت بعض الشوارع، ولأنّ الجمعيات النسائية تستعّد تنظيمياً لمسيرة عيد المرأة العالمي الشهر المقبل»، وفق مديرة «كفى» زويا روحانا.
ضمّت المسيرة فئات اجتماعية مختلفة، من كبيرات السن، ممثلات الجمعيات النسائية التقليدية، إلى شابات أكثر راديكالية حملن لافتات كُتب عليها «جسدي ملكي، مش ملك رجال الدين والسياسة» و«نعم لتجريم الاغتصاب الزوجي» و«الشرف ليس بين سيقان النساء».
كذلك شاركت «مجموعة نسوية من النيباليات في لبنان»، جنباًَ إلى جنب مع ممثلين عن أحزاب منها «الكتائب» و«الأحرار» و«تيار المستقبل». وإن كانت مشاركة بعضهم شكلية نوعاً ما، إذ قال أحد المنتمين إلى «المستقبل» عند سؤاله عن سبب المشاركة: «إسألي ممثلة قطاع النساء، وجودي هنا هو لحمل هذه اليافطة»، يجيب مبتسماً.
لكن العنصر الشبابي كان طاغياً، بالموسيقى والطبلة والدفّ والشعارات الفكاهية. «ع الندة الندة، المجلس ما طلع قدها، وإن ما عطيوني ياكي، سوار المجلس تهدّها»، تغني إحدى الناشطات، فتجيبها ناشطة أخرى في جوارها «وصلتونا لنص البير وقطعتو الحبلة فينا، ويلي ويلي ويلي»، بالإشارة إلى عدم إدراج القانون إلى اللجان المشتركة بعد مناقشته في اللجنة الفرعية.
وحضر صوت الرئيس برّي وهو يقول، عبر مكبرات الصوت، «إنّ المجلس النيابي الجديد يجب أن يكون معنياً بإقرار التشريعات اللازمة الضامنة لمشاركة المرأة الكاملة في حياة الدولة والمجتمع وحمايتها من العنف وتعديل القوانين التمييزية الموجودة في القانون اللبناني في هذا المجال»، للتذكير بالالتزام الذي كان قد أعلنه في الجلسة الافتتاحية للمجلس النيابي بعد انتخابات العام 2009.
وكانت أفواه المشاركات تتحرّك بإيقاع جماعي، وهنّ يصرخن «باطل»، تفاعلاً مع ناشطة كانت تروي قصتها، وهي قصة العديد من النساء في لبنان. تقول عبر مكبّرات الصوت إنّ «زوجها ضربها مرة، فذهبت إلى المخفر لتشكوه، فطلب منها الشرطي الاعتذار منه، وتقبيل يديه، لأنه زوجها». «باطل»، عاودن الصراخ استنكاراً ورفضاً للظلم.
في المسيرة، حوّلت المتظاهرات أجسادهنّ المعنّفة إلى أجساد ترقص تحرّراً، ليصبح الجسد هو المطلب ووسيلة التعبير معاً. فأدّى عدد من المتظاهرات رقصة في عين التينة على إيقاع لحن «كسر السلاسل» (Break the Chains) الخاصة بالمبادرة العالمية لإنهاء العنف ضد المرأة. تُصوّر أغنية «رح قوم، رح أصرخ» أهمية أن تنظّم النساء أنفسهنّ، وتوحدن قواهنّ، رفضاً لانتهاك أجسادهنّ.
في ختام التظاهرة، أكدّت روحانا، باسم التحالف، أن «قوانين الانتخابات ليست أهم من قانون حماية النساء من العنف الأسري»، وطالبت بوضع القضايا الإنسانية والاجتماعية ضمن الأولويات السياسية، وتحمّل السلطات السياسية مسؤولية حماية النساء من القتل والتعذيب. وتوجّهت روحانا إلى نساء لبنان قائلةً: «لا تسكتن بعد اليوم، وليكن صوتكنّ صرخة مدوية في وجه صناديقهم الانتخابية»، من دون أن تشرح كيف ستكون الصرخة فعلياً «مدوّية»، أمن خلال الورقة البيضاء أو من خلال التصويت للأحزاب التي شاركت في التظاهرة؟
ووجهّت الأحزاب السياسية «رسائلها» في كلمتين ألقتهما كل من مسؤولة القطاع النسائي في «المستقبل» عفيفة السّيد ورئيسة مصلحة شؤون المرأة في «الكتائب» ريتا بولس. وقد استفزّت الكلمتان «الحزبيتان» عدداً من النشطاء، لما تضمنته من رسائل ترويجية لأحزابهما، فهتفوا في وجههما مردّدين كلمة «قانون»، في إشارة إلى اتخاذ حزبيهما موقفاً داعماً في المجلس وليس في الشارع فحسب.
وقد استخدمت السيّد لغة فضفاضة تعبيراً عن موقف «المستقبل» من قانون العنف الأسري، قائلةً «إن التيار يدعو إلى اضطلاع مجلس النواب بدوره في إقرار قانون يؤمن الحماية الفعالة للنساء من العنف الأسري». فاكتفت «بالاضطلاع بدور» وليس الإقرار.
فارتفعت، على تخوم قصر برّي، الهتافات احتجاجاً على كلمات ممثلي الأحزاب. فوقفت «كفى» بين النشطاء والأحزاب. ما فاقم التوتّر، لتنتهي المسيرة مثلما بدأت بـ«ضاق خلقي» وصوت فيروز.
كارول كرباج
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد