نساء يخلعن العباءات السود: لقطة واحدة تلخّص حرباً كاملة
كثيرة هي الصور التي تنشر عن سوريا منذ بداية الحرب، معظمها صور تسيل منها الدماء. كلّها صور تلخّص الحرب، وتروي محطّات مفصليّة منها. لكنّ صوراً "قدريّة"، خالية من الدماء، تمكنت أن تروي حكاية شعب أريد لحياته أن تصبغ بالسواد. شعبٌ يكافح السكين من خلف ستار سميك، بعيداً عن عيون المراقبين والصحافيين اللاهثين خلف صورة رأس مقطوعة هنا، وجثة مجهولة الهوية هناك.
الصور لنساء يخلعن تخلع عباءاتهنّ السوداء، فور خروجهنّ من مناطق سيطرة "داعش". وهي ليست صوراً فوتوغرافيّة، بل لقطات مأخوذة من فيديو سجّله الصحافي السوري الكردي شرفان درويش، خلال خروج عائلات من مناطق سيطرة تنظيم "داعش" إلى المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال السوري. انتشرت تلك الصور خلال الأيام الثلاثة الأخيرة على نطاق واسع. تداولتها الصحافة العالمية، وتحولت إلى ظاهرة على مواقع التواصل، لتغدو بحسب ما قال كثيرون، "لقطة العام"، أو ربما "لقطة الحرب" برمتها.
تظهر في إحدى الصور، امرأة تخلع عباءتها فور عبورها إلى "برّ الأمان"، بعيداً عن "شرائع دولة الخلافة" التي تفرض العباءة السوداء زيّاً رسمياً. من تحت العباءة تظهر جدائل المرأة المحناة، وفستان يضج بالألوان، ترتسم ابتسامة على وجهها، وتبرق عيناها بدموع الفرح، كأنّها تولد من جديد، تبعث من الموت إلى الحياة.
المصور الصحافي والناشط السوري الكردي جاك شاهين قام بعيد تسجيل الفيديو باستخراج عدّة لقطات منه، وبنشرها عبر حسابه على موقع "تويتر"، مقرونة بتعليقات قال فيها "من مناطق سيطرة داعش إلى مناطق سيطرة الأكراد". كما كتب تعليقاً تحت صورة أخرى: "امرأة عربية تخلع السواد بعد خروجها من منطقة تابعة لسيطرة التنظيم في تل أبيض في سوريا (شمالاً)، ووصولها لمنطقة خاضعة لسيطرة الأكراد". وحقّقت اللقطات منذ نشرها شاهين أكثر من ألفي إعادة تغريد.
عدّة صحف عالميّة نشرت الصور، ومنها "ذي اندبندنت" و"ذا غارديان" البريطانيتين. صحيفة "ذا ديلي ميل" حصلت على الحقّ الحصري بنشر الفيديو الأصلي (00:37 د.)، ويظهر عبور عائلات في سيارات محملّة بأغراض كثيرة، وقطع أثاث. ومع اقتراب العائلات من أحد حواجز المسلّحين الأكراد تنطلق الزغاريد وتبدأ بعض النسوة بخلع عباءاتهنّ ورميها، في مشهد كرنفالي، لتضج الصورة بألوان الفساتين.
وكتبت الصحيفة البريطانية على موقعها الالكتروني معلقة على الفيديو: "هذه لحظة لا تصدق (...)تنكشف الفساتين الملونة، يزاح الحجاب بعد أن تطير العباءة في مهب الريح بعد هروبهن من الاضطهاد الديني في ظل داعش".
يحمل التسجيل شعار "غرفة عمليات بركان الفرات"، وهو الاسم الذي اختارته الميليشيات الكردية وبعض الفصائل المعارضة التي تقاتل "داعش" في الشمال السوري. تدور المعارك حالياً في بعض المناطق الكردية في ريف محافظة الرقة التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" بالكامل، ويعتبرها مركز انطلاق لعملياته في سوريا والعراق.
وإلى جانب عشرات وسائل الإعلام التي قامت بنشر الصور، شارك آلاف الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي الصور مقرونة ببعض التعليقات من قبيل "انتصار الألوان والنور على الظلام"، و"الخروج من مناطق داعش"، وغيرها. في حين قام كثيرون بنشر الصور من دون أي تعليق عليها على اعتبارها "تحكي بتفاصيلها الحكاية". واللافت في موضوع الصورة انه ورغم ارتباط من التقطوها بالمعارضة، إلا أنّ ذلك التفصيل لم يلق أية أهمية بين الناشطين الذين تداولوها، والذين رأوا فيها صورة تلخص حكاية الحرب السورية، بعيداً عن الاصطفاف والانقسام والمتاريس.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد