نساء عند خط الاستواء
المجموعة التي اصدرتها اخيرا المؤسسة العربية للدراسات والنشر في 110 صفحات متوسطة القطع اشتملت على 12 قصة قصيرة وحملت عنوانا رمزيا معبرا هو "نساء عند خط الاستواء".
نساء قصص زينب حفني المظلومات ضحايا الرجل وتحكمه واستبداده.. هن في مرحلة "يستوي" فيها العمر بين الشباب وفترة الانتقال منه الى الكهولة وخط الشيخوخة. انها من ناحية اخرى مرحلة نضوج عاطفي نفسي وجسدي.
ومن المعاني المصاحبة لخط الاستواء كذلك.. الحرارة. والحرارة في العمر "الاستوائي" خطرة قد تدخل الانسان خاصة الانسان المظلوم في مرحلة انتقالية بل "انزلاقية" في حالات كثيرة.
الكاتبة تدعو في شكل تبشيري اجتماعي الى تجاوز الانزلاق بالانخراط في الحياة السليمة الصحية الصحيحة.
وعلى رغم ان تحكم الفكرة في قصص حفني يضعف فنيّتها احيانا اذ انه يجعل القارئ يدرك بصورة عامة النهايات التي سيصل اليها كثير من قصصها.. فقدرة الكاتبة على السرد جيدة تعوض القارئ عن بعض ما تخلقه الصفة "الوعظية" فيه من حرمان من عنصر المفاجأة والتشويق.
الكاتبة مصلحة اجتماعية ومدافعة عن حقوق الانسان من خلال حقوق المرأة المحرومة من كثير من هذه الحقوق. لكنها مع ذلك وعلى رغم ما سلف ذكره لا تقع في محظور البرودة الوعظية حتى حيث تتحول بعض قصصها الى شبه دراسة اجتماعية كما في القصة التي اعطت اسمها للمجموعة.
أهدت الكاتبة قصصها اهداء "اتهاميا" مبطنا الى جدة الجنس البشري وكأنها تلمح الى انه حتى الان ليس هناك من وسيلة لرفع الظلم عن المرأة وأن المتنفس شبه الوحيد هو الكتابة المتمردة.. فقالت "الى حواء.. المتهمة الوحيدة في قضية اخراج ادم من الجنة. اليها.. اهدي حروفي الثائرة عسى ان تجد فيها بعض العزاء".
الا ان تمرد زينب حفني يختلف عما الفنا قراءته من صور تمرد في نتاج قسم كبير من النساء الخليجيات. تمرد كثير منهن اتخذ صورة الانفلات الجنسي بمعنى ان تصور الممارسة الجنسية ممارسة لحقوق الانسان.
غالبية صور التمرد عند حفني كانت تمردا على الظلم والحرمان وفي الوقت نفسه على النوع المشار اليه من التمرد.
انه مطالبة بحقوق وفي الوقت نفسه رفض للرذيلة واذلال النفس وللفحش الجنسي والعلاقات الجنسية "المثلية" التي تصفها بأنها تتفشى نتيجة الحرمان وانغلاق ابواب الحرية امام المرأة الا ابواب نساء مثلها هن في الغالب محرومات ايضا. تعترف بالظلم وترفض تبرير ما تعتبره خطيئة ورذيلة وتدعو المرأة الى ان تحترم ذاتها.
القصة الاولى "ايقاعات انثوية محرمة" تقوم على وجهة نظر اختصرتها الكاتبة بالقول "تبا للرجل.ان اعطته المرأة ازدراها بعد ان تصيبه التخمة منها.. وان ضنت عليه اتهمها بالرجعية والتخلف".
تدعو الكاتبة الى عدم اذلال الذات وتصور بسرد جيد حدثا قد لا يكون مقنعا تمام الاقناع في تتابعه. الموضوع شبه كلاسيكي. امرأة تزوجت من رجل احبته فسلمته نفسها قبل الزفاف وبعد ذلك لم تدم قصة الحب فطلقها بعد ان قال لها خلال شجار "كيف اثق بامرأة وهبتني جسدها قبل ان اتزوجها.."
خلال سفرة في باريس تعرفت الى رجل اعجبها وبدا انها اعجبته. صباحا وهما في الفرش ناولها مبلغا من المال وطلب منها ان تتركه ينام. جرحها وأثار جنونها ان ينظر اليها كأنها مومس وهي فعلت ذلك عن اعجاب. ختاما دعت الى موقف خلقي من خلال تصرف معين. لدى خروجها دامعة من الفندق تبحث عن سيارة اجرة فلا تجد .. مرّ قربها رجل في سيارة ورمقها باعجاب. تذكرت ما جرى لها فاخذت تصيح به بالعربية وهو ينظر اليها بدهشة "لا اريد الركوب. اغرب عن وجهي ايها الوغد".
في "هل امارس جنوني" موقف مألوف. الفتاة المعجبة بمثالها الاعلى الكاتب الكبير داعية التحرر والتحرير تطلب مساعدته ليفتح امامها مجال ولوج عالم الادب والكتابة في الصحف فيرحب بها مادحا موهبتها. يطلب منها ان تقابله ويحاول اقناعها بضرورة التحرر وممارسة شيء من الجنون اي التمرد على التقاليد كي تثري خبرتها الانسانية والادبية. غادرته غاضبة وأقعدها خرس عن الكلام وكانت تود ان تقول له "انت اكبر مخادع كاذب. ما تقوله بين دفات كتبك وما تضمره شيء آخر.ترى كم من الناس مخدوعون فيك"؟
في "لا بد ان تغرد البلابل" امرأة تتعرف الى صديقات من مستويات عالية يجمعهن الحرمان. تكتشف خلال سهرة انها وسط حفلة صاخبة لمثيلات الجنس. تحاول سيدة القصر اقناعها بعلاقة وتشجعها صديقتها على ذلك كنوع من التعويض عن الحرمان وظلم الرجال لكنها ترفض.
الخاتمة تشكل دعوة من الكاتبة الى عدم اليأس والاستسلام فلا بد من ان تشرق الشمس ويأتي صباح جديد يحمل اليها حبا حقيقيا.
في "طقوس غير شرعية" حملة من خلال قصة شيخ دجال على المشعوذين الذين يستغلون حاجة بعض النساء الى الزواج بالسحر والادعاء الكاذب بالتدين فيسرقون اموالهن ويغتصبونهن.
في "امرأة على فوهة بركان" دعوة الى الرفض. امرأة تصل الى حدود السقوط ثم تعود الى رشدها وكرامتها. في "وفاحت رائحة عرقها" الطلاق الظالم والزوج الغني يترك طليقته وأطفاله مع نفقة قليلة تظهر تواطؤ القاضي مع الظالم. المرأة الضحية المسكينة تجد نفسها في طريق الرذيلة التي تكاد تقضي عليها لكن العودة الى الطريق القويم تتيح لابنتها زواجا جيدا.
قصة "نساء عند خط الاستواء" تصور اجتماع نساء مظلومات وقبل بدء حفلتهن تتناقشن في مطالبهن المحقة منزليا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا. كل منهن تكتب لائحة مطالب. الا ان الامر يبدو عبثيا تصوره احداهن قائلة "لكن حتى المثقفين من الرجال لا حول لهم ولا قوة في عالمنا العربي. كلهم تنهش جلودهم مخالب القمع والاستبداد. ان الطريق ما زال طويلا". بعد ذلك ينهضن الى العشاء ثم "نسمة خفيفة هبت. تطايرت اوراق احلامهن بعيدا خارج اسوار الحديقة. داست اقدام المارة على الأمنيات المستحيلة".
المصدر: ميدل إيست أونلاين
إضافة تعليق جديد