16-10-2020
نبيذ عينيكِ: شعر
قيس عبد المغني:
لم أشرب النبيذ يوماً
لكنني أعرف تماماً ذلك الشعور الذي دفع الراهب دوم بيير بيرينيون لأن يصرخ محتفلاً بعد أول رشفة شمبانيا في التاريخ
لم أجرب الويسكي كذلك
لكنني أشمه في قصائد و روايات فاحت عبقريتها
سمعت عن لذة البراندي
عن فحش الفودكا و قوة التيكيلا..
وعما تفعله البيرة في بطون البحارة وأحلامهم..
و مع هذا لم يسبق و أن تذوقت أي منها أبداً.
غير أني
و عندما أشاهد ملامحك عن قرب
عندما أتأمل تفاصيل وجهك و أنت تتحدثين
عندما أرتشف القليل من ابتسامتك
وأعب من دنان صوتك
أترنح حينها من ثِقل النشوة
و أضحك من شدة النسيان .
***
لو كان الحزن خمراً
سيصير حزني أفخر أنواعه و أغلاها ثمناً ،
في زجاجة خضراء داكنة سيأتي به النادل من القبو
وبرفق سيأخذه منه زعيم العصابة فاحش الثراء و يقدمه للسياسي الطاعن في الفساد والذي يدخن غليونه ببرود..
- أنظر إلى هذه .!
إنه حزن معتق منذ العام 1982
إنه بعمر ديناصور مراهق
أو شاعر
على أهبة الانشطار .
****
في تلك الظهيرة
لمستك من غير قصد
وكان هذا أهم حدث لي منذ أعوام .
لقد أسكرني وأصابعي
ملمس جلدك .!
*****
كان حلماً غريباً
لذيذ بشكل غير مسبوق
كان الجميع يحتفل بمايبدو أنه تحرير للبلاد
يحرقون الاطارات و أعلام الدول المعادية ،
يرممون الارصفة ويغسلون الأسفلت من بقايا الدماء ،
يزرعون الشتلات في الحفر التي أحدثتها قذائف الهاون ،
كان البعض يضحك و الآخر يبكي..
لكن الجميع صمت فجأة
عندما بدأ الراديو وعبر مكبرات صوت انتشرت في كل الأرجاء يبث مقتطفات من ضحكتك خلال حديثنا القديم حول الجمهورية الجديدة التي سنسمينها بأسمك ..
تلك الجمهورية التي سأكون أول مواطن يسارع بالانتساب إليها
و كذا
أول من يستشهد في سبيل ضحكتها .
*****
أحتاج بشكل مأساوي لصورة أكثر وضوحاً لحياتك
لتلك التفاصيل التي تختبئ في زحام يومياتك
أحتاج إلى لمحة إغاثية عن الأشياء التي ساقها الحظ لتكون قريبة منك ..
حذاءك..حقيبتك..سلة مهملاتك
طلاء أظافرك..فرشاة أسنانك
أسم عطرك
و لون مخدتك .
أنا الآن مثل مدمن هيروين مفلس
أتلوى ألماً من شدة افتقادي لك
لم أطلب منك الكثير ،
أردت فقط أن ألمس خصرك
أن أرى أصابع قدميك ..
و أن أتحسس بصمات سبابتك ،
لم أطلب المعجزات
أردت منك أن تقدميني لحزنك
أن تعرفيني بنعاسك
أن تريني خطك بالعربية ..
وتشهري في وجهي غضبك بالإنجليزية
أردت أن تضعي حداً لهواجسي و تفسري لي نكهة عنقك..
و كذا ضحكتك و أنت تثرثرين على المحمول .
مازلت أبحث عن شيء يصرف فكرة الوهم التي تسربت إلى صورك المشعة على رفوف ذاكرتي .
********
أتدرين مالذي قاله بيرينيون بعد أول رشفة من إكتشافه ؟
لقد صرخ منادياً زملاءه الرهبان :
- هلموا يا إخوتي
إنني أتذوق النجوم .
******
فتعالي إليّ إذاً
و دعي شفتيك تذوبان في محيط فمي
هكذا سأصرخ أنا أيضاً
مستجمعاً رفاقي القتلى والمفقودين :
- هلموا يا رفاق
إنني أعانق الله .
إضافة تعليق جديد