موارد سورية تستوعب 100 مليون نسمة… المستثمر منها 7% فقط!
لا يمكن التغاضي عما خلفته الحرب في سورية من آثار كارثية على الاقتصاد السوري وبنيانه وهيكليته، سواء لجهة التدمير الممنهج للبنى الإنتاجية، أم لجهة العقوبات والحصار الاقتصادي الخانق، وفيما تتجه الكثير من الآراء لإلقاء اللوم على الأزمة وتبعاتها فقط، تظهر قلة قليلة ممن يبحث ويستقصي عن السبب الأساس ومكمن الخلل بعيداً عن شماعة الأزمة، ففي ملتقى الحوار الذي أقامته قيادة فرع القنيطرة لحزب البعث العربي الاشتراكي تحت عنوان “الحرب الاقتصادية على سورية” عَمد الباحث والمحلل الاقتصادي د.شادي الأحمد إلى الانطلاق بتوصيف دقيق لاقتصاد ما قبل الأزمة في سورية حين كانت المعدلات الاقتصادية في 2010 عالية ومتميزة عالمياً، فمعدل النمو كان 5.9%، والناتج القومي 62 مليار دولار، كما كان يوجد 135 ألف منشأة اقتصادية مسجلة و 250 ألفاً غير مسجلة، وبلغ إنتاج سورية من القمح 4 ملايين طن سنوياً، و380 ألف برميل بترول يومياً، وتجاوز مجمل الاحتياطي 17 مليار دولار، متسائلاً فيما إذا كانت تلك نهضة اقتصادية فعلية أم هناك ثغرات تشوبها؟
ثغرة
فإن نظرنا إلى نسبة المستفيدين من معدل النمو برأي الأحمد فهي لا تتجاوز 22% فقط من المجتمع السوري، مضيفاً “لا أحد منهم في هذه القاعة اليوم؟” وهو ما يشكل برأيه ثغرة واضحة وخطأ في التوزيع، إضافة إلى خلل آخر ظهر في التنمية عندما توزعت معظم المنشآت الإنتاجية والصناعية في محافظتي حلب ودمشق لتبقى محافظات أخرى بلا أية منشآت، فالمناطق الشرقية التي تتركز فيها الثروات الباطنية وزراعة القمح والقطن لا تضم مصفاة أو مطاحن أو معامل قطن، وبينما يوجد 64 مطحنة في سورية تضم حلب فقط 29 منها، وهنا كان الخطأ الجسيم بتركيز كل القدرات الإنتاجية في مكان واحد، ما دفعنا ثمنه في الأشهر الأولى من اندلاع الأزمة.
وتوصل الأحمد بعد هذا العرض إلى أن هيكل الاقتصاد الوطني كان يعاني من خلل “غير مكشوف” حين غاب التخطيط الدقيق لتنويع مصادر الدخل وتنظيم الطبقة الوسطى أو ما أطلق عليه “أزمة ما قبل الأزمة” التي ضرت هيكلية الاقتصاد، إضافة إلى الخطأ في الاعتماد بالتجارة الخارجية على دول محددة وبيع 95% من البترول السوري لأوروبا فقط.
مقوم اقتصادي
ورغم توصيفه للخلل الهيكلي في بنية الاقتصار أشار الأحمد إلى أن السياسة الاقتصادية والدعم الأكبر للزراعة تليها الصناعة شكل عنصراً أساسياً في الحفاظ على المقوم الاقتصادي عموماً خلال الحرب، متسائلاً كيف استمرت قدرة الاقتصاد على الإنتاج في ظل الحصار الاقتصادي الجائر؟ ولدى حواره مع المشاركين في الملتقى لخص الأحمد الإجابة بأن حفاظ المجتمع السوري على التبادل بالليرة السورية حافظ على استقرارها نسبياً مقارنة بدول أخرى، في الوقت الذي تراجعت الوظيفة الاستثمارية، لتغطي الليرة السورية 30% من أي استثمار بعد أن كانت 80%.
قيم ضائعة
وكان مفاجئاً كشف الباحث الاقتصادي أن نسبة الموارد المستثمرة فعلياً في سورية لا تتجاوز 7%، في الوقت الذي تكشف فيه دراسات اقتصادية أن الموارد الحالية في سورية تستوعب 100 مليون نسمة فيها.! حيث أعطى مثالاً عن استثمار القطن والاستفادة من القيمة المضافة التي تبلغ 8 أضعاف حجمه؛ ما يؤدي لعائد يقدر بـ 15 مليار دولار فيما لو استثمر بشكل صحيح، إضافة إلى دراسة بيّنت أن استثمار البازلت السوري كما يجب قد يعود بـ3000 مليار دولار.
ثلاثة مستويات
ورأى الأحمد أنه يفترض النظر إلى إعادة الإعمار بثلاثة مستويات؛ أولها تعويض الأضرار وهو ما خصصت له الحكومة 50 مليار ليرة سنوياً، ثم إعادة التعمير وفقاً لنظام مقاولات منطقي ليشكل صدور القانون 10 لعام 2018 مقدمة قانونية لإعادة الإعمار، وآخر المستويات إعادة بناء النسيج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأخلاقي للمجتمع السوري. الأمر الذي يتطلب خطة واضحة وإرادة سياسية معلنة لإعادة الإعمار وإدارة الجهاز الحكومي للعملية بشكل جيد، وتفعيل جميع القوى المساهمة فيها، مع التركيز على إعادة إنعاش الطبقة الوسطى اقتصادياً.
وخلال إجابته عن تساؤلات الحضور شدد الأحمد على ضرورة تعديل البيئات (القانونية والتنظيمية والتشغيلية والتمويلية) حتى تتيح للمستثمر بيئة مناسبة وجاذبة، في الوقت الذي تشكل القدرة الاستثمارية ورجال الأعمال ورأس المال السوري فقط قوة كبيرة قادرة على إعادة الإعمار دون أي استثمار خارجي، غير أنه أبدى ارتياحه لنظرية الاتجاه شرقاً في التعاون الاقتصادي والاستفادة من دروس الحرب.
وحين توجه جزء من الحوار نحو المؤسسات السورية وإدارتها للأزمة علّق الأحمد بأننا بنينا مؤسسات وقصرنا بالفكر المؤسساتي، وهو ما ترتب عليه نتائج سلبية جداً، موضحاً أن الاستثمار لا يحتاج إلى رأس مال كبير، بل يتطلب فقط فكراً وتخطيطاً سليماً للخروج بنتائج مرضية، لافتاً إلى غياب التقسيم الاقتصادي الصحيح لسورية وهو ما تتطلبه التنمية الحقيقية في الفترة المقبلة.
البعث
إضافة تعليق جديد