من ينتظر بلاغات الحكومة؟

15-11-2007

من ينتظر بلاغات الحكومة؟

الجمل- راوند سيدو:  تتابع الحومة خطتها في رفع أسعار المواد الأساسية، ومنها تلك التي تسميها المواد المدعومة، وذلك لتغطية عجز ميزان المدفوعات لديها، ومؤخرا قامت برفع أسعار وقود السيارات (البنزين) بنسبة 20% وذلك ليلة الأول من تشرين الثاني من العام الجاري.
وبعيدا عن الحديث عن حيثيات قرار الرفع، وتوقيته، وطريقة تطبيقه التي كانت مفاجأة لجميع المتابعين للشأن الاقتصادي المحلي، فالذي كان مفاجأ أيضا هو غياب التنسيق بين لاعبي الفريق الحكومي أنفسهم، ونقصد بذلك الوزارات المعنية المتأثرة بالقرار.
فبعد 4 أيام كاملة تنشر جريدة تشرين تعميم وزارة الاقتصاد القاضي بتعديل تسعيرة وسائط الركوب العاملة على البنزين والذي يمكن اعتباره أول تعميم رسمي عام.
ولكن العاملين في قطاع المواصلات قد بدؤوا بتطبيق تعرفة جديدة بالفعل، منتهزين رفع أسعار الوقود كذريعة لبدء تطبيقها. إذ لم يعد بإمكانهم الانتظار أكثر من ذلك، وخاصة أن الأسعار قد ارتفعت بشكل عام ومازالت تواصل ارتفاعها على هامش المداولات والتصريحات الرسمية برفع الدعم أو إبقاءه.
والمواطن البسيط لا شك وقد لمس آثار رفع أسعار البنزين مباشرة على تسعيرة سيارات الأجرة، والتي ارتفعت 50% على الفور وذلك بإضافة نصف العداد أو 25 ليرة مقطوعة للمسافات القصيرة والمتوسطة. حيث لم تكن الجهة المشرفة عليها قد تهيأت بعد لتطبيق التسعيرة الرسمية كما حصل في كانون الثاني من العام الماضي حيث سارعت دائرة النقل في محافظة دمشق بتوزيع التعديلات على التسعيرة في اليوم التالي على تطبيقها من خلال شرطة المرور التي انتشرت بكثافة لمتابعة التزام سائقي سيارات الأجرة بوضع اللصاقة التي تبين التسعيرة الجديدة على بللور السيارة الأمامي.
هذه المرة كان الأمر مختلفا
فمحافظة دمشق انتظرت أسبوعين لتصدر التسعيرة الجديدة لسيارات الأجرة، أي أن النزاع بين سائقيها، والركاب استمر أسبوعين كاملين تحت مظلة من عدم المبالاة والتلكؤ الرسمي بالتدخل لوضع الأمور في نصابها، وهو ما شجع أصحاب السيارات العمومية على التمادي في ابتزاز المواطنين المحتاجين لخدماتهم.

ولكن هل قضي الأمر؟
لا نعتقد ذلك، فالتسعيرة الجديدة بحسب بلاغ وزارة الاقتصاد لم تأخذ بعين الاعتبار سوى الزيادة في أسعار البنزين بعين الاعتبار (وهو تماما ما حدث السنة الماضية حيث تم رفع التسعيرة 25% كحد أقصى)، وهو الأمر الذي لا يناسب أصحاب السيارات العمومية والشركات العاملة في قطاع النقل، ويجعلنا نتساءل فيما إذا كان قرار وزارة الاقتصاد مبنيا على أسس (اقتصادية) أم أن سائقي السيارات العمومية هم أكثر دراية بأصول إجراء مثل هذه الحسابات.
البنزين، مثل أي مادة استهلاكية أخرى، هو مكون من مكونات ما يسميه الاقتصاديون بسلة السلع، وهي مجموعة من السلع التي تمثل السلع التي يستهلكها الفرد مثل الطاقة- الغذاء- الكساء- الاتصالات... إلخ والتي تستخدم لحسابات التضخم. وقد تكون سلعة ما أكثر أهمية من الأخرى (أكثر ثقلا أو أكثر تأثيرا) ولكنها في نهاية الأمر جزء من السلة ليست إلا، أي أن زيادة أسعار باقي سلع السلة يؤثر على السلة أيضا.
ولنطبق ذلك على التسعيرة الجدية التي (ولغرابة الأمر) التي وبحسب وزارة الاقتصاد رأت أن "نسبة زيادة سعر البنزين في الصفيحة 20% ونسبة دخول البنزين في التكلفة 68% بالتالي فإن نسبة انعكاس سعر البنزين على التكلفة يعادل 13.6% لذلك فإن أي تعرفة جديدة ستنعكس انطلاقاً من هذه المعادلة"
وهذا يعني أمرا واحدا فقط، وهو أن زيادة التسعيرة لم تأخذ بعين الاعتبار الزيادات التي حصلت على أسعار باقي السلع في السلة، والتالي لا تعكس سوى جزءا من الزيادة في تكاليف تشغيل السيارات العمومية (سيارات الأجرة مثالا)، أي أن النتيجة هي انخفاض أرباح أصحابها بسبب زيادة أسعار السلع والخدمات المرتبطة بتشغيل السيارة (مثل الصيانة، وقطع الغيار...) وتكاليف المعيشة بشكل عام (بسبب التضخم)، والزيادة الوحيدة التي تعترف بها وزارة الاقتصاد هي الزيادة في سعر البنزين (المسعر رسميا)!
خلاصة القول، لا نعتقد أن أيا من العاملين في قطاع النقل سيرضون بهذه التسعيرة، وسيبقون يفرضون أسعارهم الخاصة تحت شتى المسميات، تحت غياب شبه كامل لرقابة الحكومة على أعمالهم، والأيام القادمة ستحمل الدليل القاطع، فلا أبلغ من قول الشاعر:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود.

الجمل

إلى الندوة

التعليقات

في محطات الوقود كاتمندو عاصمة النيبال تصطف السيارات في خط يفوق طوله ثمانية كيلو مترات و قد تحتاج سيارة الى ثلاثة ايام قبل ان تخرج من المحطة بحصتها من الوقود. هذه الحال بعد ان خفضت الهند كمية الوقود التي تصدرها الى النيبال بعد أن تضاعفت ديون الأخيرة من جراء ارتفاع ثمن البترول عالميا و عدم قدرة الإقتصاد المحلي على المناورة لاحتواء الأزمة . في سوريا عندما تطلب علكة من شباك بيع معد اصلاً لذوي الإحتياجات الخاصة سيبادرك الشاب الذي يعمل لحساب الأمن غالباً - و هذه جهة حكومية- بأن ثمن العلكة مرتفع لأن البترول ازدادت أسعاره و بهذا يسهم نفسه الذي إحدى مسؤلياته حفظ الأمن في رفع الأدرينالين في دم المواطن الذي لا يفهم كيف أن ارتفاع سعر البترول العالمي قد يسهم في رفع سعر العلكة و لا يسهم في رفع مستوى المعيشة في دولة منتجة للبترول و مصدرة له! أما أصحاب التكسي فهم الأسوأ حظاً فهم معرضون مباشرة لمخاطر السرطان و امراض الدم و التنفس نتيجةالمستوى المنحط لمقاييس الأمن البيئي. من ناحية ثانية يقضي سائق التكسي فترات عمل طويلة و مضنية مقارنة بكثير من موظفي الدولة الذين يرتعون في كل دوائر الدولة محولين الخدمات الحكومية الى مادة للإبتزاز و الإتجار. و غذا رغبنا ان نقوم بحسبة مسلية يكفي ان نقارن بين رجل يدفع مليون ليرة ثمن تكسي و آخر يشتري بنفس المبلغ حائط في دمشق ينام في ظله فإذا عدنا بعد سنة سنجد ان رأس مال صاحب التكسي قد نقص نتيجة استهلاك السيارة. و نجد ان عدد ساعات العمل الفعلي تساوي ما لا يقل عن 4000 ساعة عم في السنة يتم خلالها تقديم الخدمة الى ما لا يقل عن 8000 مواطن. و السائق يدفع ضريبة معلومة و محددة لا سبيل للهروب منها مثله مثل أي موظف. و هو يسهم في سلسلة عمل يدخل فيها الشرطي و الميكانيكي و تاجر قطع الغيار ... نعود الى الرجل الآخر فنجده مازال نائما في ظل الحائط و قد قدم للمجتمع ما قيمته صفر من الخدمات و لكن نجده و قد تضاعف رأس ماله بلا عمل و دون ان يدفع أي ضريبة دخل أو أن يسهم بما قد تسهم فيه أي قحبة بنشر جو من الحبور في صدر أحدهم. الآن لنتخيل صاحب التكسي و من خلال نقابته العتيدة قرر أن يركن سيارته و ان يمتنع عن العمل فيكون على الحكومة المعتدة بنفسها ان تحل مسألة لوجستية و هي نقل ملايين المواطنين عبر البلاد , فسائق التكسي بعمله الخاص يقدم خدمة عامة كانت لتقع على عاتق الدولة في حال غيابه! أستطيع أن أتخيل الحكومة و قد اشترت آلاف السيارات على حسابها و طرحتها في السوق للضمان عندها يأتي السائقين و يضمنوها دون ان يكونوا قد خسروا قرشاً واحداً و تبقى لهم مليونهم التي كانت مضرب مثلنا في هذا المقال. خلاصة القول هي أن على الدولة أن تحمي سائق التكسي من تجار السيارات و أن تتعامل معه على انه شريك في الخدمة العامة فتعفيه من رسوم الجمارك و تحتكر توزيع التكسي- سيارات الخدمة- و تسحب حق البيع من التجار و تبقي على ضريبة الدخل و بقية الرسوم الخاصة بالعمل. عندها يصبح السائق و المواطن بخير. لأن السائق الذي يسير في يومه القصير مالا يقل عن 200 كيلو متر لا يجب أن يعامل معاملة صاحب السيارة الخاصة.

لن أبتعد كثيرا، وسأضرب مثلا من بلد مجاور.
سمحت الحكومة في الأردن لكافة مالكي سيارات التاكسي التي مضى على دخولها في الخدمة أكثر من عدد معين من السنوات (لا أعرفه للأسف، ولكنني أعتقد أنه رقم ما بين 5-10 سنوات) باستبدال سياراتهم القديمة مع إعفاء من الرسوم الجمركية (والتي هي بالمناسبة حوالي 30% وضريبة مبيعات حوالي 13%) وقد أدى ذلك إلى إخراج آلاف السيارات التي كانت مصدرا للهدر الاقتصادي، والتذمر الشعبي!

الوضع لم يعد يحتمل فنحن نعيش حروب يومية بين الواطنين والسائقين الذين بدورهم يخوضون حروباً مع الحكومة... وليس هناك أي حل يلوح بالافق

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...