من يستطيع التفريق بين الاموات والاحياء في العراق
اصبحت مقابر العراق ملاذاً للعائلات التي هُجرت من مساكنها في اطار الفرز الطائفي المتزايد. ويحقق السكن في المقابر «مكاسب» كثيرة أهمها انه «اقامة مجانية طويلة الامد» على رغم ان البعض يعتبره إساءة الى سكان المقابر الأصليين الذين تعددت الإساءات اليهم في عراق ما بعد الاحتلال، لتشمل التجارة بأعضائهم وهدم قبورهم لدفن من تدفع عائلته كلفة «الاقامة»!
الحاج خليل عبدالله، من سكان منطقة الدورة (جنوب بغداد) سابقاً، اتخذ من احد سراديب مقبرة محمد سكران (شرق بغداد) مكاناً للاقامة مع عائلته، يقول: «بات من الطبيعي ان ترى الصغار يلعبون بين القبور، تتعالى ضحكاتهم متمردة على الصمت ومتجاوزة قوانين الطبيعة، فالأموات باتوا أصدقاء للأطفال وجيراناً للكبار ايضاً». ويضيف: «تلك الصداقة حتمت علينا تشكيل فرق حراسات لحماية القبور من عصابات السرقة التي لا تكتفي بهدم القبور للحصول على المرمر، الذي تُبنى منه، انما تسرق اعضاء الموتى وتتاجر بها لصالح المشعوذين والسحرة».
يقول ضابط مفرزة الشرطة المسؤولة عن حراسة مقبرة السكران «القى الحراس اخيراً القبض على ثلاثة لصوص يحاولون سرقة جثة شاب، بعد دفنه بيومين، كانوا اخرجوها من القبر ووضعوا تحت رأس الميت اناء مليئاً بالشمع بعدما أحدثوا ثقباً فيه لسرقة مخ المتوفي وبيعه الى السحرة». ويدفع المشعوذون مبالغ كبيرة بالعملة الصعبة ثمناً لملعقة كبيرة من مخ شخص توفي حديثاً ويستوفون ألف دولار لمن يريد الاستمتاع بجلسة اعمال سحرية ناجحة!
ويقول خالد رياض، احد المتخصصين بدفن الموتى، ان «من يسكن المدافن يرى العجائب! تارة نُشاهد امرأة وهي تنبش مقدمة قبر للحصول على كميات من التراب (...) وتارة اخرى نجد شيخاً طاعناً في السن وجد له مكاناً ضيقاً بين قبرين ليدفن او يدس شيئاً ما ويواريه التراب».
ام محمد (50 عاماً)، من سكان مدينة الصدر سابقاً، وتقيم حالياً في مقبرة ابو غريب تقول «معاناتنا لا تقتصر على تلك الأمور فقط اذ ان الأموات باتوا يزاحموننا شيئاً فشيئاً اثر تفاقم الوضع الأمني وتهجير العائلات من مناطق سكناها». وتكمل «نخشى ان يجيء اليوم الذي لا نجد فيه مكاناً لنا وسط تزاحم القبور!».
ومن المفارقات الساخرة في مقابر النجف وكربلاء، هذه المرة، ان بعض المتخصصين في دفن الموتى وتجهيزهم وجدوا لهم باباً جيداً لتحقيق الربح السريع الوفير من دون تبعات. ويقول اختصاصي الدفن في كربلاء محمد علي (35 عاماً) «اثر سقوط النظام وتدفق افواج الزوار من كل صوب، وتحديداً من ايران، باع بعضهم مساحات شاسعة من المدافن لأولئك الزائرين لدفن موتاهم حتى ان بعضهم اخذ يدفن جثث الأموات الايرانيين في قبور قديمة، خصوصاً تلك التي يعرف «الدفانون» ان لا أحد يزورها ومن ثم يبيع المساحة الى النزلاء الجدد»، و «لذا لم يعد مُستغرباً ان يبكي بعضهم على قبور لا تضم رفاة موتاه!».
المصدر : الحياة
إضافة تعليق جديد