من التدين إلى الإيمان: الفرق بين الزمن الدائري والزمن الممتد
يبدأ الزمن الإنساني لحظة وعي الإنسان به، وبالتالي فإن الزمن الواقعي ينبع من داخل الإنسان وليس من خارجه : فالوعي المخزن بذاكرتك اسمه أمس، والوعي الذي تتشربه الآن هو الحاضر، ومالم تدركه بعد هو المستقبل، غير أن الزمن ليس واحدا داخل الأفراد، فوعي الأصولي مغلق على الأمس وتجارب السلف الصالح، ووعي الحداثة مرتبط بآخر إنجازات العقول المبدعة في الأمم المتقدمة، ذلك أن التقدم يكون في الوعي وليس في الثراء أو القوة أو التدين، لأن الدين يقع في الماضي والثراء والقوة بلا معرفة لاقيمة لهما..
كل شيء يتبدل ويتغير بما فيه أرضنا والأفلاك من حولها، وبما أن الله هو نهر الزمن الذي نسبح فيه، يمكننا القول أننا محكومون بقدرته الكلية وأحرار في وعينا الجزئي: فهو الوعي الشامل بما كان وسيكون، ومعرفته تنفذ إلى العوالم الممتدة في الزمن، إذ تتكرر نسختنا في عوالم متعددة الأزمنة، ونحن مسيرون ومخيرون في الآن نفسه.. فإذا كنت تعبد الله عليك أن تقدس الوعي الممتد في الزمان، وأن تستغل عمرك للارتقاء بمعرفتك بما يقربك من العقل الكلي الذي هو الله وأنت قبس منه .. وحيثما عثرت على المعرفة تكون عبادتك وصلاتك، أما تكرار المحفوظات فهو يعيدك إلى الماضي لتغدو بعضاً من فضلات المستنقع وأشنياته الطحلبية.. وهذه معرفة متجددة يدركها الصوفيون والفلاسفة الذين يهملون الوقت الدنيوي ويمجدون المعرفة، فيعزفون عن صيام الشهر لأن حياتهم كلها صيام عن الخطأ، ويهملون توقيت الصلوات لأن سعيهم للمعرفة صلاة مستمرة، فهم متحررون من لازمة الوقت أكثر من غيرهم كما أنهم متحررون من ثنائية كافر ومؤمن، حيث تتغير الحالات، ويغدو الكافر مؤمناً والمؤمن كافراً، وما تصنيفات المتدينين لغيرهم سوى تعزيز للكراهية وإنعاش للعصبيات التي تغذي حروب الإنسان..فالمؤمن هو من يعي الوقت في المعرفة، ويدرك معنى وجوده على خط الزمان الممتد كالصراط المستقيم نحو المستقبل، وهذا هو الفارق بين المؤمن وبين المتدين بزمنه الدائري كما لو أنه أفعى تبتلع ذيلها، إذ يدور في حلقة مفرغة إلا من مومياءات الأجداد وعظام السلف الميت أو الصالح لافرق..
هامش: لم أتحدث اليوم عن عبقرية السلطات في رفع سعر البنزين التي ستؤدي طردا إلى ارتفاع سعر كل شيء ليرزح الناس في مزيد من العوز والجوع والمرض والفساد والجريمة والخضوع وتسلط الحزب على المؤسستين التشريعية والتنفيذية ..فقد مارست ذلك على امتداد ثلاثة عقود ولم تستمع السلطات لي ولمن هم مثلي: خائفون على الدولة من عسف موظفي السلطة ومنتفعي المعارضة... فقد مرت سورية في مثل هذه الأطوار من الإنحطاط أيام العثمانيين والمماليك وصولا إلى ظلم العباسيين ومن قبلهم الأمويين، حيث كان الشعب يتداوى بالحالات الصوفية في الزهد والتقشف والتأمل في قدرة الله والإنسان، فكان أن نشأت لدينا الكثير من الفرق الصوفية والباطنية.. لهذا أرتد إلى الزمن الذي كنت أكتب فيه نصوصا فلسفية صوفية في مقتبل حياتي وأجازني عليها نخبة نقاد العرب..
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد