مفتي مصر.. حق الردة مكفول ولا عقاب إلا إذا هددت أسس المجتمع
جدد مفتي مصر الشيخ علي جمعة التأكيد على حق كل إنسان في اختيار دينه وذلك بعد نشر وسائل الإعلام معلومات متضاربة في هذا الشأن، ما أثار جدلا بين العلماء وأساتذة العقيدة في الجامعة الأزهرية، حيث أجازها البعض مشيرا إلى اتفاقها مع الثوابت الشرعية بينما عارضها البعض الآخر وقالوا إنها تمثل تهاونا وتشجيعا على الردة.
وقال المفتي في بيان إن "الله قد كفل للبشرية جمعاء حق اختيار دينهم دون إكراه أو ضغط خارجي, والاختيار يعني الحرية والحرية تشمل الحق في ارتكاب الأخطاء والذنوب طالما ان ضررها لا يمتد إلى الآخرين".
وأوضح "لهذا قلت إن العقوبة الدنيوية للردة لم تطبق على مدار التاريخ الإسلامي إلا على هؤلاء المرتدين الذين لم يكتفوا بردتهم وانما سعوا إلى تخريب أسس المجتمع وتدميرها". وأضاف أن "هاتين الفكرتين تلخص مبدا اسلاميا: مع الحرية تأتي المسؤولية".
واكد المفتي وهو ثاني شخصية دينية في مصر بعد شيخ الازهر ان بعض الصحف المحلية "التقطت ما نشر لي على جريدة الواشنطن بوست وركزت على فكرة الحرية مخلفة انطباعا لدى القراء أن الخروج عن الاسلام امر هين وهو امر من الخطورة بمكان".
وفي تأويل تلك التصريحات اعتبرت بعض الصحف المصرية ذلك ترخيصا يسمح للمسلمين باعتناق ديانات اخرى او المسيحيين الذين اعتنقوا الاسلام بالعودة الى دينهم.
وخلص المفتي الى القول ان "حرصا منه على بيان ما قلته من حقائق في مقالتي الاصلية فقد ارسل المركز الاعلامي بدار الافتاء الى وسائل الاعلام بيانا اكدوا فيه على جانب المسؤولية وان الردة ذنب كبير يستوجب العقاب اذا صاحبتها فتنة في صفوف المجتمع".
- وأثارت تصريحات جمعة جدلا بين العلماء وأساتذة العقيدة في الجامعة الأزهرية، حيث أجازها البعض، مشيرا إلى اتفاقها مع الثوابت الشرعية بينما عارضها البعض الآخر وقالوا إنها تمثل تهاونا وتشجيعا على الردة.
وقال الدكتور نصر فريد واصل، عضو مجمع البحوث الإسلامية ومفتي مصر الأسبق، لصحيفة "الخليج" الإماراتية الجمعة 27-7-2007، إن "الخروج من الدين الإسلامي يخضع لقواعد شرعية وفقهية لا يستطيع أحد الالتفاف حولها، والمسلم الذي يفكر في تغيير دينه يخضع للأحكام الشرعية التي تتحدث عن عقوبة المرتد، وقد اتفق جمهور العلماء على حد الردة وتطبيق العقوبة وإن اختلف العلماء على مدة الاستتابة، وهل هي ثلاثة أيام أم طيلة العمر؟".
ومضى يقول "وتطال هذه العقوبة حالة المسيحي طالما أنه اعتنق الإسلام طواعية ودون ضغط من أحد، فمن يخرج عن الإسلام فهو مرتد، والحقيقة أننا مطالبون كمسلمين والكلام لواصل بإنزال الأحكام الفقهية على أرض الواقع حتى لا نترك المساحة خالية أمام الأدعياء الذين يشوهون الدين الإسلامي".
ويقول واصل "يجب على الجميع الوقوف أمام قضية المرتدين عن الإسلام بمنتهى الحزم حتى لا يستغل أصحاب المنظمات التبشيرية صمتنا وهفوات العلماء كي يزيدوا من أنشطتهم المعادية للإسلام، وفي ظل امتلاكهم المال فإنهم من الممكن أن يستغلوا ضعاف النفوس من الفقراء المسلمين ويتم إغراؤهم بالمال لتغيير دينهم، ويجب أن نتذكر أن هناك جهودا غربية تسعى منذ أكثر من ستين عاما لترسيخ حق المسلم في تغيير ديانته حتى تفتح مجال العمل أمام المنظمات التنصيرية".
ويضيف واصل أن "الإسلام نهى بشكل صريح وقاطع عن إرجاع من آمن (رجل كان أو امرأة) إذا تبين لنا صدق إيمانه بل يجب تأمينه على نفسه وحمايته من الارتداد أو التعرض للقهر والتنكيل والترهيب، والأصل في اعتناق الإسلام قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ). وهذا نص صريح بعدم إرجاع من آمن وتوصية بأن نمتحن من جاء إلينا راغبا في اعتناق الإسلام، والحقيقة أننا اليوم لا ندقق كثيرا وهو ما أوقعنا اليوم في هذه الأزمة حيث فوجئنا بالبعض ممن اعتنقوا الإسلام حديثا بأنهم اعتنقوه بسبب مرورهم ببعض الأزمات الاجتماعية التي يعانون منها في دينهم القديم، واليوم يريد بعضهم تحت ضغط الإغراء المالي وغيره أن يرتد عن الإسلام غير عابئين بأحكام الشريعة الإسلامية في هذا المجال".
"أرسل الله رسله عليهم السلام لتحقيق هدفين رئيسيين أولهما هداية الناس إلى التوحيد والإيمان بالله، وثانيهما إقامة الحجة على غير المؤمنين حتى لا يكون لهم حجة بعد الرسل"، هكذا بدأ المفكر الإسلامي الدكتور عبد الصبور شاهين كلامه مؤكدا أنه لا تعارض في قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً)، ونهت آيات كثيرة عن إكراه الناس على الدخول في الإسلام: (لا إكراه في الدين)، وذلك لأن سنة الله في خلقه هي التنوع والاختلاف: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)، وهناك ما يمكن أن نطلق عليه عوامل المحافظة على البقاء وحفظ النظام العام وهذا أمر معمول به في مجتمعاتنا المعاصرة وهو ما يطلق عليه الآن "الخيانة العظمى" للدولة وإيقاع عقوبة على من يرتكب هذه الخيانة وهو نفس المنطق الذي اتبعه الإسلام في التعامل مع مثل هذه الحالات حيث يجب تعريفه بأنه يجب أن يكون مقتنعا بالدخول في الإسلام ويُعرّف بالعقوبة الشرعية إذا تم اكتشاف استغلاله أو انتهازيته حتى لا يفتن الناس في دينهم أو يتخذ من الشرائع السماوية وسيلة للتلاعب.
- ويبدأ الدكتور حامد أبو طالب العميد السابق بكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية حديثه قائلا: إن الأصل في الإنسان أن يكون حرا في اختيار عقيدته وإذا استقر على عقيدة، حتى ولو كانت غير الإسلام، يجب أن يثبت عليها ولا يعادي المسلمين بالأقوال أو الأفعال. ويستطرد أبو طالب مشيرا إلى أن التلاعب بالدخول في الأديان والخروج منها حسب الأهواء ظاهرة قديمة وقد أورد لنا القرآن ما كان يفعله اليهود: (وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وقد أراد الله لدينه الخاتم أن يكون مستقرا فمن يدخله يجب أن يكون عن اقتناع تام ومعرفة بأحكامه ويرفض أن يكون الناس مجرد مقلدين لآبائهم في اتباع الأديان دون إعمال العقل والتفكير والاقتناع فقال تعالى في ذم هؤلاء: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)، كذلك يرفض الإسلام أن يكون وسيلة للاستهزاء وتحقيق الأهداف الشخصية ثم الارتداد عنه لأنه لا يجبر أحدا على الدخول فيه، ومع هذا إذا خرج شخص مسلم عن دينه ولم يعلن ذلك ولم يعاد المسلمين أو يتطاول على الدين فهو حر والكلام لأبو طالب مع وجوب استتابته بالحسنى أما إذا أشهر عداءه فهنا يجب على المسلمين أن يردعوا من يتطاول على دينهم أو يسخر من عقيدتهم بتطبيق عقوبة المرتد التي أوصلها بعض الفقهاء إلى القتل، ولا يطبقها عوام الناس بل إن ولي الأمر هو الذي يقرر ذلك ويحدد العقوبة التعذيرية التي تتناسب مع جريمته.
- وتفرّق الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، بين حالتين من المرتدين أولهما من ارتد بينه وبين نفسه ولم يظهر أي عداء للإسلام فهذا حر في عقيدته وينطبق عليه قوله تعالى: (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)، وهذا الصنف من المرتدين لا مشكلة لنا معه، أما الصنف الثاني فهو من يرتد عن الإسلام ويشهر العداء لأتباعه ويتم استخدامه وسيلة لهدم الإسلام والسخرية من عقيدته ومناصرة أعدائه وهنا المشكلة ليست في تغييره عقيدته وإنما في أنه تحول إلى "محارب" للإسلام والمسلمين وواجبنا والكلام للدكتورة آمنة رد العدوان من خلال حد الردة ممن يتربص بالجماعة المسلمة وهنا يكون التطبيق لقوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)، فنحن هنا نرد عدوانا ولا نبدأ بالعداء.
وتحذر من خطورة استسهال التحول والانتقال بين الأديان مثلما فعلت مجموعة من مسيحيي مصر الذين تحولوا إلى الإسلام لتحقيق أهداف شخصية من طلاق أو زواج أو أي هدف آخر، فمثل هؤلاء يجب أن يسجنوا لأنهم اتخذوا أديان الله هزؤا وهؤلاء المتلاعبون الخبثاء لا يمثلون نقصا حقيقيا في أعداد المسيحيين ولا إضافة حقيقية للمسلمين ولهذا يجب أن يتصدى المسلمون والمسيحيون لهؤلاء المستهزئين بالأديان.. وتقول نصير: إن على المسيحيين إدراك أهمية البقاء على عقيدتهم والتمسك بها مثلما تعرض سبعون ألف مسيحي للقتل في عهود الرومان من أجل عقيدتهم فيما يعرف بيوم الشهداء، وفي نفس الوقت نحن لا نريد في الإسلام إلا المسلم الحقيقي الذي جاء إليه باقتناع أما من يرتد ولم يعادنا فله ذلك ومن أظهر العداء والتطاول فواجبنا الرد بتطبيق حد المرتد وليس في هذا إجبار أو إكراه.
- ويشير الدكتور عبد المقصود باشا، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة عين شمس، إلى أن كل كتب التاريخ الإسلامي لم تذكر أبدا أي حديث عن تنفيذ حد الردة ولم يظهر تنفيذ هذا الحد في العصر الحديث إلا على يد التابعين للمنظمات المتطرفة والتي شاهدت كثيرا من وقائعها عبر مواقع الإنترنت حيث كانوا يذبحون الناس كالنعاج لمجرد أنهم رأوا فيهم نوعا من أنواع الارتداد عن الدين.
ويضيف قائلا: إنني ومن خلال قراءاتي ومطالعاتي الشخصية في العديد من المصادر التاريخية لم أقرأ أو أرصد أي شيء حول حادث معاقبة مرتد من الإسلام، وبالطبع فقد شهد التاريخ الإسلامي حالات ردة وإن كانت ليست بكثيرة وأنا أرى أن الآراء الفقهية القديمة والحديثة اتفقت على وجود آراء متعددة في حكم المرتد عن الإسلام، فهناك من قال: يجب أن يقام عليه الحد فورا، وهناك آراء أخرى قالت: يجوز إمهاله شهرا أو حولا وهناك آراء ذهبت إلى حد السماح للمرتد بالاستتابة مدى الحياة، وأنا شخصيا أميل إلى الرأي الأخير والكلام لباشا وهذا أخذاً بالأحوط فقد يكون الذي دفعه للردة أمر طارئ وسرعان ما يكتشف خطأه.
وعن موقف الشخص الذي يعتنق الإسلام ثم يقرر الارتداد عنه لأسباب اجتماعية أو سياسية يقول الدكتور عبد المقصود باشا: إن هذا تلاعب بالدين وكارثة أخلاقية حيث يمارس هذا الشخص النصب والاحتيال في حق الأديان جميعها ورغم ذلك فأنا لا أرى أن ينفذ فيهم حد الردة بل أرى أن هناك حاجة لسن قانون جديد لمحاكمتهم بتهم النصب والاحتيال على الدين.
ويضيف: أن محاكمتهم بتهم النصب والاحتيال هي الأفضل لأننا اليوم ضعفاء وتسن لنا السكاكين، فمن الأفضل الانكفاء على ذاتنا خاصة من الناحية الدينية فهذا يجنبنا الكثير من المشكلات وغلق هذه الأبواب والأخذ بأضعف الآراء التي تنصرنا هو الأفضل للإسلام والمسلمين.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد