معركة التعديلات الدستورية ومفاعيل الصراع السياسي في مصر

21-03-2011

معركة التعديلات الدستورية ومفاعيل الصراع السياسي في مصر

الجمل: شهدت الساحة المصرية خلال اليومين الماضيين انعقاد جولة الاستفتاء الدستوري والتي أعلنت نتائجها بالأمس مؤكدة وقوف الأغلبية المصرية الساحقة مع إجراء التعديلات الدستورية: فما هي دلالة هذه التعديلات؟ وما هي تأثيراتها على مستقبل مصر السياسي خلال الفترة القادمة؟
* مسرح الصراع الدستوريخارطة جمهورية مصر العربية والمدن الرئيسية فيها المصري: توصيف المعلومات الجارية
سعى نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك إلى اعتماد دستور مصري يتضمن المزيد من البنود التي تعزز من قبضته على السلطة، الأمر الذي أدى إلى تصاعد المعارضة السياسية ضده، وبعد الإطاحة بنظامه برزت أزمة المسألة الدستورية، وفي هذا الخصوص برز المزيد من الانقسام والخلاف حول شكل ومحتوى الدستور المصري الذي يتلاءم مع معطيات التحولات الجديدة التي أدت إلى الثورة المصرية الأخيرة، وفي هذا الجانب برز اتجاهان:
•    الاتجاه الأول: يقول بضرورة إلغاء الدستور الذي وضعه نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وإعداد دستور جديد ببنود جديدة وعرضه للاستفتاء العام لإجازته كدستور جديد، ومن أبرز أنصار هذا الاتجاه مجموعات الشباب التي قادت الثورة إضافة إلى الأحزاب العلمانية والجماعات المسيحية القبطية.
•    الاتجاه الثاني: يقول بضرورة مراجعة وتقويم الدستور الذي وضعه نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك وتعديل المواد والبنود التي لا تتناسب مع المرحلة الجديدة وعرضها للاستفتاء العام، ومن أبرز أنصار هذا الاتجاه حركة الأخوان المسلمين وبقية القوى السياسية ذات التوجهات الإسلامية.
سعت الأطراف المطالبة بإلغاء الدستور ووضع دستور بديل إلى اتهام جماعة الأخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المصرية الأخرى بأنها ترفض إلغاء الدستور حفاظاً على المادة التي تؤكد أن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للدولة المصرية.
أدت الخلافات بالمقابل إلى تزايد الحوار والمناقشات وفي نهاية الأمر تم حسم الخلاف على أساس الاعتبارات الآتية:
-    إن إلغاء الدستور المصري سوف يؤدي إلى فراغ دستوري يمكن أن يقوم المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة باستغلاله والاستمرار في السلطة.
-    إن تعديل الدستور يمكن الاكتفاء به في الوقت الحالي كإجراء مؤقت إلى حين انعقاد جولة المباحثات العامة البرلمانية والرئاسية، وبعدها سوف يكون للطرف الفائز في هذه الانتخابات حق السعي لإجراء التعديلات الدستورية أو إبطال الدستور واستبداله، طالما أنه يملك الأغلبية المطلوبة التي تخول له حق القيام بذلك.
حزمت الأطراف السياسية المصرية أمرها، وخاضت أمس الأول معركة الاستفتاء العام الخاص بالتعديلات الدستورية وجاءت النتيجة: إجمالي عدد الذين شاركوا في التصويت 18.537.954 شخصاً – الذين قالوا «نعم» للتعديلات 14.192.577 شخصاً – الذين قالوا «لا» للتعديلات 4.174.187 شخصاً – الأصوات التالفة 171190. وتأسيساً على ذلك فقد أيد التعديلات الدستورية 77.27% من إجمالي المشاركين ورفضها 22.72% وبلغت نسبة الأصوات التالفة 92% وهي نسبة لا تؤثر على النتيجة العامة.
* محتوى التعديلات الدستورية الجديدة
تقول المعلومات، بأن المواد الدستورية التي ظلت مصدراً للخلاف والصراع هي تسع مواد يمكن الإشارة إليها على أساس اعتبارات التحليل المقارن القانوني-السياسي على النحو الآتي:
-    المادة 75: تقول من يتولى منصب الرئيس المصري يجب أن يكون مصري الميلاد ومن أبوين مصريين ويتمتع بكامل الحقوق المدنية والسياسية ويجب ألا يقل عمره عن 40 عاماً، وقد تم تعديل هذه المادة بحيث تصبح: من يتولى منصب الرئيس المصري يجب أن يكون مصرياً بالميلاد من أبوين مصريين ويجب ألا يكون قد تعرض لاتهام فيما يخص بالحقوق المدنية والسياسية وأن لا يكون أحد والديه من حملة الجنسيات الأجنبية ويجب أن لا يكون متزوجاً من أجنبية ويجب أن يكون عمره على الأقل 40 عاماً.
-    المادة 76: تقول بأن مجلس الشعب هو المعني بتسمية رئيس الجمهورية المرشح، وبعد ذلك يتم طرح الترشيح للاستفتاء العام، واشترطت الحصول على تأييد ثلث الأعضاء كشرط لقبول الترشيح، وفي حال حصول المرشح على ثلثي أصوات المجلس فإنه يتم طرح الترشيح للاستفتاء، وإذا لم يحصل على الثلثين فإنه لا تتم إعادة التصويت داخل المجلس مرة أخرى خلال يومين من تاريخ التصويت الأول، ومن يحصل على الأغلبية العادية يتم طرح ترشيحه للاستفتاء العام بحيث إذا لم يحصل على الأغلبية فإن المجلس يقوم بترشيح بديل جديد عنه وبنفس الطريقة.
هذا، وتم تعديل هذه المادة بحيث أصبحت: يتوجب على من يتقدم للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية المصري أن يكون حاصلاً على تأييد 30 عضواً في البرلمان، أو أن يحصل على تزكية 30 ألف ناخب مسجل في 15 محافظة على الأقل بحيث لا يقل عدد ما يحصل عليه في أي محافظة عن تزكية 1000 ناخب، ويحق للأحزاب أن تقدم مرشح عنها ولكن بشرط أن يكون للحزب نائب واحد على الأقل في البرلمان.
•    المادة 77: تقول بأن فترة ولاية منصب رئيس الجمهورية هي ست سنوات من لحظة إعلان نتائج فوزه بالمنصب، إضافة إلى أنه يحق للرئيس أن يعاد انتخابه لعدة ولايات متتالية في المنصب، هذا وقد تم تعديل هذه المادة بحيث أصبحت: فترة ولاية الرئيس المصري هي أربع سنوات ويمكن أن يعاد انتخابه لمرة واحدة فقط بعد ذلك.
•    المادة 88: تقول بأن القانون هو المناط به تحديد الشروط التي يجب أن يلتزم بها أعضاء البرلمان وتحديد قواعد الانتخابات والاستفتاءات إضافة إلى أن الاقتراع يجب أن يتم تحت إشراف أعضاء من الجهاز القضائي، هذا، وقد تم تعديل هذه المادة بحيث أصبحت: يتم الإشراف على كامل عملية الانتخابات والاستفتاءات بواسطة لجنة انتخابي-قضائية تستند على أحكام وبنود القانون والدستور.
•    المادة 93: تقول بأن على مجلس الشعب أن يقرر مدى صلاحية أعضائه وبأنه حق للمحكمة الاستقصاء في صلاحية المرشحين المتقدمين لعضوية المجلس بعد أن يقوم رئيس المجلس برفع أسمائهم للمحكمة، وبعد اكتمال العملية، فإن القرار النهائي بعدم صلاحية أي عضو يجب أن يتم داخل المجلس وبأغلبية ثلثي الأعضاء حصراً، هذا وقد تم تعديل هذه المادة بحيث: تختص المحكمة الدستورية العليا وحدها بتحديد صلاحية أو عدم صلاحية أي عضو في البرلمان إضافة إلى أن المطالبة بإصدار قرار بعدم صلاحية العضو يجب أن يتم رفعها إلى المحكمة الدستورية العليا خلال 30 يوماً من تاريخ الانتخابات على أن تُصدر المحكمة قرارها خلال 90 يوماً ويكون قرارها نهائياً.
•    المادة 139: تقول بأن رئيس الجمهورية يستطيع تنصيب نائب واحد أو أكثر له إضافة إلى حق رئيس الجمهورية في تحديد صلاحياتهم وفترة صلاحياتهم وقد تم تعديل هذه المادة بحيث: يتوجب على رئيس الجمهورية تنصيب نائب أو أكثر له خلال فترة 60 يوماً من توليه منصب الرئيس وفي حالة قيام الرئيس بإقصاء أحد نوابه فإنه يتوجب عليه تعيين البديل عنه.
•    المادة 148: تقول بأنه من حق رئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ وأن يحيل القرار لمجلس الشغب خلال 15 يوماً، وفي حالة عدم وجود المجلس فإنه يتوجب على رئيس الجمهورية إحالة قرار الطوارئ للمجلس الجديد عند انتخابه وفي أول جلسة يعقدها. هذا، وقد تم تعديل هذه المادة بحيث: يتم إعلان حالة الطوارئ حصراً إذا وافقت عليها أغلبية البرلمان على أن لا تتجاوز فترة حالة الطوارئ الستة أشهر، وفي حالة الرغبة في تجديدها وتمديدها فإنه يجب طرح الأمر للاستفتاء العام.
•    المادة 179: تقول بأن المدعي العام يجب أن يعمل تحت سيطرة وإشراف مجلس الشعب وقد تم إسقاط هذه المادة من الدستور بحيث لا يخضع المدعي العام لأي سلطة ويعمل بحرية مطلقة في تحريك الإجراءات القانونية والقضائية.
•    المادة 189: تقول بأن إعداد وتعديل الدستور هو من حق رئيس الجمهورية ومجلس الشعب وقد تم تعديل هذه المادة بحيث أصبحت تقول: أن المطالبة بإعداد الدستور أو تعديله يجب أن يتم بعد الحصول على موافقة رئيس الجمهورية وتأييد نصف أعضاء البرلمان إضافة إلى أعضاء البرلمان الجديد الذي سوف يتم انتخابه حق كتابة الدستور الجديد خلال 60 يوماً وعرضه للموافقة النهائية بواسطة البرلمان والشعب.
نلاحظ أن التعديلات الدستورية التي تم القيام بإجازتها لم تركز على البنود المتعلقة بالهوية مثل الانتماء الديني أو تحديد اللغة الرسمية وما شابه ذلك، وفقط ركزت حصراً على البنود المتعلقة بعملية تداول السلطة وتولي المناصب، بما يحقق الانفتاح أكثر فأكثر، وفي هذا الجانب نلاحظ أن لجنة إعداد التعديلات الدستورية قد ركزت حصراً على تعديل البنود الدستورية التي ظلت تشكل السبب الرئيسي في تحريك وإشعال مفاعيل الصراع ضد نظام الرئيس السابق حسني مبارك.
* العملية السياسية المصرية في المرحلة القادمة: إلى أين؟
بدأت الأوساط الشعبية المصرية خلال عشية خروج الرئيس حسني مبارك وهي أكثر تماسكاً لجهة القيام بإنجاز هدف الاحتاجاجت السياسية الرئيسية وهي الإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك، ولكن بعد خروج مبارك بدأت القوى السياسية والشعبية المصرية وهي أكثر قابلية لاستبدال حالة التماسك بحالة التفكك، وذلك بفعل الخلافات المصرية-المصرية التي تضمنت الآتي:
•    الخلاف حول الهوية الدينية: بحيث تقول الأغلبية بأن الإسلام هو الدين الرئيسي للدولة، وتقول الأقلية المسيحية إضافة إلى القوى العلمانية بضرورة عدم الالتزام دستورياً لجهة تحديد أي هوية دينية للدولة المصرية.
•    الخلاف حول الهياكل السياسية: بحيث تقول الأغلبية بأن هدف الثورة هو القضاء على نظام مبارك، وما حدث هو أن الرئيس السابق حسني مبارك قد خرج، ولكن النظام ما زال باقياً وبالتالي يتوجب الاستمرار لجهة إكمال عملية تصفية هياكل النظام وأقلية تقول بأن هدف الثورة بتصفية النظام قد تحقق جزء كبير منه بخروج الرئيس مبارك، وبالتالي يتوجب إعطاء الفرصة للمجلس الأعلى العسكري للقوات المسلحة باعتباره مجرد هيئة انتقالية أو سلطة تصريف الأعمال إلى حين قيام الانتخابات البرلمانية العامة والرئاسية وبعدها يمكن إكمال عملية تصفية ما ابقى من نظام الرئيس السابق حسني مبارك.
تشير المعطيات الجارية إلى أن مفاعيل الصراع السياسي المصري-المصري سوف تزداد وتائر فعالياتها الساخنة مع اقتراب انعقاد جولة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العامة والتي سوف يتم إجراءها بعد حوالي 5 أشهر تقريباً، وبكلمات أخرى، فإن عمليات التنافس السياسي بين القوى السياسية المصرية المتصارعة سوف تنطوي على قدر كبير من طاقة عمليات التعبئة السلبية الفاعلة وفي هذا الخصوص يمكن أن نتوقع الآتي:
•    صعود تأثير عامل الملف الاقتصادي وذلك لأن عملية الأزمة المصرية الحالية تتميز بجذورها الاقتصادية العميقة.
•    صعود عامل ملف الصراع العربي-الإسرائيلي وذلك لأن جزءاً كبيراً من مفاعيل الغضب الشعبي الذي أطاح بالرئيس حسني مبارك قد تشكل على خلفية مواقفه السالبة التأثير على القضايا والحقوق العربية العادلة والمشروعة.
•    صعود تأثير عامل ملف الهوية وذلك لأن جزءاً كبيراً من الاحتقانات المجتمعية المصرية يعود إلى الصراع بين القوى السياسية الآتية: القوى الإسلامية، القوى المسيحية، القوى العلمانية، القوى القومية الاجتماعية.
هذا، وعلى خلفية التفاعلات الجارية يمكن الإشارة إلى أن الأوفر حظاً لجهة الصعود خلال الصراع التنافسي السياسي المصري القادم هم: القوميون الاجتماعيون المصريون الداعمون لشعار مصر للمصريين، والإسلاميون المصريون مع ملاحظة أن تأثير العامل القومي العربي سوف يظل يشكل حضوره القوي وذلك على لأن كل القوى السياسية المصرية المتصارعة لا تختلف حول مبدأ العروبة ودور مصر الهام في المنطقة وضرورة استعادة هذا الدور.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...