مصر: «الميدان» يحصّن «الشرعية الثورية»
حتى ليل أمس، كانت الكلمة ما زالت للثورة، حيث تدفق الملايين إلى ميدان التحرير وباقي ميادين مصر للدفاع عن «الشرعية الثورية»، بانتظار حل الخلاف المستجد بين حركة «تمرّد» و«حزب النور» السلفي على خلفية رفض الأخير ترشيح رئيس «حزب الدستور» محمد البرادعي لرئاسة الحكومة في المرحلة الانتقالية، فيما بدا «الإخوان» شبه معزولين في ميدان رابعة العدوية وأمام دار الحرس الجمهوري، وبعض البؤر الأخرى في القاهرة والمحافظات، بانتظار تدخّل أميركي ينقذ رئيسهم المعزول، مراهنين على سيناريو تتضاءل احتمالات نجاحه يوماً بعد يوم، في ظل الانقسام الأميركي حول طبيعة ما جرى في مصر خلال الأسبوع الماضي، والاعتراف الأوروبي بأن ما تشهده مصر ليس «انقلاباً عسكرياً».
في القاهرة، امس، مشهدان اختزلا حراك الشارع المصري بعد أسبوع على «ثورة 30 يونيو». الأول أمام منصة رابعة العدوية حيث يعتصم مؤيدو الرئيس المعزول محمّد مرسي منذ أسبوع، والثاني في ميدان التحرير، حيث جدد المصريون دعمهم للعهد الجديد.
الفريقان حرّكهما ما تردد صباحاً، من أن ثمة اقتراحاً أميركياً بأن يعود مرسي إلى الرئاسة ليوم واحد، ويقدم بعده استقالته، مبرراً ذلك بحفظ دماء المصريين. ولذلك فقد سعى المعسكران لحشد الشارع، لتوجيه رسائل «عددية» إلى الأميركيين.
الاقتراح الأميركي، كما قيل، يستهدف تجنيب مصر سيناريو «الحرب الأهلية»، التي انضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طابور الزعماء الدوليين المحذرين منها، ويخرج جماعة «الإخوان» بخسارة محتمل قبولها، ليتم على أساس ذلك إشراكها في «خريطة المستقبل» للمرحلة الانتقالية... أما الصعوبة والمشكلة في ذلك الاقتراح فهما مصير القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي.
الفريقان كانا يحشدان بقوة، وبسلمية لافتة، وواصلا الحضور في الميادين، من دون أن يظهر حتى الليل أثر لذلك الاقتراح.
على منصة رابعة العدوية، سأل الخطيب: «هل تعرفون كم من إخوانكم يتجهون إلى دار الحرس الجمهوري؟»، ليجيب صارخاً: «أربعة ملايين من إخوانكم ذهبوا ولن يعودوا إلا والرئيس مرسي معهم»، فيردد الحشد: «الله أكبر، مرسي رئيسنا». بعدها بنصف ساعة، أعاد الرجل السؤال، فأجاب: «ثلاثة ملايين في (ميدان) النهضة، وأربعين مليوناً في باقي المحافظات» فيرد الحشد عليه «ولسه.. ولسه».
على المقلب الآخر، كان معتصمو ميدان التحرير وقصر الاتحادية يرفعون لافتات موجهة مباشرة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، تصفه بـ«راعي الإرهاب»، وترفض تدخله، وانحيازه لـ«الإخوان»، وهو مشهد تكرر في كل الميادين، من سيدي جابر في الاسكندرية، مروراً بالمحلة والمنوفية والمنصورة وصولاً إلى السويس وبور سعيد والاسماعيلية.
وبحلول ساعات المساء الأولى، كانت الرسالة واضحة: ملايين المصريين هتفوا: «نعم للشرعية... الثورية».
في مقابل ذلك، اصطدم التحوّل السياسي في مصر بأولى العقبات، بعدما نجح «حزب النور» السلفي، ثاني أكبر فصيل إسلامي بعد «الإخوان المسلمين»، في إزاحة مؤسس «حزب الدستور» محمد البرادعي من منصب رئيس الحكومة، إلى منصب نائــــب رئيس الجمــــهورية للشؤون الخارجية.
وكان المصريون قد استبشروا خيراً، مساء أمس الأول، بعدما أكدت مصادر رسمية تكليف محمد البرادعي تشكيل الحكومة الانتقالية، وهو ما ترافق مع تسريبات عن التشكيلة الوزارية (ترددت معلومات عن تعيين جمال فهمي وزيراً للخارجية، وخالد علي وزيراً للقوى العاملة، وأحمد النجار وزيراً للمال، وذلك بعدما تأكد تعيين الكاتبة سكينة فؤاد مستشارة في رئاسة الجمهورية لشؤون المرأة).
ولكن سرعان ما أصدر «حزب النور» بياناً أعرب فيه عن رفضه تكليف البرادعي تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما دفع برئاسة الجمهورية إلى إصدار بيان، بعد منتصف الليل، تنفي فيه تكليف أي شخصية حتى الآن بتشكيل الحكومة.
ووضع «حزب النور» النظام السياسي الجديد أمام اختبار صعب ومعقّد، بعدما اختار فكرة «المصالحة الوطنية»، ووضعها على المحك، مهدداً بالانسحاب من العملية السياسية إذا كلف البرادعي برئاسة الحكومة، ما يعني أن العهد الجديد سيفتقد تماما أي «غطاء إسلامي».
وقال عضو المجلس الرئاسي في «حزب الــــنور» عبدالله بدران إن رفض الحزب تولي البرادعي رئاسة الحكــــومة ينطـــلق من أن المرحلة الحالية تحتاج إلى ترشيح أسماء تــــلقى قدرا كبيرا من التــــوافق لدى القوى الســـياسية والشعبية، وأن تكون ذات سمعة كبـــيرة من الاستقلالية الحــــزبـــية والسياسيـــة بما يمهّد الأجـــواء للمصالحة الوطــنية الحقيــقية.
وكان الاسلاميون قد شنوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة شديدة على البرادعي بعد الثورة التي أسقطت حسني مبارك في شباط العام 2011، واتهموه بأنه وافق على زواج ابنته من مسيحي، وهو ما نفاه البرادعي، مؤكدا أن ابنته تزوجت بريطانياً بعدما أشهر إسلامه في الأزهر، وعقد قرانه عليها طبقا لتعاليم الإسلام.
وفيما حاولت حركة «تمرّد»، التي رشحت البرادعي لرئاسة الحكومة، إقناع «حزب النور» بقبول خيارها، وذلك خلال اجتماع عقد بين الطرفين مساء أمس، طرح أهل الحكم الجديد تسوية تقضي بتعيين البرادعي نائباً لرئيس الجمهورية للشؤون الخارجية، استناداً إلى علاقاته الدولية المتعددة، وتكليف القيادي في «الحزب المصري الديموقرطي الاجتماعي» زياد بهاء الدين بتشكيل الحكومة الانتقالية.
وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية أحمد المسلماني، في تصريح لقناة «اون تي في»، إنه «بنسبة غالبة، سيتم تعيين زياد بهاء الدين رئيسا للوزراء والدكتور البرادعي نائبا للرئيس».
لكن «حزب النور» سارع أيضاً إلى رفض ترشيح بهاء الدين، مستنداً إلى الذريعة ذاتها، التي رفض على أســــاسها البرادعي، وهي أن بهاء الدين شخصية حزبية، بحكم انتمائه إلى «الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي».
من جهة ثانية، قال أعضاء في الكونغرس الأميركي إنه ليس من المرجح أن توقف الولايات المتحدة المعونة التي تقدمها لمصر (1.5 مليار دولار سنوياً)، برغم عزل مرسي. وقال عضو مجلس النواب الجمهوري مايك روجرز لشبكة «سي.ان.ان» إن «علينا أن نستمر في دعم الجيش، فهو قوة الاستقرار الوحيدة في مصر التي أعتقد أن بإمكانها تهدئة النزاع السياسي».
واتفق مشرعون آخرون على ضرورة أن تتوخى واشنطن الحذر في تعاملها مع الوضع المضطرب في مصر وهي تحاول الانتقال إلى حكم ديموقراطي.
وفي الجزائر، رفض رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو وصف ما حدث في مصر بالانقلاب العسكري، معتبراً أن «الديموقراطية يصنعها الديموقراطيون».
ورأى أن «الجيش المصري جاء لتصحيح الوضع في البلاد»، مشيراً إلى ان «الديموقراطية ليست انتخابات فقط، وإنما هي أيضاً قدرة الدولة على توحيد الشعب لا تقسيمه».
محمد هشام عبيه وعمرو بدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد