مشروع مبادرة أوروبية لحل الأزمة المصرية
يبدو أن أملاً ضئيلاً للغاية قد بدأ يلوح في أفق المشهد المصري المضطرب، وقد عكسه بالأمس قرار اتخذته وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون بتمديد زيارتها للقاهرة يوماً آخر، بعدما جالت بين مختلف الأطراف السياسية المصرية لاستطلاع المواقف، طارحة أفكاراً أولية لحل الأزمة السياسية المفتوحة على احتمالات عدّة أخطرها دخول مصر في حرب أهلية وتحوّلها إلى «دولة فاشلة»، في ظل استمرار الصراع بين «ثورة 30 يونيو» وبقايا نظام «الإخوان المسلمين».
وبرغم التفاؤل الذي علّقه البعض على الحركة المكوكية للوزيرة الأوروبية في القاهرة، إلا أن آشتون لا تحظى حتى الساعة بتكليف رسمي وعلني من قبل القوى المصرية للقيام بدور «الوسيط»، خصوصاً أنها لم تقدم أفكاراً محددة، سواء في المحادثات التي أجرتها مع الرئيس الموقت عدلي منصور ونائبه محمد البرادعي ووزير الدفاع الفريق اول عبد الفتاح السيسي وحركتي «تمرد»، وشباب 6 أبريل»، ولا خلال اجتماعها بوفد «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب».
وكشف المتحدث الرسمي باسم حركة «تمرّد» محمود بدر عن أن آشتون «حملت ما يشبه مبادرة أوروبية»، تتضمن «دعم عملية انتقالية شاملة تشارك فيها جميع الأطراف السياسية، بما في ذلك الإخوان المسلمون، وتشمل إقامة نظام دستوري، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتشكيل حكومة مدنية، وذلك بهدف التوصل إلى خريطة طريق لفترة انتقالية».
ولفت بدر إلى أن وفد «تمرد» ابلغ آشتون رفض الحركة «الخروج الآمن» لقيادات «الاخوان»، محذراً من أن الاعتصامات المسلحة تشكل «تهديدا» للشعب المصري، ولا يمكن الصمت عليها. واضاف: «طلبنا، خلال اللقاء مع آشتون، إدانة تلك الاعتصامات».
وتابع بدر أن «حل الأزمة الراهنة يبدأ من سيادة دولة القانون»، مشدداً على أنه «لا يوجد لدينا استعداد للتراجع، وخريطةالطريق الانتقالية يجب ان تكتمل، وقد طلبنا من آشتون إيصال رسالتنا هذه إلى كل الأطراف».
وكشف بدر عن انه قدم لآشتون ثلاثة مطالب، أولها الاعتراف بالموجة الثورية في 30 حزيران وشرعية خريطة الطريق الانتقالية، وثانيها فض الاعتصامات المسلحة في الميادين، وثالثها تقديم المطلوبين للعدالة لمحاكمة قضائية عادلة وناجزة.
رفض»مبادرة» آشتون لم يقتصر على حركة «تمرد»، فالوزيرة الأوروبية جوبهت بعراقيل أبرزها تمسك طرفَي الأزمة السياسية بموقف كل منهما.
وأعرب «حزب الحرية والعدالة» عن تحفظه على أي مبادرة أوروبية، رافضاً طلب آشتون عقد لقاء مع المرشد العام لـ«الإخوان» محمد بديع، فكان لقاؤها مع قيادات من «التحالف» الإسلامي المؤيد للرئيس المعزول محمد مرسي في أحد فنادق القاهرة، وقد ضم الوفد خمسة قادة في «التحالف» هم محمد محسوب («حزب الوسط») ومحمود طه («حزب البناء والتنمية» التابع لـ«الجماعةالإسلامية»)، ومحمد علي بشر (عضو مكتب الإرشاد في «الإخوان»)، وعمرو دراج («حزب الحرية والعدالة»)، ورئيس الحكومة السابق هشام قنديل، كما حضره نائبا رئيس «حزب النور» السلفي أشرف ثابت وبسام الزرقا.
وقال المتحدث باسم جماعة «الاخوان المسلمين» جهاد الحداد، تعليقاً على زيارة آشتون، إن «المسألة بسيطة للغاية... لن نغادر مكاننا»، مضيفا: «سنزيد الاحتجاج والاعتصامات، وينبغي أن يرشد شخص ما هذه القيادة الى طريق العقل».
ويبدو أن «الإخوان» يميلون إلى التصعيد، فخلال دعوة تلقتها «السفير» للمشاركة في جولة نظمتها الجماعة في ميدان رابعة العدوية للاطلاع على ما يجري هناك، قال القيادي «الإخواني» جمال حشمت إن «الحل الوحيد يكمن في عودة مرسي والدستور والبرلمان، وبعدها يمكننا الجلوس للتفاوض».
وبسؤاله على ماذا سيكون التفاوض حينها، قال حشمت: «على أي شيء يريدونه»، لكنه شدد على أن «كل الخونة لازم يتطهروا، وذلك سوف يكون اول ما نفعله عقب عودة الرئيس». وعندما سألته «السفير» من يقصد بـ«الخونة»، أجاب: «كل من انقلب على الديموقراطية».
أما جهاد الحداد فقال لـ«السفير» إن فض الاعتصام يستلزم 100 الف قتيل وهي فاتورة لا يستطيع الجيش تحملها. وأضاف: «فليقوموا بذلك... نحن مستعدون لأن نقدم 100 الف شهيد».
هذا الكلام كرره القيادي «الإخواني» سعد الحسيني خلال الجولة، حين قال إن «ما حدث عند دار الحرس الجمهوري كان درسا قاسيا لهم (الجيش)، ومنذ ذلك الحين لم يطلقوا رصاصة».
على المقلب الآخر، أكّد نائب رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية محمد البرادعي بعد لقائه آشتون أن أي حلول يُمكن التفكير فيها يجب أن تتم في إطار احترام سيادة القانون ومؤسسات الدولة والامتناع عن تهديد أمن البلاد.
وكشف البرادعي عن أنه ابلغ آشتون أن القيادة الجديدة في البلاد «تبذل كل ما في وسعها للتوصل إلى مخرج سلمي للأزمة الراهنة بما يحفظ دماء جميع المصريين».
وأكدت مصادر أن اللقاء بين آشتون والفريق أول عبد الفتاح السيسي ورئيس الأركان الفريق صبحي صدقي وعدد من قادة القوات المسلحة «تناول تبادل وجهات النظر حول المستجدات في المشهد السياسي المصري وعملية التحول الديموقراطي، ودور الاتحاد الأوروبي خلال المرحلة الحالية والرؤية المستقبلية لدعم الاستقرار في المنطقة».
من جهته، قال المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية أحمد المسلماني إن آشتون «التقت عددًا من المسؤولين لتبادل وجهات النظر حول الوضع السياسي في مصر»، مضيفًا: «لا توجد لدي أي معلومات حول قيامها بدور الوساطة، ولكنها تقدم نصائح فقط، ولسنا في إطار صراع دولي، فالأمر كله داخلي وبالتالي يحل داخليًا».
وأكد المسلماني أن القرار المصري وطني خالص «ولا يخضع لأي ابتزاز من الداخل أو الخارج». وأضاف: «نحن نستمع إلى زائري الدولة المصرية، ونقدر علاقتنا بالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان وأميركا وكل القوى الفاعلة، ولكن لا أحد يتصور أننا أسرى الضغط الخارجي»، مشددا على أن «ما يحكمنا هو البيت المصري وليس البيت الأبيض».
والتقت آشتون، ضمن جولتها، بوفد من حركة «شباب 6 إبريل»، التي أكد منسقها العام أحمد ماهر أنه أبلغ الوزيرة الأوروبية «رفض العنف بكل أشكاله»، وأن «جهود المصالحة الوطنية لا بد وأن تبدأ على اساس المحاسبة والعدالة الانتقالية التي لا بد أن تطال كل من أساء إلى الوطن وحرّض على إسالة دماء أبنائه».
وأوضح ماهر انه شدد خلال اللقاء على أنه «لا بد للجميع من اتباع خريطة الطريق التي توافقت عليها غالبية المصريين للمضي قدماً في بناء الدولة وتحقيق أهداف الثورة بناء على الإرادة الشعبية المصرية ومن دون تدخلات خارجية».
من جهة ثانية، أكد رئيس مجلس الوزراء المصري حازم الببلاوي أن القرار الجمهوري بتفويضه اختصاصات رئيس البلاد المتعلقة بقانون الطوارئ لا يعني فرض حالة الطوارئ، مشيرا إلى أن قانون الطوارئ موجود في كل دول العالم ولا يتم تفعيله إلا في حال وقوع ما يستدعي فرضه.
وقال الببلاوي، خلال مؤتمر صحافي: «أتمنى عدم الاحتياج إلى إعلان حالة الطوارئ وتفعيل قانون الطوارئ، وان تسير البلاد بالقانون العادي»، مضيفا أن «المشاكل الاقتصادية لا يمكن حلها سوى بعد حل المشاكل الأمنية».
أحمد عبد الفتاح وماجد عاطف
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد