مستقبل أفضل يغمز لنا بعينه
الجمل- أوزكور مومجو*- ترجمها عن التركية: محمد سلطان :
العالم بات عالماً آخراً من عدة نواح. بمفهوم آخر؛ نحن نمر بمرحلة "حزام ظلامي" ما بين العالم القديم والعالم الجديد. إن النظام العالمي الذي اعتقد أنه سوف يحكم العالم ألف سنة, بات يتضعضع، أي أنه لم تقترب نهاية العالم بعد. ولم تنتشر الديمقراطية واقتصاد السوق الحر في جميع أصقاع العالم مثل العصا السحرية. ولم يعد يحكى بأن بلدين يحويان على أراضيهما مطاعم للماكدونلدز أنهما لن يتجابها ضد بعضهما. وأبرز مثال على ذلك, هي الحرب التي دارت بين روسيا وجورجيا.
إن الاتحاد الأوربي الذي خطا خطوة كبيرة نحو التوسع منذ عشرة سنوات, لم يعد يستطيع رؤية مستقبله، ناهيكم عن التوسع. إن المملكة المتحدة على وشك الخروج من الاتحاد الأوربي.
كما أن القيم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم تقريباً أصبح فيها تجاوزات غير خافية على العين. كما أصبح معروفاً لجميع الناس أن الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم عام 2008 كان تأثيرها أعظم مما توقع الجميع، حيث أن المعارضات ضد الأنظمة الاستبدادية منذ بدء الأزمة الاقتصادية وحتى يومنا هذا فتحت مجالات أكبر لهذه الأنظمة لتثبيت حكمها.
استطاعت بعض هذه الأنظمة التسرب إلى ضمن دول الاتحاد الأوربي التي تعتبر نفسها مركز "ديمقراطية الأكثرية". وكمثال واضح وصريح لهذا التسرب هو الأنظمة الحاكمة في هنغاريا وبولونيا. ولكن؛ إن الأحزاب والقوى المعارضة لهذه الأنظمة, وخصوصاً في أوربا, في ارتفاع ملحوظ وجدي. وبهذا, نستطيع القول أن تأثير تلك القوى على الأحزاب الحاكمة أصبح أقوى من قبل.
ربما لن يكون من المفاجئ في المستقبل القريب رؤية قوى سياسية ذات شعبية تملك توجهات قومية معادية للغرباء ومنطوية على نفسها من جهة أخرى تسيطر على أنظمة الحكم في بعض دول الاتحاد الأوربي.
كذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، فهي بدورها ليست بعيدةً عن هذا الخطر المحدق بها. إن حيازة دونالد ترامب على تقبل وشعبية لا بأس بها لدى المجتمع الأميركي تعتبر ضمن سياق هذا المسير العالمي، في حين لم يكن يعتقد أحدهم سابقاً أنه سيتمكن أن يكون مرشحاً إلى الرئاسة الأميركية.
من المعلوم أن نتنياهو في إسرائيل ومودي في الهند وأمثلة أخرى يصنفون ضمن قائمة "أنظمة الديمقراطية غير الحرة " أو إن صح التعبير "الأنظمة الاستبدادية الجديدة". كذلك هو الحال في نظام الحكم في تركيا.
كتب العديد من الأكاديميون والخبراء عن هذا الموضوع مقالات عدة. في المحصلة, نحن أمام مشكلة نظام كوني انتقالي كبيرة. نحن الآن ضمن مرحلة انتقالية حساسة، وعندما نكون ضمن هذه المرحلة, من الصعب علينا تحديد الأسباب الموضوعية المنطقية لهذا الانتقال.
في المثال الذي قدمه الصحفي باول ماسون عن الكاتب شكسبير, أنه تحدث لنا ضمن أعماله وكتاباته عن مجتمع ينتقل بسرعة من المرحلة الإقطاعية إلى المرحلة الرأسمالية. يتحدث شكسبير في أعماله عن التأثيرات التي تركتها هذه التحولات الاجتماعية الضخمة على نفوس ومشاعر وأفكار الناس, في حين لم تكن مصطلحات هذه المرحلة موضوعة بعد ولم تتحدد معالمها.
من المحتمل أن يتوجه العالم نحو نظام عالمي جديد، وبحسب نظريات بعض الخبراء الاقتصاديين, أننا بتنا قاب قوسين أو أدنى من انتهاء الدورة الصناعية الرابعة منذ بداية الثورة الصناعية. وبمساعدة التكنولوجيا الحديثة, نستطيع القول أننا دخلنا الدورة الصناعية التالية وبتنا على أبواب الثورة الصناعية الجديدة.
بالنظر إلى الظروف الحالية, فإن النظام الاقتصادي الذي بين أيدينا غير كافٍ. وإذا أضفنا إلى ذلك, المجتمع الاستهلاكي والحياة الفردية التي ظهرت في الخمسين سنة الماضية, فإنه يتراءى لدينا منظر يشبه حقبة الثلاثينيات من القرن المنصرم.
المنظر العام مخيف بعض الشيء. ولكن بعض الأحيان "مستقبل أفضل" يغمز لنا بعينه. إن معارضة الأنظمة لا ينبع فقط من الحنين لحريات الديمقراطية فقط ولا من معاداة اليمين والأنظمة الاستبدادية. بمعنى آخر, نستطيع رؤية علامات نظام اقتصادي واجتماعي جديد متجسد ضمن شعار "عالم أفضل ممكن".
إن هذا المستقبل يغمز لنا بعينه في تمرد "حديقة كيزي" في تركيا, وفي حركة "Occupy Wall street (احتل وول ستريت)" في أميركا, وفي حركة بوديموس Podemos في اسبانيا, وفي بيرني ساندرز Bernie Sanders في أميركا. بالرغم من نواقص وتشرذمات وقلة خبرات هذه الحركات, فليس خاف عنا غمزة المستقبل لنا من خلال هذه الحركات.
غير واضح مدى طول هذا الحزام الظلامي وماذا سيكلف البشرية. ولكن الواضح لدينا هو أن الأنظمة الرأسمالية المتمثلة بالحداثة, باتت عاجزة ومهملة أمام التطورات التكنولوجية والمتطلبات الاجتماعية المستمرة.
فلنستمر بالوقوف أمام الأنظمة الاستبدادية الجديدة. ولنعارضها ونقاومها بقوة. لأنه عند انتهاء حكمها لن يكون المستقبل الجديد بعيداً جداً. فإنه يغمز لنا بعينه منذ مدة طويلة. ما علينا إلا أن نلبي دعوته. فلنفكر منذ الآن بالمستقبل الجديد ما بعد الرأسمالية. لأنه بات قريباً جداً. وهو يغمز لنا بعينيه.
*(أوزكور مومجو – صحيفة: جمهورييت)
الجمل
إضافة تعليق جديد