مزيج المال والسياسة في الانتخابات الأمريكية

ليس مزيج المال ـ السياسة بالامر غير المألوف في الحياة الأميركية، وكل ما يهم هو حرص المرء على ألا يُضبَط في العلن وهو ينهل منه الكثير.
هذه المعادلة جرّدت الرأس المدبّر للحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون من منصبه، في هذا الاسبوع، بعدما تحول خلطه بين عمله العام والخاص إلى مشكلة. فقد كان مارك بن الرئيس الاستراتيجيّ ومستطلع الرأي لحملات هيلاري كلينتون الانتخابيّة، علاوة على مكانة خاصة يتمتع بها في الدائرة الضيقة لآل كلينتون. لكنه رفض التخلي، ولو مؤقتاً، عن مهنته الاخرى كرئيس تنفيذي في مجموعة الضغط والعلاقات العامة «بورسون مارستيلر»، وذلك في وقت لا يلقى فيه موظفو مجموعات الضغط سمعة طيبة، فهم دوماً عرضة لتهم الرياء والفساد. ولم يسهم بن بتبييض هذه الصورة.
لقد حقق بن، وفق ما تقول تقارير إعلامية، أرباحاً تتجاوز عشرة ملايين دولار من عمله في حملة هيلاري كلينتون: تحت إشرافه، شككت هيلاري كلينتون خلال حملتها، في التجارة الحرّة، وعارضت صفقة وشيكة مع كولومبيا، في وقت تقاضت فيه شركة «بورسون مارستيلر» نحو 300 ألف دولار، مقابل إقناع القادة الاميركيين بتوقيع العقد.
ولمزيد من التوضيح، كان بن ومرشّحته ضدّ الصفقة، في حين كان يعمل مع شركته على إبرامها. حتى أنه التقى شخصياً بالسفير الكولومبي، وهو أمر بقي طيّ الكتمان إلى أن نشر في الصحافة الأميركية في وقت حسّاس للغاية.
وهكذا، يبدو أن حملة كلينتون الانتخابيّة بحاجة لفوز ذي وزن في الانتخابات التمهيدية المقبلة في ولاية بنسلفانيا، حيث تظهر استطلاعات الرأي انحدار شعبيتها. وهي تعتمد بشكل خاص على ناخبي الطبقة العاملة الذين يشكلون قاعدة مؤيديها، والذين يحملّون التجارة الحرّة المسؤولية عن سلبهم وظائفهم.
بعد افتضاح صفقة كولومبيا، اعتذر بن علناً، ووصف اجتماعه بالسفير أنه «خطأ في التقدير»، ما أثار غضب كولومبيا التي سارعت إلى طرد شركة بن. أما كلينتون، فاكتفت بتجريده من لقبه كرئيس استراتيجيّ للحملة، فيما سيتابع القيام باستطلاعات الرأي للحملة من دون أن يتخلى عن عمله لدى «بورسون مارستيلر».
لعله أثمن من أن تخسره كلينتون. لعلّ حملة كلينتون، كأية منظمة سياسية في الولايات المتحدة، تدرك ببساطة أنّ المال والسياسة باتا ملتحمين منذ زمن بعيد، لدرجة لم يعد يمكن معها الفصل بينهما.
كل ما في وسعك هو أن تأمل ألا يُكشف أولئك الذين يمثلونك وهم ينهلون من ذلك المزيج القويّ، علناً.

(*) جوناثان مان، مقدم تلفزيوني في «سي ان ان» يغطي سباق الانتخابات الاميركية.
المصدر: «السفير»