مخاض «المدموزيل»
سعاد جروس: حين كانت الصواريخ الإسرائيلية تقطع أوصال لبنان, وتدمر منشآته وتقتل أبناءه, وتفجر عشرات الضحايا أشلاء على الشاشات في وجوه عرب أتقنوا الصمت, ظهرت المدموزيل كوندوليزا مكشرة عن أنيابها لتطمئننا مشكورة بأن ما نراه من دماء وآلام, ليس سوى مخاض لولادة شرق أوسط جديد. إذاً علينا ألا نقلق أبداً, ولننتظر على باب غرفة العمليات بهدوء انتهاء الجراح الإسرائيلي, كي يتم مهمته الموكولة إليه في بقر بطن شرقنا لإخراج مولود, اشبينته المدموزيل الساحرة كوندي, إذ لا بد من أن يخالط العملية بعض السحر الشرير, تتم تحت إشرافها بعد توليها إخراج المولود إلى الحياة منحة من بوش الكلي القدرة. مولود أبهجت بشائره عجائز العرب, إذ يأتيهم من غامض علمه بعدما أكلهم سن اليأس وشربهم عدة مرات على مدار العقود الأخيرة, فيفرحون بقدومه أكثر من بوش نفسه, حتى لو كان المولود مبندق أو ابن حرام أو نتيجة تلقيح صناعي, أو استنساخاً لمخلوق متكامل التشويه؛ كل ذلك غير مهم, المهم أن يأتي هذا الصغير ليزين حياتهم الهادئة الباردة بسلسلة من الصراعات والمواجهات مع شعوبهم المشاغبة, تُغيّر على سبيل الترفيه إيقاع حياتهم الرتيب, وتكون فرصة سانحة لحصد ما تبقى من رؤوس يابسة وناشفة, من أجل بقاء أطول على عروش ومناصب تختخت وهرهرت من فرط العجز.
لا يجوز التعجب من رؤية بعض العرب يفرح بمولود المدموزيل الموعود, لاسيما وقد جندوا أنفسهم لتلقفه بالأحضان وبمزيد من الحنان, فنراهم وقد انهمكوا بالتحضير لاستقباله على شفحة ولفحة, واحد يشتري الهدايا والسكاكر, وآخر يحضر الحفاضات والديارة, وثالث يقلب دليل مطهري الأولاد للاتفاق على موعد الطهور والاستعداد لحفلة بطنّة ورنة, يرقص على وقع قرقعتها العالم المتحضر والمتأخر, فالعرب الذين ينتظرون مولود المدموزيل على أحر من الجمر, لن يقبلوا أن يتم ختانه على الساكت, يكفيهم أن عمليات التلقيح لم يكن لهم فيها يد ولا رجل, ولكن بما ان الأمور سائرة معهم وبدونهم, لن يدعوا هذا المولود لتستفرد بتربيته أميركا وإسرائيل, إنه في النهاية زُرع في بطونهم وسوف يستخرج منها, لذلك سيسعون بكل ما بوسعهم لتسهيل ولادته, ويتنافسون على تسجيله كل في دفتر عائلته, كأول العنقود وليس آخره, حتى لو كان ابن حرام, لن يوفرهم عاجلاً وليس آجلاً من ولدنته وزعرنته وميوعته.
إلا أن أميركا المشجعة على تحسين النسل نحو الأسوأ, لن تهتم بكل تلك المظاهر الاحتفالية, ما يعنيها أولاً وأخير من سيدفع تكاليف المستشفى والطبيب, وبالتالي على هؤلاء المتطوعين لاستقبال ولي العهد الاميركي الإسرائيلي المعرّب, حلّ الزنار وبذل الدولار, فليس من المنطق أبداً أن تتعب أميركا وإسرائيل في الزنى والجرصة والتجريص, ليأت هؤلاء ويتلقفوا المولود على بارد المستريح, وكأنهم أمه وأبيه, فالحق حق, وما سلف كله كوم وما يأتي كوم آخر. فإذا تساهلت أميركا مع العرب أثناء عمليات تخصيب العراق بالأجنة الفاسدة, فلن تتساهل بعد الوصول إلى مرحلة المخاض, وإذا أجلت المحاسبة ودفع التكاليف, فليس إلى ما بعد الولادة. بصراحة, لا احد يضمن النتائج, فالمخاض الذي بشرت به المدموزيل كوندي يعد بولادة عسيرة, قد لا ينجو منها المولود, والمخاطر تهدد جميع الموجودين في غرفة العلميات, إذ لا يمكن لأحد التهكن بماهية المولود المصنع, إذا كُتب له عمر, فقد يأتي وحشاً كاسراً, أو تنيناً ينفث النار في وجه أربابه, ولهم في فرانكشتاين عبرة. كل شيء وارد, طالما الخيال السياسي الأميركي, يُسقط من حساباته البشر وأمانيهم وحقوقهم المشروعة, ولا سيما هي تَعِد بالعواصف إن تحركت, وكأنما المنطقة ليست أكثر من قطعة حجر يعيد نحتها وتشكيلها وفق هوى سياسات جشعة ورعناء.
قد يحق لأميركا ما لا يحق لغيرها, مادام هناك مصفقون مزمنون لبراعتها, ومنفذون دائمون لأفكارها مهما كانت مدمرة. وبالدرجة ذاتها, يحق لشعوب المنطقة بموجب قانون الطبيعة والطبائع أن تستمر في رفض كل ما يفرض عليها قسراً, وان تقاوم محاولات شطبها من الوجود, في معركة وجودية أعلنتها أميركا. عموماً, على المعتدي التنبه إلى أن المقاومة لن تتراجع عن شعارها: «نكون أو لا نكون».
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد