مجلات وزارة الثقافة النائمة متى تستيقظ
عاماً بعد عام تثبت المجلات الفنية الفصلية المتخصصة بشؤون السينما والمسرح والفن التشكيلي والموسيقا التي تصدرها وزارة الثقافة وجودها من خلال توثيقها للفن السوري الأصيل..واليوم تبدو هذه المجلات على مفترق طرق،فإما ان تستمر في مسيرتها الأكاديمية الرصينة التي اعتادت عليها طيلة العقود الماضية واما ان تتدخل بها يد العابثين والكسالى فتحولها الى مجلات هزيلة لا طعم لها ولا لون..الا ان المنطق يقول: ان الغلبة يجب ان تكون للاحتمال الأول ومن أجل ذلك تم مؤخراً في وزارة الثقافة عقد العديد من الاجتماعات مع المسؤولين عن هذه المجلات بحضور الأستاذ فؤاد بلاط مستشار وزير الثقافة، نوقشت فيها شؤون هذه المجلات والعقبات التي تقف حائلاً في وجه تطورها وانتظار صدورها وقد توجت هذه الاجتماعات باجتماع عقده وزير الثقافة د.رياض نعسان آغا مع المسؤولين المباشرين عن هذه المجلات: د.عبد الله السيد عن الحياة التشكيلية ومحمد حنانا عن الحياة الموسيقية وبندر عبد الحميد عن الحياة السينمائية وجوان جان عن الحياة المسرحية..ومن أجل معرفة واقع وأفق عمل هذه المجلات كانت لنا وقفة مع السادة المشرفين على هذه المجلات:
تحدث في البداية د.عبد الله السيد، رئيس تحرير مجلة«الحياة التشكيلية» عن أبرز التطورات التي طرأت على الحياة التشكيلية منذ تأسيسها وحتى الآن فقال: صدرت المجلة في عام 1980 وأصدرت حتى الآن 74 عدداً، واذا كان صدور هذه المجلة ضرورياً لإغناء الحياة التشكيلية والتوثيق لها والاعلام عنها، فإن استمرار هذه المجلة منذ اصدارها مدين لحماس واندفاع الاستاذ طارق الشريف، الذي كان يمارس النقد الصحفي قبل وجودها ثم كرّس نفسه لها الى جانب وظيفته كمدير للفنون الجميلة، ويضيف د.السيد: ان هناك عوائق وقفت في وجه استمرارها كتقاعد الاستاذ الشريف الذي أدى لانقطاعها عن الصدور لمدة أربعة اعوام، كما ان عدم الموضوعية في اختيار القائمين عليها ادى لتوقفها مرتين كل مرة لمدة عام كامل، يضاف الى ذلك ندرة الكاتب الجيد في مجال التشكيل، وبالتالي فقد كانت المجلة تغيب كما يبدو لي لندرة النصوص، فقد كان يغلب عليها النصوص المترجمة ويكفي ان نتصفح العدد المسمى بعدد السنتين الصادر في أيلول 1990، لنتأكد من ذلك، ويوضح د.السيد ان المجلة كانت تصدر بالأبيض والأسود وبعض الصفحات الملونة التي تتضمن بعض اللوحات الفنية وكان هذا الوضع غير مناسب لمجلة تبحث في فنون التشكيل، وعندما تسلمت رئاسة التحرير في أواخر عام 2003 عملت على طباعة المجلة بالألوان وغيرت نوعية الورق وطريقة الاخراج وتصميم الغلاف وحاولت الاستعانة بكتّاب جيدين، لكن التطوير الأهم كان في ادخال علوم الفن، والفكر الجمالي الى أبواب المجلة وتقليص الترجمة التي أصبحت لا تتجاوز الموضوع الواحد في كل عدد، وتشجيع بعض الكتّاب الشباب الذين تبشر كتاباتهم بالخير وابراز الفنانات المعتّم عليهن في الصحافة اليومية، يضاف الى ذلك السعي لخلق التوازن بين المادة المتعلقة بما هو عربي وأجنبي، كما وأضافت المجلة ملزمة توثيقية للنشاط التشكيلي العام وهذا يعني ان المجلة ابتعدت عن المتابعات الآنية التي تقوم بها الصحافة اليومية فهي تحاول الآن ان تتكامل مع هذه الصحافة لسد حاجات الحياة الثقافية مستجيبة للضرورات الفكرية والعلمية التي آن لنا الاهتمام بها.وعن طبيعة العمل الحالية في المجلة قال د.السيد: منذ تكليفي برئاسة التحرير أصدرت المجلة ستة أعداد وأشير هنا الى ان المجلة متوقفة عن الصدور منذ ايلول الماضي2005 لأسباب ادارية الا انها ستعود للصدور قريباً، وقد بدأنا من درجة الصفر ومازلنا فيها ولا أغالي في قولي هذا لغياب كل مقومات إصدار مجلة بهذا الحجم والمستوى العلمي وقد سمعت وعوداً لاستدراك نقص المقومات وآمل ان تتحقق.
وعن أفاق تطوير المجلة يؤكد د.السيد ان المطلوب هو جعل المجلة مؤسسة وإدارتها بشكل مؤسساتي واستكتاب الباحثين العرب ودفع تعويضات مناسبة لهم وتخصيص مراسلين محليين لها في البلاد العربية والاجنبية وتجهيزها بالمعدات والآلات الحديثة والتواصل مع المنشورات العربية والاجنبية بالاضافة الى بعض الامور المهنية والفنية والادارية.
وحول فكرة دمج المجلات الفنية الأربع في مجلة واحدة، اشار د.السيد الى ان هذه المجلات مجلات اختصاصية كل واحدة منها تهتم بمجال محدد وهي مجلات جادة تطمح للحفاظ على مستوى فكري لائق لها وعندما نطرح مشروع الدمج يجب ان نفكر بحجم المطبوعة المقترحة وبقارئها وبطريقة تسييرها وتنفيذها، وأنا أستبعد نجاح هذه الفكرة نهائياً.
وعن تصوره لمواصفات هيئة تحرير المجلة يقول د.السيد: ان المجلة ليست بحاجة لهيئة تحرير بل لهيئة استشارية من الخبراء والمختصين تقوّم النصوص والبحوث وتقترح نشرها او عدمه وعندما نقول خبير مختص فإن شرط ذلك ان يكون الشخص ممارساً بالفعل وليس بالادعاء.
اما الاستاذ محمد حنانا رئيس تحرير مجلة «الحياة الموسيقية» التي تأسست في عام 1992، فيشير الى ان المجلة لم تكن تمتلك مقراً لها وان ذلك الوضع استمر لفترة طويلة الى ان خصصت لها وزارة الثقافة مكتباً في المعهد العربي للموسيقا (معهد صلحي الوادي) وتم تجهيز المكتب بكمبيوتر وطابعة ليزرية وهاتف، وفرزت لنا الوزارة موظفاً يقوم بأعمال التنضيد ومعالجة الصور ورسم النوتات الموسيقية مما مكننا من اعداد المجلة في مقرنا وارسالها الى مطبعة الوزارة جاهزة للطباعة وتقوم الوزارة الآن على تطوير مجلاتها من خلال تجهيزها بكل ما يلزم لإصدارها في موعدها المحدد، كذلك تعمل الوزارة على تجهيز المطبعة بالتجهيزات اللازمة لإصدار المجلات.
وعن المواصفات المطلوبة في هيئة تحرير المجلة يقول الاستاذ حنانا:يجب ان يتمتع عضو الهيئة بثقافة موسيقية واسعة عربية وأجنبية إضافة لمعرفة بجميع انواع الموسيقا واشكالها، كما يجب ان يكون مختصاً في فرع ما من فروع الموسيقا.
وعن رأيه بفكرة دمج المجلات يؤكد الاستاذ حنانا ان الفكرة غير سديدة اذ ان لكل مجلة خصوصية وقرّاء ونحن لا نستطيع ان نفرض على المختصين بالشأن الموسيقي او المهتم به مجلة تتضمن سينما ومسرحاً وفناً تشكيلياً مع حيز صغير للموسيقا، فدراسة تتضمن تحليلاً لسيمفونية لبيتهوفن او تحليلاً لشكل الشاكون او الباسكاليا على سبيل المثال لا يهم سوى الموسيقي المحترف الملم بالموسيقا الكلاسيكية الغربية، كما ان ملفاً عن باخ مثلاً قد لا يهم الجميع.
أما فيما يتعلق بمجلة الحياة المسرحية وبالتطورات التي طرأت عليها في السنوات العشر الاخيرة يقول أمين تحريرها الأستاذ جوان جان: في السنوات التسع الماضية من تواجدي في المجلة تمكنا رئيس التحرير السابق د.نبيل الحفار وأنا من النهوض بها، وبعد تقاعد د.نبيل العام الماضي أعددت دراسة رفعتها للدكتور محمود السيد بيّنت فيها امكانية صدور المجلة بشكل منتظم لأول مرة في تاريخها، وبالفعل اتصلت بعدد من النقاد والباحثين وأعددت عددين خلال شهرين، لكن ما حصل هو عكس ذلك تماماً اذ تعطلت الامور الادارية اليومية لعدم وجود مرجعية وتراكم العمل بشكل مفزع ولم يتم اصدار اي عدد خلال عام وشهرين، وأما العدد الذي استغرق إعداده أكثر من عام فسيستغرق صدوره بضعة اشهر اخرى وعلى هذه الحالة سيصدر عدد كل عام ونصف على أقل تقدير وهذه حالة لم تمر بها المجلة منذ تأسيسها على الرغم من ان امكانية اصدار المجلة في مواعيدها متوفرة.
وعن آفاق تطوير المجلة يقول جان: كان من الواضح اثناء اجتماعنا بالدكتور رياض نعسان آغا إصرار وزارة الثقافة على النهوض بطبيعة عمل هذه المجلات ومستوياتها، حيث تم التأكيد على استعداد الوزارة لتذليل كل المصاعب التي تقف في وجه تطويرها وقد طلب منا السيد الوزير اعداد مذكرات حول واقع عمل المجلات.
وعن فكرة دمج مجلات الوزارة يشير جان الى ان هذه الفكرة ظهرت قبل أشهر، ويضيف: لكن العقول النيّرة في وزارة الثقافة وقفت بوجه هذا المشروع وأجهضته، وأعتقد ان من طرح هذه الفكرة شخص يطمح لأن يسيطر على المجلة الهجينة المقترحة رغم انه لا علاقة بينه وبين اي من الفنون التي تهتم بها هذه المجلات، وإني لأتساءل: كيف يتجرأ أحد رموز الصحافة الصفراء ان يطمح هذا الطموح، ولو بحثنا عن أسباب اخرى وراء الفكرة لربما توصلنا الى ان الهدف هو دفع الناس الى القول: ان المجلات التي اكتسبت سمعة عربية وأضحت مرجعاً للباحثين تم وأدها في عهد وزارة الثقافة الحالية وهو هدف خبيث بكل تأكيد.
وعن مواصفات اعضاء هيئة التحرير يؤكد جان انه في المجلات الأكاديمية عادة ما تكون هيئة التحرير مكونة من أسماء كبار الكتّاب والنقاد والفنانين وفي الحياة المسرحية كان لنا شرف ان يكون معنا الكاتبان الكبيران وليد اخلاصي وعبدالفتاح قلعه جي.
وأخيراً يشير الأستاذ بندر عبد الحميد أمين تحرير «مجلة الحياة السينمائية » ان المجلة تطورت خلال ما يقارب ثلاثين سنة من تاريخها وبشكل خاص في السنوات الأخيرة خاصة من حيث الشكل(الحجم والألوان) ويؤكد ان التوزيع تخلف عن اي تطور حاصل فهو محصور بالمؤسسة العامة للمطبوعات التي كانت في الثمانينيات توزع المجلة داخلياً وخارجياً فكانت تصل الى العديد من البلاد العربية ولكن بعد ذلك انحصر توزيعها داخلياً وبأعداد قليلة جداً الى درجة ان بعض المحافظات لا تصلها اعداد كافية من المجلة، ويؤكد عبد الحميد على ضرورة وصول المجلة بأعداد كافية الى كل المحافظات نافياً وجود ما يعيق زيادة عدد النسخ ويشير الى ان المؤسسة لو طلبت زيادة عدد النسخ فلا مانع، لكنها لا تطلب ذلك، ويرى ضرورة ان توجد اعداد كافية من المجلة في منافذ البيع في المراكز الثقافية والمكتبات العامة، كما يستغرب عبد الحميد ايقاف توزيع المجلة خارجياً رغم ان العدد كان يباع في تونس مثلاً بـ 500 ليرة، وعن سبب ايقاف توزيعها خارجياً يعتقد عبد الحميد -دون ان يكون متأكداً من ذلك- ان السبب قد يكون في أجور الشحن العالية.
وعن واقع عمل المجلة حالياً يشير عبد الحميد الى ان المجلة مطلوبة في السوق لكنها تعاني من انقطاعات في الاصدار والسبب آلية الطباعة المتعثرة في الوزارة التي، كما ينوه عبد الحميد، تحاول معالجة الوضع عن طريق مطبعة جديدة ويؤكد عبد الحميد عدم وجود مشكلة تتعلق بتجهيز الموضوعات، فالموضوعات السينمائية كثيرة على حد تعبيره وهي تنضد داخل مؤسسة السينما وهناك مجموعة من الكتّاب والزملاء يتم التعاون معهم بشكل دائم وهم من أجيال مختلفة ويقول عبد الحميد انهم في المجلة يعملون على تشجيع الكتّاب الشباب. وبخصوص المواصفات المطلوبة في هيئة تحرير المجلة يقول: كانت هيئة تحرير المجلة في فترة من الفترات شكلية لا يقوم أعضاؤها بأي عمل، وحالياً المجلة بصدد تشكيل هيئة تحرير يجب ان تتمتع بقدرة على قراءة الموضوعات وتقييمها وكتابة موضوعات سينمائية وان تكون الهيئة اما من السينمائيين او من الاعلاميين الذين يكتبون في الصحافة الفنية ويفهمون في السينما. وحول فكرة دمج مجلات الوزارة في مجلة واحدة يستهجن عبد الحميد هذا الطرح قائلاً: ان اصدار الوزارة لهذه المجلات يعد انجازاً ثقافياً ووطنياً للنشاط التخصصي خاصة وان العالم يتجه نحو التخصص ضمن التخصص، اضافة الى فشل هذه التجربة في أماكن اخرى كمصر، حيث فشلت تجربة ضم مجموعة من المجلات في مجلة واحدة فشلاً ذريعاً لذلك فإن فكرة الدمج غير صائبة، لذلك كان من المنطقي ان ترفض الوزارة هذا الطرح لعدم منطقيته.
ويختم عبد الحميد حديثه مشيراً الى التعاون الكبير الذي يبديه رئيس التحرير محمد الأحمد في تسهيل اصدار المجلة، بحيث تتم معالجة كل أمور المجلة بالتعاون مابين الجميع خاصة وان الجميع كما يقول عبد الحميد مختص بالسينما.
أمينة عباس
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد