مالي: أزمة الطوارق تسقط نظام توماني توري

23-03-2012

مالي: أزمة الطوارق تسقط نظام توماني توري

استفاق المالِيّون، صباح أمس، على انقلاب نفذه عسكريون ساخطون على أداء الرئيس أمادو توماني توري، وذلك قبل نحو شهر من انتهاء ولايته الدستورية، وفي خضم المعارك المستمرة منذ مطلع العام الحالي بين القوات الحكومية والمتمردين الطوارق الذين أطلقوا حملة عسكرية جديدة للانفصال عن الحكومة المركزية تحت شعار «حرب تحرير أزواد».
وقرابة الساعة الرابعة من فجر أمس (بالتوقيت المحلي وتوقيت غرينيتش)، ظهر عسكريون يرتدون الزي الرسمي على التلفزيون الحكومي، الذي احتلوه منذ مساء أمس الأول، ليعلنوا «إسقاط النظام غير الصالح» في باماكو و«حل جميع المؤسسات»، وتعليق «الدستور»، و«فرض حظر للتجول». قادة الانقلاب يتلون بياناً في مقر الإذاعة والتلفزيون في باماكو أمس (أ ف ب)
وقال المتحدث باسم الجنود المتمردين الملازم امادو كوناري إنهم تحركوا حيال «عجز» نظام الرئيس امادو توماني توري عن «إدارة الأزمة في شمال بلادنا»، حيث تقوم حركة تمرد يقودها الطوارق، وتنشط جماعات إسلامية مسلحة منذ منتصف كانون الثاني الماضي.
وتحدث كوناري، الذي أحاط به قرابة عشرة عسكريين، بالنيابة عن «اللجنة الوطنية لإصلاح الديموقراطية وإعادة الدولة».
وبعده بقليل، انتقل الكلام إلى زعيم الانقلابيين النقيب أمانو سانوغو الذي برر الانقلاب بـ«عدم توفر المعدات اللازمة للدفاع ارض الوطن» في أيدي الجيش لمحاربة التمرد والمجموعات المسلحة في الشمال، وبـ«عجز السلطة على مكافحة الإرهاب». واضاف أن العسكريين «يتعهدون بإعادة السلطة المدنية وإقامة حكومة وحدة وطنية».
وبُعيد الظهر، أعلن العسكريون «إغلاق كل الحدود حتى إشعار آخر»، فيما ذكر مصدر ملاحي إن مطار باماكو أغلق وألغيت الرحلات الجوية «حتى إشعار آخر».
وقال مصدر عسكري موال للرئيس، ومصدر آخر قريب منه لوكالة «فرانس برس» إن امادو توماني توري موجود في معسكر للجيش مع أعضاء من الحرس الرئاسي. وقال المصدر الموالي لتوماني توري إن «الرئيس موجود فعلاً في باماكو وليس في سفارة... إنه في معسكر للجيش يتولى القيادة منه». وأكد مصدر قريب من الرئيس هذه المعلومات موضحاً انه موجود مع أفراد من الحرس الرئاسي. وكان مصدر عسكري موال للرئيس المالي قال قبل ذلك إن امادو توماني توري «في حالة جيدة» و«في مكان آمن»، من دون أن يوضح ما إذا كان الرئيس موجوداً في العاصمة أو خارجها أو خارج مالي.
ومساء أمس، اتخذ توري موقع «تويتر» منبراً للرد على التساؤلات بشأن ما حدث. فكتب في تعليق «لا يوجد انقلاب عسكري في مالي، كل ما في الأمر أن هنالك تمرداً في قاعدة كاتي العسكرية». وفي تعليق آخر كتب توري «إنه مجرد تمرد من طرف بعض العسكريين الفارين الذين يرفضون الذهاب إلى جبهة القتال»، ثم كتب «نفي رسمي: وزير الدفاع ليس مصاباً ولا معتقلاً؛ إنه موجود في مكتبه حيث يمارس مهامه بهدوء».
وكانت الحركة الانقلابية بدأت أمس الأول في معسكر يقع في مدينة كاتي بالقرب من باماكو، قبل أن يمتد إلى العاصمة نفسها، حيث جاب الجنود الشوارع وهم يطلقون النار في الهواء.
وسمع تبادل كثيف لإطلاق النار بين الحرس الرئاسي ومتمردين طيلة ليل أمس الأول، حيث قتل عسكري على الأقل وأصيب حوالي أربعين شخصاً بجروح، بينهم مدنيون.
وقد علق عدد من وزراء الخارجية الأفارقة الذين توجهوا إلى باماكو لحضور اجتماع حول أمن الساحل في فندق ومن بينهم الكيني موزس ويتانغولا، فيما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن جنوداً منشقين في مالي قاموا بنهب القصر الرئاسي في باماكو عقب الانقلاب العسكري.
وكان من المقرر أن تشهد مالي، المستعمرة الفرنسية السابقة، الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 29 نيسان المقبل. وفي مطلع شباط الماضي، تظاهرت نساء وأقارب لجنود في العديد من المدن، من بينهما باماكو، للتنديد بالصمت حول وضع الجنود الذين يقاتلون الطوارق في الشمال، وبـ«تراخي السلطة» إزاء التمرد. وانتهت بعض تلك التظاهرات بأعمال عنف، لكن الرئيس المخلوع نجح آنذاك في تهدئة النساء من خلال التعهد بأنه سيكون بإمكانهن الحصول على معلومات عن أزواجهنّ وأبنائهنّ المنتشرين على الجبهة.
وتواجه مالي منذ أواسط كانون الثاني الماضي هجمات تشنها «حركة تحرير أزواد»، ومتمردون من الطوارق، من بينهم مسلحون حاربوا إلى جانب نظام العقيد الليبي معمر القذافي، وسيطروا على العديد من المدن في شمال البلاد. وكانت «حركة أنصار الدين» الإسلامية المسلحة من الطوارق، والتي تطالب بفرض الشريعة في البلاد، أعلنت السيطرة على ثلاث مدن في شمالي شرقي البلاد بالقرب من الحدود مع الجزائر، هي تنزاوتن وتيساليت واغولهوك. واتهمت حكومة مالي من جهة أخرى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الذي يقيم قواعد في شمالي البلاد بشن هجمات على العديد من دول الساحل انطلاقاً من أراضيها.
وأدانت دول ومنظمات عديدة الانقلاب في مالي. وجاءت أولى ردود الفعل من فرنسا، القوة المستعمرة السابقة، إذ أعلن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أن «فرنسا تعلق كل تعاونها مع مالي... وسنبقي على مساعدتنا للسكان، خصوصاً المساعدة الغذائية وسنواصل عملنا في مكافحة الإرهاب». وأوضحت وزارة الخارجية الفرنسية أن قرار تعليق التعاون يشكل كل الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، لكن السفارة الفرنسية في باماكو ستواصل نشاطها بالرغم من تجميد المبادلات السياسية، مطالبة بـ«احترام سلامة» الرئيس توري.
وفي واشنطن، أكد المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني وقوف الولايات المتحدة مع شعب مالي والحكومة المنتخبة شرعياً للرئيس أمادو توماني توري.
في المقابل، رأى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن الأحداث الحالية في مالي تتعلق بشكل مباشر بما يحصل في ليبيا. وقال إن «تدفق السلاح والمسلحين عبر الحدود الليبية إلى شمال وشمال شرق مالي عزز قوى الانفصاليين، كما أنه من الواضح زيادة نشاط القوى المتشددة والإرهابية في الإقليم، بما فيها تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي». وأشار بوغدانوف إلى أن النزاع الحالي في مالي هو «نزاع بين الرئيس والجيش حول كيفية مواجهة القوى الانفصالية في شمال البلاد»، مضيفاً إن هذا «ليس بنهاية التاريخ».
وأعربت وزارة الخارجية الصينية عن أملها أن تتم تسوية الأزمة في مالي وأن يعود الوضع إلى طبيعته في اقرب وقت ممكن، مشيرة إلى أن بكين «ستراقب عن كثب الوضع في مالي».
وأدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «التمرد من قبل عناصر من القوات المسلحة في مالي الذين أعلنوا حل المؤسسات الحكومية وتعليق الدستور»، داعياً إلى الامتناع عن القيام بأي أعمال من شأنها أن تزيد من العنف وزعزعة الاستقرار في البلاد، فيما أعربت الحكومة البريطانية عن قلقها، منددة بـ«أي تصرفات تهدف إلى الإضرار بالحكم الديموقراطي والدستور في مالي».
ولقي الانقلاب إدانة من جانب المنظمة الفرنكوفونية والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي. كما أعربت الجزائر عن قلقها الشديد من الوضع في مالي وأدانت «بشدة» اللجوء إلى القوة مؤكدة أنها «ترفض التغييرات المنافية للدستور».

المصدر: السفير+ وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...