ما قبل إنجاز «الدستوريّة»: تعاون «أستانا» ــ «المصغّرة» المشروط
قبل أسبوعين على انطلاق جولة جديدة من محادثات «أستانا»، تشي المعطيات الراهنة بوجود فرصة كبيرة لبلورة اللمسات الأخيرة على تفاهمات «اللجنة الدستورية» هناك، وذلك بعدما عكس حراكُ المبعوث الأممي غير بيدرسن، وما رافقه من نشاط دبلوماسي روسي، الأجواء الإيجابية بين الأطراف المعنية بملف «التسوية السورية». وستكون لهذا الاجتماع خصوصية إضافية نظراً الى توقيته والظروف المرافقة لانعقاده، مع بروز الملامح الأولى لمشروع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إنشاء «قوة متعددة الجنسيات» تستبدل الثقل المركزي للقوات الأميركية في مناطق شرق الفرات. كذلك، لا يمكن إغفال تأثير التجاذبات الأميركية ــــ التركية، التي أذكاها بدء موسكو تسليم الدفعات الأولى من منظومة «S-400» إلى أنقرة، على التعاون الثلاثي بين ضامني «أستانا».
المعلومات التي رشحت عن زيارة بيدرسن لدمشق وأنقرة، ولقائه ممثلي الحكومة والمعارضة، تقول إن التعديلات المطروحة على تركيبة «اللجنة الدستورية» حصّلت «الضوء الأخضر» وباتت نافذة مرحلياً. ولا شكّ في أن التموضع الحالي لضامني «أستانا» كان له بالغ الأثر في حدوث هذا التقدم، وهو تموضعٌ يلاحظ قضايا أشمل من نطاق «اللجنة الدستورية» نفسها. وفي حال الاتفاق على الإخراج النهائي لتشكيلة «اللجنة»، يرجّح أن يُترك إشهارها الفعلي إلى القمة الرئاسية الثلاثية، الروسية ــــ الإيرانية ــــ التركية، المقرر عقدها في آب المقبل في تركيا.وعلى رغم أن «اللجنة الدستورية» هي نتاج لمسار «أستانا/ سوتشي»، فإن الاتفاق حولها تضمّن أن يكون عملها جزءاً من مسار المحادثات في جنيف، المرعيّ من قبل الأمم المتحدة. وتم تدعيم هذه المقاربة خلال «رباعية إسطنبول» الروسية ــــ التركية ــــ الفرنسية ــــ الألمانية، التي عقدت في تشرين الأول الماضي. وسيكون للنسخة الثانية من «الرباعية»، المقررة بعد قمة «أستانا» الثلاثية، دورٌ كبير في تكريس «اللجنة الدستورية» كمدخل لإحياء «العملية السياسية» في جنيف، وهو ما تحاول باريس وبرلين، متقدمتين دول «المجموعة المصغّرة»، التركيز عليه عبر المشاركة في «الرباعية». ويتساوق هذا التنسيق بين فريقي «أستانا» و«المجموعة المصغرة»، مع ما أعلن المبعوث الأممي أنه يسعى إلى تحقيقه، عبر إنشاء «إطار» دولي يجمع جهود الجانبين ويرعى «التسوية السورية».
وينطلق الحرص الأوروبي على مشاركة ضامني «أستانا» في إنجاز «اللجنة الدستورية» من باب أوسع، يفترض ضرورة وجود تمثيل سياسي للمناطق الخاضعة لسيطرة «التحالف الدولي» على طاولة التفاوض، ولا سيما حول الدستور، وهو ما تسعى باريس إلى إنجازه عبر «توحيد وتوسيع» تلك القوى بالاستفادة من غطاء أميركي اقتصادي وسياسي وعسكري. غير أن الجهد الأوروبي، والتعويل على تعاون أوسع، قد يصطدم بموقف روسيا، التي تصرّ على أن تبني منجزات «أستانا/ سوتشي»، بما في ذلك «اللجنة الدستورية» و«اتفاق إدلب»، يتضمن في ما يتضمنه دعم المحاور الأخرى للتعاون، وعلى رأسها دعم «إعادة الإعمار» وعودة اللاجئين. ويستند الموقف الروسي إلى وجود تعهدات، لم تنفّذ، من قِبَل الجانب الألماني مثلاً، بالبدء في استثمار أموال في قطاعات تدعم عودة اللاجئين إلى سوريا. على أن يكون هذا الاستثمار مقدمة لدعم أوسع في هذا المجال، بشكل (وفق التصور الروسي) يكسر العزلة التي تحاول واشنطن فرضها على دمشق. وبطبيعة الحال، فإن خضوع برلين للضغوط الأميركية، وعدم التزامها تنفيذ هذا التعهد خلال الفترة الماضية، سيزيد من تمسّك الجانب الروسي بموقفه، مدعوماً بمحصلة جهوده التي أثمرت توسيع نادي «مراقبي أستانا» لتشمل العراق ولبنان من جوار سوريا، إضافة إلى الأردن. ولن تكون روسيا مستعدة لفتح باب أوسع للتعاون واستثمار «المجموعة المصغرة» لمنجزات «أستانا» بلا مقابل سياسي من الأوروبيين، الذين باتوا «شريكاً»، يفترض أن يكون حاضراً في شرق الفرات بقوات «حفظ استقرار».
الأخبار
إضافة تعليق جديد