ما علاقة الجن بالإنس؟
يشيع بين المسلمين خرافات شتى عن الجن، منها أن الجن قد يتجسد في صورة إنسان مرئي. وقد يتلبَّس إنسانًا، ويسيطر على جسمه، ويتكلم بدلًا عنه. وقد يمنع الجن الرجل أن يجامع زوجته. وقد يتزوج الجن من امرأة!
وأسباب ذلك إما لأن الجن أراد إيذاء إنسان ابتداءً بلا سبب، أو لأن الإنسان سبق وقد آذى الجن، فينتقم الجن ويؤذي الإنسان، أو لأن الجن مسخَّر من ساحر وجَّهه لإيذاء إنسان!
ويذهب البعض إلى سَحَرَة لاعتقادهم بأن السحرة يستخدمون الجن في إيذاء البشر، أو معرفة الغيب، ويذهب آخرون إلى شيوخ لإخراج الجن من الإنسان عبر طقوس خاصة من ضرب المريض، أو تعنيفه، أو قراءة القرآن أمامه، أو قراءة القرآن على مياه ثم يشربها المريض! ويزداد هذا الاعتقاد رسوخًا عند الاطلاع على حالة مريض مُقرَّب.
وكل هذه الخرافات تجتمع تحت معتقد عام وهو الإيمان بقدرات خارقة للجن.
وقد ادَّعى ابن تيمية الإجماع على إمكانية تلبس الجن بالإنس، فقال: “وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع”(1)!
وليس هذا الاعتقاد حكرًا على المسلمين، بل هو شائع بين المسيحيين واليهود!
هل الجن موجود؟
عقلًا، وجود الجن ليس مستحيلًا، وليس واجبًا، بل هو ممكن. لكن لا يستطيع العقل استنباط وجود الجن، ولا استنباط صفاته، لذلك كل ما نعرفه عن الجن مصدره الوحي الإلهي فقط.
قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ).
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا).
(يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ).
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي)
إذن فالمصادر لا تمدنا إلا بصفات قليلة عن الجن: الجن هي كائنات عاقلة مخلوقة من نار، منها المؤمن والكافر، وتتزاوج فيا بينها ولها ذرية، وتوسوس الشياطين للبشر.
وجدير بالتحذير أن كثيرون لا يعجبهم فقر المعلومات، فيجتهدون لسد الثغرات، وفتح الأبواب، وإجابة الفضول، حتى لو كان بغير هدى ولا دليل، فيسألون: كيف يوسوس الشيطان؟ هل يتزوجون؟ أين يعيشون؟ ماذا يأكلون؟
وفتشوا في قصص الديانات الأخرى، وأضافوا الأحاديث ونسبوها للنبي لترضي فضول السائلين، حتى تراكمت خرافات هائلة عن الجن!
فأصبح وجود الجن في المعتقدات الشائعة أكثر حضورًا من الملائكة، رغم أن الإيمان بالملائكة من أصول الإيمان، بينما الإيمان بالجن ليس كذلك!
ولما سكت النص عن هذه الأسئلة، فيجب الوقوف عندها، (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).
هل يعلم الجن الغيب؟
1. قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).
تثبت الآية أن سليمان رغم موته، وجمود جثته أمام الجن، إلا أنهم لم يعلموا ذلك!
وتنص صراحة ووضوحًا وقطعًا على عجز الجن عن معرفة الغيب: (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).
ولا تثبت الآية فقط أن الجن لا يعلمون الغيب، بل في الآية استهزاء وتسفيه من قدرات الجن ومعلوماتهم، فكيف جهلوا موت سليمان رغم أنه أمامهم؟! فما بالك بما يغيب عنهم؟!
2. وقال تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا).
وهو قول فصل وحكم قطعي على لسان الجن أنفسهم بأن الجن لا يعلمون الغيب، ولا يسترقون السمع، ولا يعلمون ما هو خير للبشر وما هو شر لهم. وبذلك يفطم القرآن البشرية عن حقائب من تاريخها كانت تتعكز على السحرة والكهان بحجة أن الجن يمدوهم بالغيب.
هل يسخِّر الإنس الجن ويروهم؟
1. قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا).
قالوا إن الآية تثبت أن الإنس كانوا يستعينون بالجن!
لكن يفسر ابن عاشور الآية فيقول: “المشركون في الجاهلية إذا سار أحدهم في مكان قفر ووحش، كانوا يتوهمون أن الجن تسكن القفر، ويخافون تعرض الجن والغيلان لهم وعبثها بهم في الليل، فكان الخائف يصيح بأعلى صوته: يا عزيز هذا الوادي، إني أعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك، فيخال أن الجني الذي بالوادي يمنعه .. وهي أوهام وتخيلات.
والذي أختاره في معنى الآية أن العوذ هنا هو الالتجاء إلى الشيء والالتفاف حوله. وأن المراد أنه كان قوم من المشركين يعبدون الجن اتقاء شرها. ومعنى (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) فزادتهم عبادتهم إياهم ضلالًا. والرهق: يطلق على الإثم”(2).
إذن فالآية تنقل تخيلات وأوهام المشركين قبل الإسلام، وتقر أن هذه الأوهام زادتهم رهقًا، حتى جاء الإسلام ونفى كل هذه الضلالات وأصبح المسلمون لا يستعيذون إلا بالله.
2. قال تعالى: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ).
استدل البعض بالآية، باعتبار أنه كما سخر سليمان الجن، فوارد أن يسخرهم أي شخص آخر، لكن الآية حجة عليهم لا لهم؛ إذ تثبت أن تحكم سليمان في الجن كان معجزة فريدة من نوعها، لا ينبغي لأحد من بعده أن يتمكن منها، فقال سليمان: (وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)، وبذلك فالآية دليل ينفي سيطرة الإنس على الجن من بعد سليمان، ولو استطاع البشر العاديين تسخير الجن، فما قيمة معجزة سليمان؟!
3. قال تعالى: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ).
حين اتهم كفار قريش النبي بأنه تتنزل عليه الشياطين، ومنهم ينقل القرآن، نزلت هذه الآية لتشير إلى أن طبيعة الرسول الصادق الأمين تتنافى مع نزول الشياطين، وإنما يتناسب نزول الشياطين مع الكهنة الكذابين، الذين يستمعون للإفك والضلال، ويدَّعون كذبًا معرفة الغيب.
4. قال تعالى: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)
وهو دليل قاطع بأن البشر لا يمكن أن يروا الجن، فكيف يستعين البشر بالجن وهم لا يرونهم؟!
يقول ابن حزم: “إذا أخبرنا الله عز وجل أننا لا نرى الجن، فمن ادَّعى أنه يراهم أو رآهم فهو كاذب، إلا أن يكون من الأنبياء، فذلك معجزة لهم”(3).
ويقول الزمخشري: “وفيه دليل بيِّن أن الجن لا يُرون، ولا يظهرون للإنس، وأن إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم، وأنَّ زعم من يدَّعي رؤيتهم زورٌ”(4).
ويقول الشافعي: “من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن، أبطلت شهادته، إلا أن يكون نبيًا”(5).
وقد أنكر الجصاص استعانة البشر بالجن لتنفيذ مطالبهم(6).
5. قال تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا)
تدل الآية على أن النبي نفسه لم يرَ الجن، ولم يعلم باستماعهم إليه إلا بالوحي. فكيف يدَّعي أحد رؤية الجن وتواصله معهم؟!
6. لو تمكَّن إنسان من رؤية الجن وتسخيرهم وتشكيلهم في صورة بشر لاختلط علينا تمييز المعجزة، فلعل هذا النبي صاحب المعجزة هو جن تشكَّل في صورة إنسان، ولعل هذه المعجزة نتاج تسخيره لجن خرق قوانين الكون!
7. لو تمكَّن بشر من تسخير الجن لكانوا أغنى الناس، وأشهرهم، وأقواهم على الإطلاق، لكنا نجد مدَّعي ذلك أفقر الناس، وأجهلهم، وأضعفهم، إلا من استطاع إقناع حفنة من الجهلاء واستلاب أموالهم.
إذن فتسخير البشر للجن ورؤيتهم لا يحدث إلا معجزة من الله يجريها على يد النبي، وقد أجراها الله تعالى على يد سليمان فقط.
هل تتلبس الجن الإنس؟
1. (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا).
يشبِّه الله حال المرابي حين يُبعث من قبره بالمجنون الذي مسَّه الشيطان، فهو يتخبط عشوائيًا.
اعتَبَرَ البعض أن الآية تقر أن الشيطان يمس البشر ويتلبسهم ويصيبهم بالصرع!
لكن يجب الإشارة أولًا لمضرب الأمثال في القرآن وفي النصوص عمومًا ..
حين يريد المتكلم استحضار صورة ذهنية في نفس المستمعين فهو يستخدم مثلًا شائعًا ومعروفًا عندهم. وليس بالضرورة أن يكون المثل الشائع صحيحًا في ذاته، لكن المهم أن يحقق المثل الحالة النفسية المطلوبة، ولتحقيق ذلك يجب أن يستخدم المتكلم المثل طبقًا لتصورات المستمعين.
مثلًا يمكن أن أقول: “امرأة وجهها يشبه ضياء القمر”، فرغم أن القمر ما هو إلا جسم معتم، لكن الصورة الذهنية عند المستمعين أن القمر مضيء وجميل، وتشبيه المرأة بالقمر يفيد استحضار صور الجمال والضياء. فأنا لم أقل هنا: إن القمر مضي، بل استخدمت الصورة الشائعة عن القمر للإشارة إلى جمال المرأة.
ومثلما أقول لرجل أمريكي: “عمر بن الخطاب هو نموذج عادل في تاريخنا نحترمه مثلما تحترمون إبراهام لينكولن”، فأنا لم أقل: إن إبراهام لينكولن كان عادلًا، ولم أنفي ذلك، بل فقط أستخدم الصورة الذهنية لاحترامه عند المستمع لأسقطها على عمر بن الخطاب.
ويقول تعالى: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ)، فرغم أننا لم نرَ الشياطين، ولا نعلم أن لها رؤوسًا، لكن الصورة الذهنية عند عموم الناس عن (رؤوس الشياطين) هي صورة بشعة ومرعبة، وهو المطلوب تصوره عن شجرة الجحيم. ولم تقل الآية: للشياطين رؤوس بشعه!
ويقول امرؤ القيس :”ومسنونة زرق كأنياب أغوال”، ولا يوجد في الحقيقة غول، لكن يوجد تصورات لبشاعة الغول .
وبذلك يتبين أن استخدام الأمثال لا يعني إقرار صحتها، بل يعني فقط استخدام الصورة الذهنية الشائعة عن المثل.
كذلك فالآية هنا تشبِّه المرابي وهو يُبعث من قبره بالمجنون المتخبط، الذي تقولون عنه أنه مسَّه الشيطان. ولا يعنينا صحة أو خطأ هذا التصور الدراج، فلم تشر الآية إلى حقيقة مس الشيطان للإنسان، بل تستخدم هذا المثل لاستحضار صورة الجنون والتخبط.
يقول محمد رشيد رضا: “التشبيه مبني على أن المصروع الذي يُعبَّر عنه بالممسوس يتخبطه الشيطان، أي أنه يصرع بمس الشيطان له، وهو ما كان معروفًا عند العرب وجاريًا في كلامهم مجرى المثل”(7).
2. قال تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ).
اعتبر البعض أن الآية دالة على قدرة الشيطان على إصابة أيوب بالمرض والعذاب!
لكن قبل شرح الآية، لا يمكن تصور أن يتمكن الشيطان من نبي الله؛ لأن في ذلك خرق للعصمة؛ إذ كيف يتبع الناس رجلًا يتلبسه جن ويصيبه في جسده وعقله؟!
كما أنه خرق لدلالة المعجزة؛ فالمعجزة دالة على تصديق الرسول وأنه مبعوث من الله ويبلغ عنه رسالته بصدق ودقة، لكن تلبُّس الجن بإنسان دال على أنه لا يتحكم في جسده ولا عقله ولا كلامه!
فإثبات تلبُّس الجن بأيوب يلزم عنه إنكار نبوته وتوقفه عن البلاغ!
أما معنى الآية فالمراد أن الشيطان وسوس لأيوب بأن ينفر من ابتلاء الله وأن الله لا يحبه، ولذلك تركه في مرضه يتعذب وحده. هذه الوساوس الشيطانية كانت تزيد عذاب أيوب وخشي أن تتمكن من قلبه، فدعى ربه: إني مسني الشيطان بنصب وعذاب.
رغم أن البعض يستدل بالآية لإثبات قدرات خارقة للشيطان، لكن الآية تفيد العكس تمامًا، فهي كما عادة القرآن لا تخرج عن معنى الوسوسة، لكن تعبير (طائف) يفيد أخف درجات التأثير، فهي تشبيه لوسوسة الشيطان بمن يطوف حول الشيء ولا يخترقه(8).
4. قال تعالى: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ)
اعتبر البعض أن في الآية إشارة إلى إمكانية زواج الجن بالإنس!
أولًا: لم تصرح الآية ولا حتى أشارت لإمكانية التزاوج بين الجن والإنس.
ثانيًا: لما كانت طبيعة الجن أنه كائن من نار وغير كثيف، فغير جائز التزاوج بين طبيعة النار والطين.
ثالثًا: لو جاز تزاوج الجن بالإنس، لجاز على أي امرأة أن تأتي بطفل وتنسبه إلى الجن! ولجاز لأي أحد أن ينسب عيسى إلى الجن، وينفي معجزته!
رابعًا: إذا كان الجن لا يتزوج من الإنس، لماذا ذكر في الآية (ولا جان)؟
للمفسرين قولان: إما للاحتراز والمبالغة، مثلما نقول: “لم يدخل هذا المبنى قبلك لا إنسان ولا غيره”. فتعبير (ولا غيره) يفيد نفي دخول أي جماد أو حيوان، رغم أنه معروف بالبداهة أنهم لا يدخلون المبنى، لكنه أفاد مطلق الأسبقية ورفع أي تصور في الذهن ينغص هذه الأسبقية، حتى لو كان مستحيلًا(9).
وإما أن يكون المقصود: سورة الرحمن تخاطب من أولها لآخرها الإنس والجن معًا، لذلك تكرر: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)، فذكرت الآية أن الزوجات من الإنس لم يطمثهن أي إنسان من قبل، وكذلك زوجات الجن لم يطمثهن أي جان من قبل(10).
5. أما بخصوص الأحاديث النبوية اللي تتعلق بتلبس الجن بالإنس، فنقف عند عدة
ملحوظات :
أولًا: لا يؤخذ بحديث الآحاد في العقيدة؛ لأن الآحاد يفيد الظن.
ثانيًا: وردت أحاديث عن النبي تنكر تلبس الجن بالإنس، وتحصر دورهم في الوسوسة، منها:
جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله، إني أُحدِّث نفسي بالشيء، لَأَنْ أخِرَّ من السماء أحب إلي من أن أتكلم به، فقال النبي: “الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة”(11). أي الحمد لله الذي لم يمكِّن الشيطان إلا من الوسوسة فقط.
وأتت امرأة إلى النبي فقالت: إني أُصْرَعُ، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: “إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك”، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها(12). وهنا لم ينسب النبي الصرع إلى الجن، ولم يعالجها بإخراج جن منها.
ومر النبي على رجلين ومعه زوجه صفية بنت حيي، فقال لهما: “تعاليا، إنها صفية بنت حيي”، قالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: “إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئًا”. وتعبير (الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) يفيد أشد ما قد يفعله الشيطان بالإنسان، ورغم ذلك لا يخرج هذا التأثير عن الوسوسة.
ثالثًا: أما الأحاديث التي تثبت تلبس الجن بالإنس فإما ضعيفة السند، أو مردودة لمتنها، أو لا تدل صراحة على التلبس، أو على أفضل حال تفيد الظن.
منها مثلًا أن امرأة جاءت إلى النبي معها صبي قد أصابه لمم، فقال النبي: “اخرج عدو الله، أنا رسول الله”. فبرأ الصبي(13). ومحققو مسند أحمد يقرون بأنفسهم ضعف الحديث لانقطاع السند.
وفي المقابل نجد عدة أدلة يقينية تنفي تلبس الجن بالإنس:
أدلة تنفي تلبس الجن بالإنس
1. قال تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)
إن كان كيد الشيطان ضعيفًا، فهو ينفي قدرة الشيطان على السيطرة القاهرة على الإنسان، والتحكم في كلامه، وحركاته، وسلوكه.
2. قال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
فهذا إقرار من الشيطان بأنه ما كان له سلطان على الناس، وكل دوره محصورًا في صورة الدعوة، مع بقاء كامل الإرادة في يد الإنسان في الاستجابة أو الرفض، ولذلك يستحق الإنسان الحساب على أفعاله.
3. قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ)
تثبت الآية عدم وجود سلطان قهري على العباد لإغوائهم، والاستثناء (إلا من اتبعك من الغاوين) لا يعني أن للشيطان عليهم سلطان قهري لإغوائهم، بل تعني أن من اتبعك بإرادته فقد سمح للشيطان بأن يضله ويغويه.
4. عند جمع كل الآيات التي تشير لعلاقة الجن بالبشر سنجدها محصورة في الوسوسة/ الوعد/ الأمر/ التزيين، وكلها يفيد مجرد محاولة للإغواء وليس التسلط الجبري على الإنسان.
(وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ)
(يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)
(وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا)
وجدير بالذكر أن الآيات ذكرت وسوسة الشيطان لنتجنبها ونحذَرها، وبالتالي فهي تثبت أن للإنسان القدرة على تجنبها ورفضها، أما التلبُّس القهري، فلا يستطيع الإنسان تجنبه.
5. إن كان للجن قدرة على تلبس البشر وإيذائهم، فما يمنع الجن من السيطرة على أغلب البشر؟! ما يمنع أن يتحكم الجن في الكون كله بالتحكم في قرارات الحكام، وقادة الحروب، ومصير الشعوب؟!
6. سبق القول أن العقل لا يستطيع التعرف على وجود الجن أو صفاتهم، وكل معلوماتنا عنهم نستقيها من الوحي فقط، ولم يخبرنا الوحي بطريقة يقينية مثبتة لعلاج تلبس الجن بالإنس، وكل ما يفعله الدجالون ظنًا منهم أنه علاج هو اجتهادات نابعة منهم، لذلك هي بلا سند ولا أصل. ولا يمكن أن يمكِّن الله الجن من تلبس البشر، دون إبلاغنا بطريقة العلاج.
لذلك منع مالك الدجالين من هذه العلاجات الموهومة، وقال: “يُنهى الذي يزعم أنه يعالج المجانين بالقرآن؛ لأن الجان من الأمور الغائبة، ولا يعلم الغيب إلا الله”(14).
يقول ابن حزم: “كلام الشيطان على لسان المصروع فهذا لا يجوز إلا في عقول ضعفاء العجائز، ونحن نسمع المصروع يحرِّك لسانه بالكلام، فكيف صار لسانه لسان الشيطان؟! إن هذا لتخليط ما شئت. وإنما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها، كما قال الله تعالى: (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)، وكما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)، فهذا هو فعل الشيطان فقط، وأما أن يتكلم على لسان أحد، فحمق عتيق وجنون ظاهر، فنعوذ بالله من الخذلان والتصديق بالخرافات”(15).
وقد وضع ابن حبان في صحيحه بابًا بعنوان: (ذكر البيان بأن لا قدرة للشيطان على ابن آدم إلا على الوسوسة فقط)(16).
ويقول الزمخشري: “ليس من الشيطان إلا التزيين”(17).
ويقول القاضي عبد الجبار: “لا سلطان للشيطان إلا من جهة الوسوسة الضعيفة”(18).
ويقول ابن عاشور: “إن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة كما هو مقرر من مكرر آيات القرآن”(19).
ويقول محمود شلتوت: “ليس للجن مع الإنسان شيء وراء الدعوة، والوعد، والوسوسة، والإغراء، والتزيين.
أما ما وراء الوسوسة والإغواء (من ظهورهم للإنسان العادي بصورتهم الأصلية، أو بصورة أخرى يتشكلون بها، ومن دخولهم في جسمه واستيلائهم على حواسه، ومن استخدامه إياهم في جلب الخير ودفع الشر، واستحضارهم كلما أراد، ومن استطلاع الغيب عن طريقهم، ومن التزوج بهم ومعاشرتهم، وغير ذلك مما شاع على ألسنة الناس) فهذا كله مصدره خَارِجٌ عن نطاق المصادر الشرعية ذات القطع واليقين”(20).
اعتراض (1): يقول البعض: رأينا حالات كثيرة يطرأ عليها أعراض عجيبة، لا نجد لها تفسيرًا غير أنه محسود أو مسحور أو يتلبسه جن.
مثلًا نرى مصروعين يتحدثون بأصوات مختلفة تمامًا عن أصواتهم الطبيعية، أو يتحدثون بعدة لغات، أو كأن بداخلهم قوة تصارعهم!
أولًا: بخصوص منهجية التفكير: كي نقول أن (أ) هو المسبِب الذي أدى لحدوث (ب)، يجب التأكد أولًا أن في كل مرة يحدث (أ) يحدث بعدها (ب). هل هذا ينطبق على الحسد/ السحر/ تلبس الجن؟ هل في كل مرة يُعجَب الحاسد بشيء يتضرر المحسود؟ وهل كل ما يريده الساحر يحدث؟ هل كل المذنبين يصابوا بالصرع؟ مؤكد لا، وإلا أصبح الحاسد/ الساحر/ الجن قوة تدميرية أكثر فتكًا من الأسلحة النووية! وبذلك فلدينا مغالطة السببية: كيف نقول أن الحسد/ السحر/ الجن هو سبب هذا المرض ولا نملك علاقة دائمة بينهما؟!
ليس هذا فحسب، بل الحسد والسحر والجن أصلًا قوى غير قابلة للاختبار، لا نملك أداة لرصدهم، فكل من ينسب عملًا لهذه القوى كمن يقول أن سوء الحظ هو المسبِب لفشله، كلها مسبِبات لا يمكن اختبارها، فلا معنى لها!
ثانيًا: عدم معرفة التفسير الصحيح لا يجعلنا نقبل بأي تفسير خرافي غير منضبط.
نحن نعترف أن بعض الحالات المرضية غريبة وشاذة بحيث يصعب علينا حاليًا تفسيرها، إلا أن ذلك لا يعني قبول أي تفسير، هنا المنهج الإلهي يسد هذه الثغرة أمام التفسيرات الخرافية، فقال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، فإن لم نجد تفسيرًا يرتضيه الشرع، ويقبله العلم، ويستسيغه المنطق، فلا سبيل غير التوقف، واستمرار البحث عن التفسير الواقعي العملي.
ثانيًا: يقول د. عبد الله السبيعي: إحدى الأمراض التي شخصها علم النفس مرض: اضطراب الهوية الفصامي – Dissociative Identity Disorder ويُرمز له اختصارًا بـ DID، حيث تتواجد شخصيتان أو أكثر داخل الفرد، وكل شخصية منها تتمتع بخصائص، وذكريات، ورغبات، وعلاقات خاصة بها. وكل هوية منها تتصرف بطريقة مختلفة جدًا. كل من تلك الشخصيات هي مدركة لوجود الأخرى. ويكون التأرجح بينها غالبًا بطريقة مفاجئة، دراماتيكية، وتشوبها الضغوط الشديدة. فعندما يطغى القلق أو يهدد إحدى الشخصيات؛ تستدعي الشخصية المتعددة شخصية أخرى قادرة على التعامل مع الضغوط الراهنة”(21).
اعتراض (2): يقول البعض: رأينا حالات تم شفاؤها بالفعل على يد شيوخ.
أولًا: ادعاء أن الرقى الشرعية تشفي كل أو أغلب هذه الحالات هو ادعاء غير صحيح، وأعداد قليلة هي ما تُشفى بالفعل.
ثانيًا: يوجد مرضى تُشفى بعد قراءة القرآن أمامهم، كما يوجد مرضى تُشفى بعد قراءة نصوص من الإنجيل، وكذلك بعد قراءة نصوص من التوراة. وإن صح ادعاء أن كل الكتب المقدسة وكل علماء الأديان قادرون على الشفاء، فهو يثبت صحة الأديان جميعها في نفس الوقت، والأديان نفسها لا تعترف بذلك!
ثالثًا: يدَّعي كثيرون القدرة على علاج أمراض مستعصية بلمسة يد، أو جراحة دون فتح الجسد أو استخدام أي أداة، والغريب نجد مرضاهم شعروا بالشفاء فعلًا! هذه الظاهرة متكررة مع شيوخ مسلمين، وقساوسة مسيحيين، وبوذيين، ومعالجين بالطاقة، ودجالين.
يُعرَّف العلاج الوهمي باعتباره إيحاء؛ فشفاء المريض هو إيحاء عنده بالشفاء. والغريب أن أدمغتنا وأجسادنا تستجيب للإيحاء؛ فيسيل اللعاب لرؤية طعام، وترتبك المعدة لمشهد مقزز، ويزداد المرض لسوء الحالة النفسية. وقد قام (بافلوف) بتجربة مع كلب، بحيث يدق الجرس كل مرة قبل تقديم الطعام، فيسيل لعاب الكلب مع دق الجرس، وحين دق الجرس ولم يقدم طعامًا، سال لعاب الكلب! فأصبح دق الجرس وحده مرتبطًا ارتباطًا شرطيًا مع الطعام. كذلك رَبَط المريض الدواء بالشعور بالراحة، فقد يرتاح رغم عدم فعالية الدواء.
هذا ما يلعب عليه مدَّعوا الخوارق وشيوخ الحسد والسحر؛ فهم يعتمدون بالأساس على استعداد المريض النفسي لتقبل علاجهم، وغالبًا الذي يزور هؤلاء الشيوخ يصدِّق أن لهم قدرة على العلاج، ولأن أغلب هذه الحالات تعاني من مشكلات نفسية، فيسهل علاجها بهذا الإيحاء.
وقد يقوم الشيخ بعمل جانبي هو سبب الشفاء الحقيقي، مثلًا الإبر الصينية – رغم عدم جدواها – إلا أنها قد تحفز الجسم لإفراز مواد كيميائية تُسكِّن الألم. كذلك قراءة القرآن في مياه ثم شربها، قد يضع مادة كيميائية في المياه تساعد على العلاج، وبعض الطقوس العلاجية تشترط صوم المريض ومداومته على نظام غذائي جيد، أو السفر، الخ، فقد يساعد هذا على العلاج(22).
النتيجة
ادعاء مسّ الجن للإنسان هو ادعاء لا يدعمه الدين ولا العلم، وإنما الصرع بأنواعه هو مرض نفسي، سواء كشف العلم عن أسبابه أو لا، لكن ليس أمامنا طريق قادر على تقديم حلول عملية ومفيدة سوى العلم.
المصادر:
1.(الفتاوى الكبرى) ج3 ص13
2.(التحرير والتنوير) ج30 ص225
3.(الفصل في الملل والأهواء والنحل) ج5 ص9
4.(تفسير الكشاف) ج2 ص436
5.(أحكام القرآن للشافعي) ج2 ص195، (تفسير المنـار) ج8 ص328، (بيني وبين حامد الفقي) ص23
6.(تفسير المنار) ج9 ص42-51
7.(تفسير المنار) ج3 ص80
8.(التحرير والتنوير) ج10 ص232
9.(التحرير والتنوير) ج28 ص270
10.(الكشاف) ج6 ص18
11.(مسند أحمد) ج1 ص10 رقم (2097)
12.(صحيح البخاري) ج7 ص116 رقم (5652)
13.(مسند أحمد) ج29 ص92 رقم (17549)
14.(الذخيرة) ج10 ص57
15.(رسائل ابن حزم) ج3 ص228
16.(صحيح ابن حبان) ج14 ص67
17.(الكشاف) ج3 ص375
18.(تنزيه القرآن عن المطاعن) ص230
19.(التحرير والتنوير) ج24 ص269
20.(الفتاوى) ص23
21.http://bit.ly/39qVpBT
22.راجع (العلم الزائف وادعاء الخوارق)
خالد باظة - المحطة
إضافة تعليق جديد