مؤرخ مصري: الفكر الديني سيفشل لأنه لا يتقبل الآخر

11-08-2011

مؤرخ مصري: الفكر الديني سيفشل لأنه لا يتقبل الآخر

حوار مع المؤرخ المصري عاصم دسوقي:

^ هل ترون طفرة للفكر الديني؟ وكيف تفسرون ذلك؟
{ الحاصل سيطرة الأصولية الدينية والعرقية على المشهد السياسي سواء يهوديا او مسيحيا او إسلاميا. فشل الحكومات القائمة في تطبيق سياسات تستوعب الجميع كان أحد الأسباب. ومن ناحية ثانية، لا يجد أصحاب المذاهب ضالتهم في الحكم السياسي القائم، فيحاولون إثارة النعرات الطائفية.
^ وكيف تفسرون إذن نمو التطرف الديني في الغرب؟
{ النعرة الدينية في الغرب حاليا، هي ناتجة عن انتشار التيارات الإسلامية في هذه البلاد نفسها. مشكلة الغربيين أن المسلمين الذين هاجروا إلى بلادهم أرادوا أن يفرضوا قيمهم الدينية على هذا المجتمع بدعوة أن دينهم خاتم الأديان وأنه يجب على الجميع ان يكونوا مسلمين. ومن هنا نجد الغربيين يرتدون إلى ذواتهم التاريخية والدينية، ومعهم اليهود. طالما هي الهوية الدينية التي تحكم اللعبة، أصبح على أصحاب الدين أن يتمسكوا بهويتهم.
^ لكن النظرية الصهيونية، ولو كانت قد انطلقت على أيدي علمانيين، قامت بربط مفهوم الهوية بالمفهوم الديني، قبل ظهور التيارات الإسلامية السياسية والدعوية بشكل فعلي في العصر الحديث...
{ نعم. وفي الحقيقة فإن الارتباط «القومي ـ الديني» مسيحيا ويهوديا اقتصر أساسا على الشعوب البروتستانتية أكثر من الكاثوليكية. تاريخيا مارتن لوثر الذي أسس البروتستانتية ضمن مذهبه بعض أساسيات العهد القديم واليهودية. من هنا سيطرت الثلاثية الدينية كالآتي: الايمان بعودة السيد المسيح للحكم الألفي لإقامة العدل بعد الظلم، وليتحقق هذا ينبغي تدمير العراق عقابا على سبي نبوخذنصر لليهود، وإعادة بناء هيكل سليمان.
ومن هنا نرى الارتباط القوي بين الرؤساء الأميركيين البروتستانت الذين يناصرون الدولة الصهيونية والثلاثية التي ذكرناها. وترى هذا الموقف نفسه في شمال اوروبا ودولها البروتستانتية كانكلترا والمانيا، بدرجة تختلف عن الدول ذات الطابع الكاثوليكي مثل فرنسا واسبانيا.
^ ماكس ويبر يتحدث عن العلاقة بين «البروتستانتية والرأسمالية». هل ترون أيضا هذا النوع من الارتباط كما مع الصهيونية؟
{ بالطبع، فالمسيحية شأن الإسلام في ذلك، ترفض الربا. والمسيحي من المفترض به أن يعيش حالة من الزهد والتقشف. لكن مشرعي البروتستانتية شرّعوا الفائدة. وكالفين (احد مؤسسي الحركة البروتستانتية) أخرج هذه الفتوى، بقوله إن «الفائدة التي تأتي من مساهمتي بمالي ومساهمة آخر بجهده ليست محرمة». وكانت هذه الفتوى أساسا لكل نشاط الاقتصاد الرأسمالي.
^ إذن تعتقدون أن الفكر الديني سيسيطر على العالم؟
{ كلا، بل اعتقد أنه سيفشل. لأنه لا يعترف بالآخر، ويرى أنه وحده على صواب والباقون على خطأ أو باطل. وكل إنسان له دين، سيكون دينه عزيزا عليه وهيهات أن تقنعه بغير ذلك.
^ لكن النموذج الليبرالي يفشل أيضا. ونرى مثلا في بريطانيا حالة التشرذم والعنف الاجتماعي التي تطغى على المجتمع. ما البديل إذن؟
{ الحل في توسيع إطار الليبرالية، وإعادتها إلى حقيقتها. فالدول الغربية انحرفت عن الليبرالية عندما توقفت عن خدمة مصالح الشعب، وانتقلت إلى تهميش الآخر. علينا أن نستعيد دولة القانون الليبرالية.
ويجدر التذكير هنا بطبيعة الليبرالية، فهي ليست مجرد شعارات حرية ومساواة. بل هي نظام يحكم فيه رأس المال، بشرط أن يكون للآخرين الذين يعملون ولا يملكون كيانات نقابية وجمعية تضعهم على قدم المساواة مع رأس المال الحاكم. فتكون لهذه النقابات او مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام، القدرة على المطالبة والضغط. وتكون الفرصة متاحة امام كل فرد لأن يشارك في تقدم المجتمع من دون تفرقة، وإذا أخطأ فالقانون فوق الجميع.
هكذا بدأت الليبرالية، وأذكرك بما نتج عن ذلك من تطور للحركة العمالية خلال السبعينيات، وللحركة المطلبية بشكل عام. أذكر أنه خلال تلك الفترة كانت هناك جمعية اميركية خاصة بالذين يستخدمون يدهم اليسرى. وقاموا بالضغط والتنظيم حتى توصلوا إلى حمل الكونغرس على إقرار تشريع يلزم أصحاب الملابس الجاهزة بنسبة مئوية معينة لذوي هذه الخصوصية الخلقية. أما انا إذا طرحت ذلك مثلا في مصر حاليا أو في أي دولة عربية، فسأوصف بالجنون، وسيقولون لي أن أذهب إلى الخياط. لكن تكلفة الخياط أكبر من الملابس الجاهزة التي تنتج بالجملة...هنا أيضا نرى نمطية التعاطي مع الآخر في ظل طغيان الفكرة الدينية، وغياب المؤسسات التي تضمن لهذا الآخر حقوقه، وتعمل نحو العدالة الاجتماعية.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...