لوبي للإيجار
بعد قضية المرتزقة التي خرجت من رحم سياسات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، برزت ظاهرة سياسية جديدة في واشنطن تحت عنوان «لوبي للإيجار»، بطلها أحد المتخرجين المخضرمين من البيت الأبيض والمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، روبرت بلاكويل.
في ربيع عام 2004، ضغط بلاكويل، الذي كان وقتها مسؤول الملف العراقي في مجلس الأمن القومي الأميركي، بنجاح، ليجعل من أياد علاوي، المقرّب من الإدارة الأميركية، رئيساً للوزراء في العراق، وقد استمرّ في منصبه بصفته رجل أميركا القوي إلى حين خسارة حزبه (حركة الوفاق الوطني العراقي) في الانتخابات التشريعية.
والآن، بعد أقل من ثلاث سنوات على خروجه من البيت الأبيض، عاد بلاكويل إلى عمله: الضغط على الإدارة لإعادة علاوي مرة أخرى إلى رئاسة الوزراء، لكنه هذه المرة لا يمارس عمله واحداً من مسؤولي البيت الأبيض، بل مديراً في شركة «باربور غريفيث وروجرز» المخصّصة للضغط على الإدارة الأميركية لتحقيق أهداف من يدفع لها.
لكن هذه القصة، على رغم غرابتها، ليست بعيدة عن السياسة في الولايات المتحدة التي ازدهرت فيها شركات من هذا النوع منذ أواخر القرن الماضي على الأقل. ولعلّ أشهرها كانت شركة «إدوارد فون كلوبيرغ الثالث» المعروف بدعمه الديكتاتوريين، وكان مثّل سابقاً صدام حسين والديكتاتور الروماني نيكولاي شاوشيسكو.
أما بلاكويل فاستطاع منذ عام 2005 الاستفادة من خبرته، البالغة ثلاثين عاماً في المناصب الحكومية، ليبني «تجارة ناجحة» تتمثل بشركة لوبي متخصصة، إذ يستقطب عقوداً خارجية ضخّت أكثر من 11 مليون دولار من الأرباح للشركة، ومن زبائنها المعروفين: الهند وصربيا وتايوان، بالإضافة إلى علاوي وحكومة إقليم كردستان.
وتمتلك الشركة أيضاً عقوداً انتهت صلاحيتها مع «حزب الحوار الوطني» في لبنان، واتحاد الصناعات الهندية، والشركة الخاصة لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «دبي إنترناشيونال كابيتال».
ويقول المسؤولون في واشنطن إن محادثات بلاكويل، المعروف بفطنته وقدرته الكبيرة على التحليل، مع زملائه السابقين في الإدارة للتأثير فيهم، لا تختلف كثيراً عن جلساته معهم عندما كان مسؤولاً فيها. ويشير أحد موظفي الإدارة، الذي يلتقي بلاكويل باستمرار، إلى «أنه رجل ذكي يأتي إلينا ونتحدث فقط عن السياسة الخارجية، ويعطيك نصائح جيدة».
وتظهر سجلات وزارة العدل أنه بتاريخ 20 نيسان الماضي، التقى مسؤولون في الشركة مع ميغان أوسليفين، التي عملت مع بلاكويل ضمن موظفي مجلس الأمن القومي وتسلّمت منصبه ومسؤوليته عن الملف العراقي بعد رحيله، لمناقشة الوضع في كردستان العراق.
وتظهر تلك السجلات أيضاً أن شركة «باربور غريفيث وروجرز» حصلت على أكثر من 1.4 مليون دولار من حكومة إقليم كردستان منذ دخول بلاكويل إليها، بهدف اكتساب دعم واشنطن للعقود النفطية الموقعة مع الشركات الأجنبية.
أما علاوي فقد أعاد توظيف الشركة منذ 20 آب الماضي في عقد لستة أشهر، وذكر في مقابلة مع «سي إن إن» أن الشركة «وُظّفت لمساعدتنا على ترويج آرائنا» في واشنطن. وكشف أن مبلغ 300 ألف دولار الذي دفعه للشركة «قدّمه أحد المؤيدين له».
وينصّ العقد بين الطرفين على أن «الشركة ستوفر الاستشارة الاستراتيجية والتمثيل لعلاوي أمام الحكومة الأميركية والكونغرس والإعلام وآخرين». وينص أيضاً على أن بلاكويل شخصياً، الذي وصفه علاوي سابقاً بـ«الصديق العزيز»، سيقود «فريق الشركة الأساسي من المحترفين» في ذلك العمل.
وبعد توقيع العقد بوقت قصير، أرسلت الشركة إلى جميع موظفي الإدارة الأميركية وصناع السياسات في واشنطن رسائل باسم علاوي، تتّهم حكومة نوري المالكي بالفشل، وتظهر صاحب الرسالة على أنه «البديل المحتمل».
وفيما أحجم الرئيس الأميركي جورج بوش عن اتخاذ إجراءات حقيقية لإيقاف سيل الانتقادات التي وجهتها إدارته إلى حكومة المالكي الصيف الماضي، والتي دعمتها شركة «باربور غريفيث وروجرز» بقوة، لا يزال البيت الأبيض يشدّد على أن بلاكويل لا يعبّر عن السياسة الرسمية وأنه «يمثل فقط من يدفع له من العملاء».
المصدر: الأخبار نقلاً عن «نيويورك تايمز»
إضافة تعليق جديد