لبنان: مجازر متنقلة تحصد 230 شهيداً و600 جريحاً
في اليوم السابع من الحرب الاسرائيلية المفتوحة ضد لبنان براً وبحراً وجواً، استمرت المجازر المتنقلة والتي لم تستثن لا الكنائس ولا موظفي الامم المتحدة او شاحنات المساعدات الانسانية وتجاوز عدد الضحايا مئتين وثلاثين شهيداً وأكثر من ستمئة جريح بينهم عشرون شهيدا وحوالى مئة جريح من الجيش اللبناني وحده، وبدا المشهد الانساني كارثيا على حد تعبير ممثل منظمة اليونيسيف في بيروت روبيرتو لورنتي مع وصول عدد النازحين الى نحو نصف مليون شخص حتى الآن.
وقد استحوذ الاعتداء الاسرائيلي على ثكنة الجيش اللبناني في الجمهور، ليل أمس الاول، عبر استهدافها بخمس غارات متتالية، أدت الى استشهاد 11 عسكريا بينهم اربعة ضابط فضلا عن وقوع 39 جريحا، على جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية، امس، حيث اكد الجميع على حماية الجيش في حين أكدت قيادته أن الاعتداء لم يضعف المعنويات التي ما زالت عالية وشددت على تمسك المؤسسة العسكرية بعقيدتها القتالية ضد العدو الاسرائيلي واستمرار حالة الاستعداد والاستنفار للتصدي لكل الاحتمالات مهما كانت التضحيات.
وأظهرت المواقف السياسية الداخلية تصويبا لجزء من النقاش السياسي الداخلي الذي اثير مؤخرا، حيث اكد النائب سعد الحريري أن الاولوية هي لوقف النار ووحدة اللبنانيين في مواجهة العدوان الاسرائيلي وبعد ذلك يناقش اللبنانيون من يتحمل مسؤولية ما حصل، وأن المقاومة تتمتع بتأييد شعبي واسع، وكان لافتاً أن يسارع قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، في المساء إلى تبديل موقفه الذي كان أطلقه نهاراً، ليؤكد ان الوقت ليس وقت تقييم حسابات انما وحدة الموقف اللبناني لان ما يحدث خطير ومفتوح على كل الاحتمالات.
وعلى الصعيد الدولي والعربي برز موقفان، الاول للرئيس الاميركي جورج بوش نبّه فيه من اية محاولة لاضعاف حكومة السنيورة مشددا على ضرورة حمايتها من التهدم ومنع عودة سوريا الى لبنان، والثاني لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل وقال فيه ان المملكة لم تتهم اي دولة بالاسم في ما جرى مؤكدا ان ما يحتاج اليه لبنان حاليا هو الهدوء وإعادة البناء وعدم المجازفة بمصلحته ووحدة شعبه، مدافعا عن موقع سوريا العربي بوصفها جزءا لا يتجزأ من المؤسسات العربية.
المجريات الميدانية
الى ذلك، بدا واضحا من خلال المجريات الميدانية والمعلومات الدبلوماسية ان الاميركيين طلبوا من الاسرائيليين هدنة جوية من اجل تامين اجلاء الرعايا الاميركيين من لبنان وكذلك باقي الرعايا الغربيين، وبرز مؤشر اضافي يدل على نوايا اسرائيل بزيادة تصعيدها تمثل في قرار الامم المتحدة سحب كل موظفيها الاجانب من لبنان.
وأظهرت الوقائع العسكرية ان الاسرائيليين وضعوا خطة واضحة لتقطيع أوصال المناطق المستهدفة بشكل متدرج، بدليل ما جرى امس في مناطق راشيا وصور، وقبلها في مناطق مرجعيون وبنت جبيل حيث استهدفت كل الجسور والطرقات والمعابر بين القرى ليصبح كل من فيها معزولا عن العالم بعدما دمرت محطات الاتصال الهاتفية العادية والخلوية وكذلك محطات الكهرباء والمحروقات.
كما أظهرت الوقائع ان الهدف الاسرائيلي حاليا هو التخلص من عبء القوة النارية للمقاومة، بعدما عجزت اكثر من الف وخمسمئة غارة اسرائيلية في استهداف ترسانتها ومقاتليها. وحاول الاسرائيليون الإيحاء بأنهم
يحاصرون كل محاولة لمد المقاومة بشحنات جديدة عبر قطع كل المعابر الشرقية والشمالية بين لبنان وسوريا واستهداف كل شاحنة نقل غير مكشوفة بما في ذلك داخل منطقة جبيل وبين ضهور الشوير وزحلة وبلغ بهم الامر حد استهداف شاحنات اماراتية محملة بالادوية للبنان. كما شنت غارات ليلاً استهدفت شاحنات نقل عند تقاطع الحدث وغاليري سمعان.
ووجهت المقاومة، في المقابل، رسائل واضحة للاسرائيليين سواء عبر تكثيف صلياتها النارية على شمال فلسطين المحتلة او عبر محاولة القيام بمحاولة اقتحام اكثر من موقع اسرائيلي او عبر انتظام عمل قيادتها بصورة اعتيادية سواء على مستوى الاتصالات السياسية ومواكبة العمل الاغاثي والانساني والاطلالات الاعلامية والتواصل مع المؤسسات الاعلامية وحتى القيام بجولات ميدانية في الضاحية والجنوب والبقاع.
وبرز سؤال اساسي على طاولة مجلس الوزراء مفاده محاولة ايجاد تفسير لقرار اسرائيل استهداف الجيش اللبناني في الوقت الذي يشدد المجتمع الدولي على قرار نشر الجيش في الجنوب.
وقال مصدر حكومي لبناني ان الاسرائيليين ارادوا من خلال هذه الرسالة السياسية الواضحة والتي سبقتها ايضا تهديدات وتحذيرات تلقتها قيادة الجيش عبر قنوات غربية، تحطيم معنوياته وكسر عقيدته وتحويله الى حرس بلدي من اجل القول انه غير صالح لمهمة من نوع الانتشار في منطقة الجنوب اللبناني وبالتالي علينا القبول بخيار القوات الدولية الرادعة.
وإذ اشار المصدر نفسه الى ان الاجواء الدولية لم تظهر تضامنا بالحد الادنى مع الجيش اللبناني وقيادته، المح الى ان المناقشات في قمة مجموعة الثماني، بلغت حد ضغط الاوروبيين من اجل تبني موضوع نشر قوة استقرار اطلسية في الجنوب اللبناني، لكن بعض الدول تحفظت على ذلك (تردد ان مناخات الاميركيين غير متحمسة لذلك) ولذلك تم استخدام مصطلح قوة الاستقرار الدولية.
وتتخوف الحكومة من أن يصار الى ابتزاز لبنان عبر تأجيل جلسة مجلس الامن المقررة مبدئيا يوم الخميس المقبل بهدفين: اولهما استمرار اعطاء الضوء الاخضر لاسرائيل لاكمال حربها المفتوحة ضد لبنان وثانيهما من اجل جعل المجلس ينعقد في نهاية هذا الشهر من اجل المناقشات المخصصة للتجديد لقوات الطوارئ الدولية مناسبة لتطوير القرار والدور المناط بالقوات الدولية وصولا الى تحويلها الى قوات فصل.
من جهتها، قالت اوساط مقربة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ان فكرة القوة الدولية المطروحة من قبل انان والاوروبيين على اساس ان تكون قوة رادعة وفق الفصل السابع لم تطرح بشكل جدي نهائيا لا من قبل الموفد الاوروبي خافيير سولانا او بعثة الامم المتحدة او اية جهة لبنانية، وبالنسبة الينا هناك قوات اليونيفيل وحتما هي تلعب دورها ونحن رفضنا تخفيض عددها سابقا، والاساس بالنسبة الينا هو المهمة والدور، فإذا كانت مهمة القوة التي يجري الحديث عنها حماية اسرائيل شيء وحماية لبنان شيء آخر.
وأكد مصدر مطلع على المشاورات الدولية والعربية الجارية ان هذه المشاورات لم تبلور بعد ملامح اي حل، واوضح ل<فرانس برس> <ان الطرف الفرنسي هو الوحيد الذي يتطرق الى وقف اطلاق النار وله موقف متميز يعتبر أن القضية تتجاوز مسألة الاسرى>. وقال: لسائر الدول موقف متقارب مع الموقف الاميركي: لا تفكير بوقف لاطلاق النار وإنما فقط حصر الاضرار المتعلقة بالنواحي الانسانية.
من جهته، جدد الرئيس السنيورة، الذي واصل امس اتصالاته الدولية والعربية لوقف العدوان، مناشدته المجتمع الدولي والعربي السعي لوقف اطلاق نار فوري على لبنان. وقال ان تصاعد العدوان بالصورة الهمجية التي شهدناها يؤكد ان اسرائيل قررت اعادة لبنان 50 سنة الى الوراء.
الحريري
في هذه الاثناء، كان البارز على صعيد المواقف السياسية الداخلية، اعلان رئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري لشبكة <سي إن إن> الاميركية رفضه التطرق الى خطأ من في هذا الوقت، وقال <في هذه اللحظة هناك حرب تشن على لبنان ونأمل ان تنتهي ومن الضروري وقف اطلاق النار والحصول على مساعدات انسانية وسنتحدث عن كل شيء بعد وقف اطلاق النار وانتهاء الحرب ولكن لا يمكننا ذلك الآن. ويجب ان نبقى كلبنانيين موحدين وأن نقف الى جانب بعضنا في مواجهة هذا العدوان الاسرائيلي>.
ورداً على سؤال قال الحريري: <نحن نحاول الضغط على كل العالم للوصول الى توافق على حلّ شامل وموحد ونهائي. نحن نحاول ونؤمن أن وقفا لاطلاق النار هو أمر ضروري جدا كما هو ضروري إعادة الجنود كما هو ايضا ضروري الافراج عن اللبنانيين المعتقلين في اسرائيل منذ 28 عاما>.
وردا على سؤال قال الحريري: حزب الله هو جزء من المجتمع اللبناني وواحد من الاحزاب التي حررت لبنان من الاحتلال الاسرائيلي. لبنان كان محتلا وكان هناك مقاومة في الجنوب وحزب الله كان واحدا من الاحزاب المقاومة كما كان هناك حركة أمل وغيرها كانت تقاوم الاحتلال الاسرائيلي.
عون
بدوره، دعا رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون في مقابلة مع الجزيرة الى وحدة صف في لبنان وتحمل الجميع المسؤولية في مواجهة العدوان الاسرائيلي، وقال ردا على سؤال حول إمكان القضاء على حزب الله ان ذلك غير ممكن فحزب الله هو شعب ولا تستطيع ان تقتل شعبا، وانتقد الموقف العربي وتساءل: لو كانوا محقين لماذا يترك الشعب اللبناني عرضة للمجازر، محذرا من اننا امام حرب غذائية بكل معنى الكلمة.
واعتبر عون ان الغطاء رفع عن لبنان بكامله وليس عن حزب الله وحده، وراى ان الادانة العربية للحزب اعطت لاسرائيل الحق الكامل في التصرف وفي تنفيذ ما تشاء من عدوان ضد الشعب اللبناني. وأضاف ان <حزب الله> لديه قوة الممانعة وليس قرار الحرب والسلم، والحساب لا يكون اثناء المعركة.
وردا على دعوة البعض الى محاسبة المقاومة والسيد حسن نصر الله، قال عون ان الخيانة للوطن هي التي يحاسب عليها، فالبطل الذي يخطئ يدفع حياته ثمنا ويبقى بطلا.
ورأى النائب وليد جنبلاط انه ليس هناك ما يوحي بوجود بوادر لوقف إطلاق النار، داعيا الى ان تكون الدولة مسؤولة عن قرار السلم والحرب واعتبر ان دمشق وطهران لا تساعدان الحكومة اللبنانية ولا تعترفان أصلا بها.
وقال في مقابلة مع التلفزيون المصري الرسمي: صحيح أننا نريد وقفا لاطلاق النار لكن نريد أن نعلم وقف إطلاق النار مع من؟ إذا كان مع الدولة اللبنانية عبر الامم المتحدة شرط ان يتم تبادل الاسرى من هنا وهناك عبر الدولة اللبنانية على ان تبسط الدولة سلطتها ووصايتها على كل الارض اللبنانية هذا شيء، والشيء الآخر ألا نعود الى الماضي ثم يكون وقف لاطلاق النار مع منظمة حزب الله. إننا لا نريد دخول المجهول أو معادلة جديدة تطيح بالطائف ومقررات الحوار.
واشنطن
وفي واشنطن، اعتبر الرئيس الأميركي جورج بوش ان حزب الله هو أصل المشكلة في الشرق الأوسط وانه يجب معالجة هذه المشكلة. وأضاف تبنينا في الأمم المتحدة القرار 1559 وهذه الديموقراطية الفتية (لبنان)، هذه الديموقراطية صارت كاملة مع رحيل سوريا، مضيفا يبدو ان سوريا تحاول العودة إلى لبنان. هناك شكوك في ان زعزعة الاستقرار التي سببتها هجمات حزب الله.. ستجعل البعض في لبنان يدعون سوريا للعودة.. ان ذلك سيتناقض مع سياسة الولايات المتحدة والأمم المتحدة، حيث انه من مصلحتنا ان تبقى سوريا خارج لبنان.
وقال بوش انه يتوجب على العالم التصرف تجاه حزب الله وسوريا والاستمرار في عزل ايران. وأشار الى اننا أوضحنا انه يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها، مضيفا لقد طلبنا منها خلال قيامها بذلك، الانتباه الى حكومة (رئيس الوزراء فؤاد) السنيورة. من المهم جدا ان تنجح هذه الحكومة وتنجو.
وعبرت وزير الخارجية الاميركية كوندليسا رايس ونظيرها المصري احمد أبو الغيط، علنا عن خلافهما حول توقيت وقف إطلاق النار. فبعد أن اتفقا بعدما اجريا مباحثات حول الوضع في المنطقة على ضرورة وقف إطلاق النار، قال أبو الغيط ان ذلك يجب ان يحدث فورا، فيما استخدمت رايس عبارة عندما تتوفر الظروف الملائمة.
وأشارت رايس الى ضرورة تطبيق القرار 1559 وإرسال الجيش الى الجنوب وتشكيل قوة دولية.
من جهته، قال أبو الغيط انه بحث مع رايس كيفية وقف العنف وإطلاق النار، إضافة الى إيجاد الأجواء الملائمة لوقف النار وتطبيق القرار 1559 ونشر الجيش على الحدود وتوفير قوة حفظ سلام قوية أو زيادة فعالية قوات الطوارئ الموجودة حاليا. وقد اعتبر ان وقف إطلاق النار أمر ملزم، ويجب ان يحدث فورا.
لندن
واتهم رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير مباشرة ايران وسوريا، بدعم المقاومة في الحرب التي أدت في رأيه الى انهيار الآمال بالاستقرارفي هذه المنطقة. وقال أمام النواب في بيان مجموعة الثماني نددنا بنشاطات المجموعات المتطرفة وبشكل ضمني الذين يدعمونهم. ويرى معظمنا في مجموعة الثماني انه يمكن القول بوضوح اكبر ان حزب الله مدعوم من إيران وسوريا. وأضاف ان المقاومة مدعومة أولا بالأسلحة وهي أسلحة مشابهة جدا ان لم تكن مماثلة تماما للأسلحة التي استخدمت ضد القوات البريطانية في البصرة (جنوب العراق)، وثانيا بوسائل مختلفة لا سيما المالية منها من قبل البلدين
المصدر: السفير- وكالات
إضافة تعليق جديد