لا نؤمن بالفلك ولكن نترقب المنجمين ونتهافت على التبصير

12-01-2007

لا نؤمن بالفلك ولكن نترقب المنجمين ونتهافت على التبصير

التبصير وقراءة الكف والتنبؤات الفلكية حكاية قديمة, لكن ازدهار التنجيم في المدى العربي بصورة خاصة ظاهرة تستحق التأمل, وربما كان الفقر والبطالة والشعور بالهزيمة وراء هذا الازدهار. كيف؟

انقسمت آراء الفلاسفة وعلماء النفس منذ عصور بعيدة, حول الحظ والمصادفة والابراج والتوقعات الفلكية. وبرز تياران رئيسيان في هذا المضمار, تيار يستهزئ بخرافات المصادفة والحظ والتنجيم, مستنداً الى محور العلم وحده. وآخر ينغمس في الدفاع عن مقومات الحظوظ والمصادفات والقدرة التنجيمية, مستكيناً الى شواهد وأدلة تاريخية وعصرية متنوعة.
والغريب في أيامنا هذه, أن نشهد اهتماماً متصاعداً على صعيد المنطقة, وعلى صعيد دول العالم, بعالم التبصير, وتوقع الاحداث المستقبلية, وتأثير حركة الكواكب والابراج على مسار الانسان النفسي والاجتماعي والمصيري, في الوقت الذي نشهد معه انطلاقات علمية متقدمة جداً, في مجالات الذرة والفضاء وعلم الاحياء والطب, والتكنولوجيا, وغيرها من العلوم, وكأن الانسان المعاصر يأبى­ وهو في عز حداثته العلمية والتجريبية لمسار الكون ومحدداته, وفي عز ابحاثه في مسار تكوينه الفيزيولوجي والجيني­ أن يتخلى عن عالم الخرافات والأخيلة والتبصير الغيبي والحظ و«البخت السيئ». واشارات الخوف والخطر وما الى ذلك.
... في قراءتنا لكتاب «التحليل النفسي للحظ والمصادفة» للباحث السوري سمير عبده €منشورات دار علاء الدين€ يلفتنا ما اثاره عبده في مقاربته لهذه القضية­ الاشكالية, القديمة المتجددة, محاولاً رصدها من منظار التحليل النفسي, وفي ذلك كتب يقول­ ص 11­: «لنعد قليلاً الى الوراء, الى الانسان القديم, حيث تعني هذه الكلمة: الأولي أو الأصلي. وفي حالة هذا الانسان, نجد أنفسنا بعيدين عن عالمه في الزمان, فقدراتنا العقلية أضحت متمايزة لدينا بأكثر مما هي متمايزة لديه, ولذلك فإن بوسعنا ان نمثل موقعاً أفضل, نستطيع منه ان نطل على عالمه وعلى المعنى الذي كونه عنه.
إن ما يميزنا عن الانسان البدائي, هو ان هذا الانسان كان في أول أمره, جهلاً منه لقوانين الطبيعة, يعزو ثورات البراكين وكسوف الشمس, وخسوف القمر والزلازل والفيضانات وهزيم الرعود, ونزول الصواعف وما حاكاها من احداث الطبيعة, الى قوى غير منظورة صالحة او طالحة, نعتها بالجن والعفاريت و الشياطين والأبالسة والأرواح... الخ...».
أما اليوم­ يضيف عبده­ «فإن عالمنا الحالي ليس فيه مكان مشروع لغير المرئي», لذلك «فإننا ننفر كل النفور من فكرة القوى غير المرئية الاستبدادية, لأنه لم يمض زمن طويل على خلاصنا من عالم طويل الأحلام والخرافات المخيفة».
ومن آراء بعض العلماء والمفكرين حول العالم, يستعرض الباحث ما قاله الفيلسوف ديفيد هيوم عن هذا الموضوع. فهو ينكر انكاراً مطلقاً وجود شيء اسمه الحظ والمصادفة, ويعترف بشيء يعادله وهو €جهلنا للأسباب الحقيقية وراء كل حادث€ أما الفيلسوف سبينوزا فقد رأى أن €ما من شيء نسميه عامل المصادفة او نتيجة الحظ€ إلاّ بسبب من نقصان معرفتنا. فيما ذهب لابلاس الى القول: في الكون فاعلية €أي جبرية علمية€ تديره وتدبره, وأن كل ما يجري فيه إن هو إلا نتيجة لسبب سابق, أو سبب لنتيجة لاحقة, التي بدورها يمكن ان تكون سبباً لنتيجة اخرى, وهكذا دواليك... فلا وجود اطلاقاً للحظ والمصادفة€.
أما على صعيد تعلق عامة الناس بالأبراج من خلال الحظ... فيشير الباحث الى أن «الحظ يلعب دوراً هاماً في الأبراج, «فأنت­ حسب قول المنجمين­ تتحدد هويتك في الدقيقة والساعة واليوم والشهر الذي تولد فيه اذاً انت رهين الحظ الذي يجعلك من ذوي النفوس العصابية, أو من ذوي الامزجة البسيطة, أو أن الدنيا ستجود عليك­ لا لشيء­ سوى أنك تاريخ معين في حياتك العمرية. وسواء صدقت هذا القول أو لم تصدقه, فإن 70€ من سكان العالم يهمهم ان يعرفوا ماذا تقول لهم ابراجهم. البعض يعد ذلك نوعاً من الترويح عن النفس, والبعض الآخر يدفعه الى ذلك ما يقوله برجه دون التقيد به».
 توجهت الى شريحة معينة من الطلاب الجامعيين اللبنانيين, وسألتهم عن موقفهم من هذه الظاهرة, ومن ازدياد نسبة المتهافتين على سماع التوقعات السنوية من قبل بعض الفلكيين, و من ازدياد نسبة المتعلقين بالابراج... خصوصا وان ابرز التوقعات تؤرق العوام وتخيفهم من مجريات الاحداث الراهنة في لبنان. وفيما يأتي نقرأ ردود الشباب:

نيفين فرحات:
­ ثمة اشخاص يستغلون هذه الظاهرة في سياق غير صحيح. لا شك في ان هنالك اشخاصاً قد درسوا علم الفلك. وأرى أن البعض يستحق الاهتمام به, مثل ميشال حايك, فأنا اعتبره من أفضل المتوقعين للاحداث, ومن اكثرهم جرأة وفاعلية. واعتقد ان معظم التوقعات التي يعلنها تصح معه, بدليل وقوع اكثر من حدث, كان حايك, قد اشار اليه. بالمقابل ثمة ادعياء في هذا المجال يتوسلون الشهرة ولا تصح توقعاتهم.
شخصياً, أنا لا أؤمن بعلم الفلك, وبتحديد حظوظ اصحاب الابراج الفلكية على مدار السنة, وعلى مدار الشهر وفقاً لتحركات الكواكب او لمسارها. فليس بالضرورة ان يكون صاحب برج العذراء على سبيل المثال منحوساً في هذه السنة, وأن ينطبق هذا النحس على مليار شخص يحملون خصائص هذا البرج.

لارا غيث:
­ بالنسبة إلي أنا لا أؤمن نهائياً بالابراج وعلم الفلك, ولكن اجمالاً, ومنذ العام الفائت تقريباً, عندما بدأت استمع الى ميشال حايك وتوقعاته التي تحقق جزء منها, صرت انتظر ما يقوله واصدقه كظاهرة... والآن بالذات كنت اتحدث مع صديقتي عنه وعما قاله في مطلع العام الجديد, بخصوص لبنان, واعربت لها عن الخشية التي ساورتني في هذا المجال.
اما سائر المنجمين والفلكيين فأنا لا أؤمن بمقدرتهم في سبر اغوار العالم الماورائي. أما الأبراج فلا أراها جدية, وعندما استمع على سبيل المثال الى ما تقوله ماغي فرح عن برج الحمل الذي هو برجي, اجد ان كل ما تقوله لم يصح ولو لمرة.

هلا عاصي:
­ لا شك في أن الاهتمام الزائد بظاهرة التنجيم والتوقعات لا يعد امراً صحياً او ايجابياً. ونحن لا نسلم بأقوال المنخرطين في هذه «المهنة», بل نسلم بما هو مكتوب علينا.
أما بالنسبة الى الابراج, فلا اخفي عنك انني اقرأ احياناً برجي من باب التسلية والهواية, لكنني لا أفكر بما قرأته بشكل جدي.

عبد الله بواب:
­ كل ما ينساق في هذه المسألة, يدخل في باب السلبية. واعتقد ان اصحاب التوقعات يلجأون الى أمرين, التحليلات السياسية, والاتصال بقوى غيبية.
بالنسبة إلي, التنجيم والتبصير حرام, ولا آخذ بأي كلام يصدر عن العرافين والبراجين, ولا تأخذني الهواجس من أي توقعات دموية او غير دموية, يصدرها فلان او علان.

هنادي دهيني:
­ لا اصدق في قرارة نفسي, أقوال الابراج والتنجيم والتوقعات, بالرغم من ترسيخها كعلم مثل سائر العلوم في بقاع عديدة من العالم. أرى المسألة مشوبة بالخرافات في النهاية. ثم ان تصديق الابراج والتعلق بسماعها يومياً يحول المستمع الى انسان سلبي يعلق خطواته وافكاره ومشاريعه على ما سمعه من حظوظ برجه. فإذا قالوا له على سبيل المثال €اليوم انت معرض لحادث€ فسيقرر عدم الخروج من بيته حتى وان كان لديه موعد قد يغير وجه حياته.

ليلى شمص:
­ هذه الظاهرة سلبية تماماً, واعتقد ان التوقعات التي يسمعوننا اياها مع مطلع كل عام جديد, لا تندرج في خانة الاتصال بقوى غيبية, بل تندرج في خانة التحليلات السياسية.
وحتى الابراج لا أسلم بها, فقد كذب المنجمون ولو صدقوا.

أليسار كنعان:
­ بالنسبة الى المجتمع اللبناني الذي يهتم بهذه الظاهرة, نراه اليوم اكثر تصديقاً لها, نظرا للأوضاع الصعبة التي يعيشها اللبنانيون. لذلك يتجه معظمنا الى التعلق بأي اخبار تنجيمية تدور في فلك ما قد يحدث لهذا البلد.
اما بالنسبة الى الابراج, فأنا احب ماغي فرح واستمع احيانا الى ما يقوله البرج اليومي, لكنني لست مدمنة في هذا الاطار, ولا يشكل لي علم الفلك هاجسا قويا في مسار حياتي. علماً أن ما يقوله ميشال حايك اصبح يشكل لدي مثل هذا الهاجس, فأنا انتظره سنويا واسجل ما يقوله من توقعات, حتى ارى ما هي الاحداث التي وقعت وما هي الاحداث التي لم تقع ولم تصح معه.
لا شك في ان المؤمنين يطلقون على هذه الاعمال صفة الخرافة والتدجيل, لكنني مأخوذة بالحاسة التي يمتلكها حايك, بغض النظر عن الجدل الذي يدور حوله.

طارق محمد صالح:
­ استطيع القول ان هذه الظاهرة ايجابية وسلبية في الوقت عينه. لكنني أشك في الخلفية السياسية لكل العاملين في مسائل التنجيم والتعريف والفلك... بمعنى ان كل واحد منهم يعمل وفقا لميوله السياسية, وحتى وفقا لطائفته, حيث يعلن توقعاته انطلاقا من هذه الخلفية او من هذه الميول.
بالمقابل, أحب قراءة برجي, لكنني لا اصدق ما تقوله الابراج.

محمد فوزي شكر:
­ هذه الظاهرة سلبية بامتياز. وأرى ان الاشخاص الذين يعانون من نقص في الايمان او من نقص في العلم, هم الذين ينجرون الى الانخراط في هذه الظاهرة والتعلل بها وتصديقها. من هنا لا اعترف بشيء اسمه تنجيم, وبأشياء تدعى توقعات. في النهاية اعتقد ان التوقعات تنبع من اتجاه سياسي ما. علما ان التبصير شيء وعلم الفلك والابراج شيء آخر. والمعنيون في هذا المجال, يحاولون تسخير علم الفلك للتأثير اجتماعيا على الناس, وتحديدا على الشعب اللبناني الذي يتأثر بكل ما يجري في محيطه, وما يجري الآن يعكس مدى الصعوبة التي يرزح تحتها اللبنانيون على صعيد القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الساخنة.
ان المستوى الاجتماعي المتدني يتأثر بشكل اكبر بظاهرة التوقعات والابراج, من المستوى الاجتماعي المتطور, وذلك نظرا لضغوطات العمل والمشاكل التي يعيشها اصحاب المستوى المتدني.

عباس اسماعيل:
­ ان هذه الظاهرة هي في نظري لعب على عقول الناس. ما اغرب ان نصل الى هذا العصر, ونجد مَنْ يتكل فيه على المنجمين بما يمارسونه من خرافات. وما اغرب ان تتسع هذه الظاهرة وتزداد. الأمر الذي يجعلني اشك في ظهور حالة جديدة مؤداها ان ثمة من يدفع الاموال لمثل هولاء كي يعلنوا عن توقعات تخدم سياسات الممولين, وتضيء على من اختفى ذكره من السياسيين في الساحة اللبنانية, بحيث يعمد السياسي الذي انطفأ نجمه الى تمويل هذا أو ذاك, لكي يقول عنه انه في دائرة الخطر. من هنا اعتقد ان هذه الظاهرة تافهة وسلبية جداً, وشعبية لا بمعناها الايجابي, بل بمعناها البسيط والمتخلف. وانا استغرب كيف يصار اعلاميا وثقافيا الى الاهتمام بهذه الامور, على حساب المواضيع الفكرية والثقافية التي تخدم المجتمع وتخدم المبادئ الوطنية, والعقائد والعادات الانسانية الراقية.
فأي مهزلة هذه عندما يؤمن مواطن لبناني بما قاله هذا العراف او ذاك. فلا يمر بطريق جرى ذكرها بسوء, او بمبنى معين جرى التحذير من تعرضه لاعتداء أمني!


تحقيق: غادة علي كلش

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...