كيف يجب أن نرد على الرسوم وتصريحات بوش والبابا
الجمل-دمشق-أحمد الخليل: في رائعة ممدوح عدوان رواية (أعدائي) نقرأ الحوار التالي بين شخصيتين يهوديتين:
(...لابد من المغامرة، اليهودي يجب أن يذكّر بنفسه في كل شيء يعمله. ليتنا نستطيع أن نجعل لدوستنا على الارض شكل النجمة.ليتنا تركنا نجمتنا على الأهرامات التي بنيناها.
- واثقة أننا نحن الذين بنيناها؟
- نحن نقول كلمتنا ولُيتعب الاخرون أنفسهم في نفيها...).
أورد بابا روما في المحاضرة التي ألقاها في 12 أيلول في جامعة رغنسبورغ في بافيير حول موضوع (الإيمان والعقل والجامعة)استشهاداً يعود إلى عام 1381 للإمبراطور البيزنطي مانويل باليولوغوس الثاني في حوار مع مفكر فارسي. حيث فاجأ الإمبراطور محاوره قائلاً: (أرني ما أتى به محمد من جديد، عندها ستجد ما هو شرير وغير إنساني فحسب، كأمره نشر الإيمان الذي نادى به بالسيف). وعرض الإمبراطور البيزنطي بعد ذلك الأسباب التي تؤكد ان نشر الإيمان بالعنف أمر منافٍ للعقل.
ورأى البابا أن المسلمين يرون ان مشيئة الله لا تخضع لحكومة العقل، مشددا على ارتباط المسيحية (ارتباطا وثيقا بالعقل، وهو الرأي الذي يتباين مع رأي أولئك الذي يسلمون بنشر دينهم بحد السيف)واستخدم البابا في محاضرته مصطلح «الجهاد» و«الحرب المقدسة» قائلا إن العنف «لا يتفق والطبيعة الإلهية وطبيعة الروح».
ولم يكد البابا ينهي محاضرته حتى عم الخبر أرجاء العالم الاسلامي (لقد أساء البابا الى الاسلام والرسول) فقامت المظاهرات وانتشرت الاحتجاجات وامتشق الغيورون أقلامهم ليحبروا كل الصحف الصادرة في اليوم التالي، وتتالت الفتاوى واستنفرت الفضائيات...فيما العالم الغربي وسياسييه ومفكريه يتأمل هذا المشهد الذي يليق بفيلم سينمائي يستلهم القرون الوسطى ...
لقد ألقى البابا بكلمته وترك المسلمين يتعذبون بنفيها وتفنيدها (لا لم ينتشر الاسلام بحد السيف والاسلام أعلى من شأن العقل) وبينما المفكرون (الاسلاميون) يشحذون ذاكرتهم لدحض أراء البابا كانت الجماهير المسلمة التي لم تقرأ محاضرة البابا تطلق العنان لحناجرها للزود عن الاسلام.
وبين محاضرة البابا وتصريح الرئيس الامريكي بوش عن (الاسلام الفاشي) عدة أيام، فلم يكد الصراخ الاسلامي يهدأ قليلا حتى أوقده البابا من جديد بالقاء حطبه في موقد الصراع الذي بشر به (هتنتجتون وفوكوياما).
هنا يقدم المسلمون للمحافظين الجدد ما يريدونه تماما (تأجيج الصراع) وفتاوى القتل حتى تستمر الحملة على الارهاب فالغوغائية القطيعية تدلل على أن تصريحات زعماء الغرب لم تأت من فراغ فهاهم القطعان (المسلمة) تحرق السفارات وتقتل وتهدد...لذلك لابد من التأكيد وتعزيز الحرب (المقدسة) على الارهاب.
من جهة أخرى تستنفر الانظمة العربية والاسلامية وتحرض عبر اعلامها الشارع الاسلامي على الدفاع عن دينه وهي بذلك تحرف الصراع عن مساره فهي تظهر بمظهر المدافع عن دين الاسلام أولا وتزج الشعوب في معارك خاسرة ثانيا، لتخفف الضغط عنها بتوجيه الشعوب الى معارك هامشية وهذا يعني التقاء مصالح الانظمة مع مصلحة الغرب الرأسمالي، فالغرب أولا وأخيرا مهتم بالحفاظ على مصالحه وهذه الانظمة خير من يحميها لذلك يجب التخفيف من كلام الغرب عن الديمقراطية والحريات (فهذه الشعوب الغوغائية) ليست أهلا للديمقراطية، ولا بد من اطلاق يد الانظمة لوضع حد للارهاب الداخلي الذي أفسحت له الأنظمة المجال ليخرج من قمقمه لتستطيع معرفته وضربه.
الفكرة والحامل
تقتل جيوش بوش وحلفاءه يوميا العشرات وربما المئات من الشعوب العربية والمسلمة وبالامس فقط قتلت اسرائيل المئات من الشعب اللبناني، ولم تصل الاحتجاجات على هذا القتل اليومي الى ربع الاحتجاجات على محاضرة البابا، ما يعني أن الفكرة المقدسة التي استحالت صنما هي أهم من حاملها فليس مهما قتل المسلمين المهم الحفاظ على أفكار الاسلام ومقدساتهم وكأن هناك انفصال تام بين الفكرة وحاملها حيث تتقدم الفكرة ويصبح حاملها سقط متاع.
ونرى تجسيد ذلك على واجهات المحلات (الا رسول الله).
يقول البعض أن عدد المسلمين في الكرة الارضية مليار ونصف المليار وآخرون يقدرون العدد بمليار أو أكثر قليلا !!والسؤال هل يخشى مليار ونصف المليار على دينهم من تصريح صحفي أو محاضرة في احدى الجامعات وهو المتجذر منذ ألف وأربعمائة عام؟!
اذا كانت كل هذه الحروب وكل هذه الصراعات لم تقلل من شأن الاسلام أو تضعف منه فهل جملة عابرة في محاضرة عابرة سوف تقضي على الاسلام؟
ان المسلمين وتعبيراتهم السياسية والفكرية لا يرون أن المعركة الاساسية هي معركة تنمية وبناء أوطان واقتصاد ونشر معرفة بل يرونها مجرد صراع مع رئيس أمريكي أو رمز مسيحي ...
لذلك يجرهم الاخرون الى المعارك التي يريدونها لاستنزاف قواهم وانهاكهم واطلاق وحش التخلف القابع في دواخلهم لاستلال السيوف وجز الاعناق، فيما الاخر يتابع تقدمه وتطوره في كل المجالات، ونكتفي نحن بلعن القوم الكافرين والاحتفاء بتسجيلات ابن لادن والظواهري الصوتية والبكاء على قبر كليب، فنحن مجرد ضحية تستجدي الفدية من ضمائر الاخرين الذي وهبناهم ثرواتنا وعلمائنا ...
ان الرد على الرسوم وتصريحات بوش والبابا هي بالتحديد عبر معركة التنمية والحرية واطلاق الشعوب من تخلفها وسجونها فالمعركة ليست دينية انما هي أساسا سياسية واقتصادية وفكرية واذا ما أصر المسلمون على معركتهم الدينية (التي تدار الآن) فنحن ولا شك في الحلقة الاخيرة من مسلسل الخروج من الوجود بالمعنى المادي والحسي للكلمة!.
الجمل
إضافة تعليق جديد