كتاب مفتوح إلى الله
يعيد سليم زرازير في "كتاب مفتوح الى الله"(•) انتاج إشكالية العلاقة بين المحبة والعقل والحرية باسلوب حي وعفوي، فيرى الى الايمان الحقيقي فعل تداخل متوازن بين هذه الافاهيم الثلاثة.
من المحبة يبدأ، وقد سكنت منه القلب والعقل والجوارح، ارتوى منها ولم يرتو، اغتنى بها وغناه هو دوام الافتقار اليها، من رحمها يطلع الخير كل الخير، المحبة في نصه، منارة العقل بها يستهدي، والعقل المحب حصن الحرية ومنتهى آفاقها.
لازم المؤلف في سيرته الايمانية نصوص العهد الجديد، واظب على قراءتها والحفر فيها، وابتنى من قيم المحبة الانجيلية موئلا يقيه عثرات الدهر ويحميه من تجارب الدنيا، وصاغ من كثافة معانيها الانسانية منهجا يتوسل به في نقد مواطن الخلل الذي يطفو على سطح التراث الكنسي.
نعم، كلما اختل التوازن بين المحبة والعقل والحرية، في هذا التراث، تشوهت صورة الكنيسة وتعطلت رسالتها في البشارة، وفقدت دورها في تعميم ثقافة الانجيل الغنية بقيم التجربة المسيحية، وقصّرت في توفير شروط بناء الانسان المحب، العاقل والحر، فتقدم مع هذا التقصير، العرض على الجوهر، والشريعة على الحقيقة والحرف على الروح، وباتت الاسئلة مشروعة، عند انسان يعيش الحياة المسيحية في حقيقتها وجوهرها، وينأى بنفسه عن "مسيحية" السلطة الكنسية الغارقة في متاهة القشور والاعراض.
اين هي الكنيسة من جوهر المسيحية، عندما "تتشبث بالاوامر والتشريعات، وتتودد الى البورجوازية وتلهث وراء التيجان واللون الارجواني" (ص 30)؟ اغبياء هم الذين "لم يفهموا ان ما ليس حبا لا علاقة لك به يا سيد" (ص 32).
تستبطن اسئلة المؤلف تمييزا عميقا بين الشريعة وبين الدين والايمان، "فالدين سلطة آسرة، اما الايمان، أنّى ومتى كان، توق اليك ايها المحرر" (ص 37). يستمر على امتداد صفحات الكتاب، يسأل بمحبة وعقل وحرية عن "ذنب ذلك الصبي الذي خانته ذاكرته في كرسي الاعتراف، فنسي بعض الكلمات من فعل الندامة، فحُرم الانتقال الى حالة النعمة (ص 44). ثم ترتفع حرارة السؤال، وهي صدى حرارة الايمان: "اذا كان الشيطان حقيقة، واذا كان صحيحا انه ينافسك. فأي إله انت؟ وهل نحن بحاجة الى إله من هذا النوع (ص 51)؟ واذا كانت عذابات جهنم ابدية، "الا يعني هذا فشل مشروعك الخلاصي يا سيد" (ص 58)؟ واذا كان الانسان حرا في انتمائه او لانتمائه الديني، فلماذا يخاف حراس الدين حرية التعبير، ويعارضون ابداء الرأي ويحذرون من الانفتاح (63 – 64)؟ ثم لماذا هذا اللهاث وراء زيت يرشح من تمثال، وهل من الايمان في شيء ان ينتظر المؤمن معجزة تحصل في لحظة ما او في مكان ما؟
سيل من الاسئلة لا ينضب، صاغها سليم زرازير على وقع التلازم بين اقانيم ثالوثه (المحبة – العقل – الحرية)، فرضتها شوائب لا ترضاها المحبة ولا يقبلها العقل المحب، وتأباها الحرية العاقلة.
"كتاب مفتوح الى الله" فيه من العفوية بقدر مافيه من الصدق مع الذات، يُعلي من شأن الحقيقة الدينية على ما عداها من قوانين وتشريعات، ويجد في المحبة، سر الفداء، اصلا للتعقل والتحرر، ويرى اليها الطريق الاسلم الى الله والانس به والطمأنينة اليه.
وليد خوري
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد