قصص مؤلمة في سجن الأحداث 6223 حدثاً في 2011
لم يستطع إبراهيم كتم غضبه تجاه والده الذي يحمله المسؤولية كاملة عما آلت إليه حياته الطفولية، وصولاً إلى مركز الأحداث.
يسرد إبراهيم قصته منحياً بالمسؤولية عن قيامه بقتل أحد أصدقائه على عائلته ووالده تحديداً، وحسب قوله، فقد كان للمعاملة السيئة التي تلقاها من والده ودفعه للخروج من المدرسة في سن مبكرة قبل حصوله على الابتدائية، واقتياده للعمل معه في مهنة الدهان «كي يصرف على نفسه» أثر في وصوله إلى ما وصل إليه.
يقول إبراهيم: كنت راغباً في إكمال دراستي، وأحمل والدي المسؤولية الكاملة عن انقطاعي عنها.. ولذلك كنت أغيب مطولاً عن البيت لكي لا أصطدم معه.. وتابع إبراهيم: تعرفت على أصدقاء قادوني إلى مراكز الدعارة، وأماكن أخرى لا تقل في غرابتها.
إبراهيم الذي لم يتجاوز اليوم سن الـ12 شرح وصوله إلى حاله هذه بالقول: «قتلت صديقي لأنني شعرت أنه يخونني بعدما تعرف على صديقتي وخرج معها»، ويضيف: «بعد أن اكتشفت العلاقة بين صديقتي وصديقي ضربته بآلة حادة في صدره..».
يعتبر إبراهيم أنه ضحية لأسرة مفككة غير متعلمة، فوالده- على حد تعبيره- لا يهمه إلا جمع المال لإطعام أسرته المكونة من عشرة أولاد، وأمه غير المتعلمة خاضعة تماماً لسيطرة الأب ولا تملك من أمرها شيئاً.
ولـ«ح، س» ذو الـ17 عاماً اغتصب ابنة عمه بعدما رفض والده تزويجه إياها، معتبرا أن أسرته تتحمل جزءاً كبيراً من الأسباب التي قادته لمركز الأحداث، دون أن ينفي تحمله لجزء من المسؤولية.
وأضاف «ح، س» : إن ابنة عمه تعيش معهم في البيت بعدما فقدت والديها، وهي تكبره بأربع سنوات وحينما طلبها للزاوج من والده رفض ذلك لأنها «يتيمة» وغير مناسبة على حد تعبيره.
وتابع «ح، س»: «في إحدى المرات، خرج أهلي من البيت فقمت باغتصابها دون أن أفكر بعواقب ذلك..»، مضيفاً: «كان والدي يعاملني بقسوة وحرمني من التعليم كبقية الشبان، كنت أريد أن أعيش بشكل طبيعي بين الشباب من عمري وأتعرف على الحياة بشكل طبيعي.. جعلني ولد شارع.. لم يعاملني كما يجب أن يعامل الأب ابنه..».
ولم تكن قصة «م، ع» أقل إيلاماً مما سبق، فـ «م، ع» الطفل الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، قادته الأقدار إلى عالم المخدرات.
وتبدأ قصة «م، ع» بعد وفاة والدته وهو في سن الخامسة، ومع إسراع والده إلى الزواج من امرأة أخرى، بدأت علاقة الطفل «م، ع» بالشوارع لبيع العلكة محاولاً الحصول على المال حتى يشبع جوعه الذي يعانيه يومياً، ما قاده يوماً بعد آخر للحصول على المال بأي طريقة كانت، فكان أن وقع في يد بعض المستغلين -حسب قوله- الذين قادوه إلى بيع المخدرات مقابل جزء يسير من المال.
وأضاف «م، ع»: بقيت أتعاطى المخدرات لفترة طويلة من الزمن.. منذ الثامنة وحتى الحادية عشرة من العمر.. لم أدخل المدرسة قط.. لا أعرف القراءة أو الكتابة.. «مبدياً استعداده للبدء بالدراسة وعدم العودة إلى الشارع بعد أن يخرج من معهد الأحداث..»، مستدركاً بالقول: لكن كيف سأعيش ومن سيتحمل مسؤولية رعايتي بعد أن أخرج..».
إحصائيات حزينة
تبين الإحصائيات الصادرة عام 2011 من وزارة الشؤون والعمل أن عدد الأحداث بلغ هذا العام 6223 حدثاً 2670 حدثاً منهم دخلوا مراكز الأحداث بتهمة السرقة والنشل كما ذكرت الإحصائيات أن 96 حدثاً دخلوا المراكز بتهمة التزوير والاحتيال و353 بتهمة التشرد والتسول و656 بتهمة التشاجر وحمل السلاح كما بلغ عدد الذين دخلوا مراكز الأحداث بتهمة الاغتصاب 108 وبتهمة الفحشاء 295 والدعارة 140 وبتهمة تعاطي المخدرات 157 على حين بلغ العدد الذين مارسوا القتل 373 ووضحت الإحصائيات أن 1299 دخلوا المراكز نتيجة أفعال أخرى.
وقالت الإحصائيات: إن العدد الأكبر منهم تتراوح أعمارهم بين 15إلى 18 من العمر معتبرة أن هذه السن هي الأخطر التي يمر بها المراهق من هذه الفئة العمرية وأضافت الإحصائيات: إن الأحداث الذين تتراوح أعمارهم من 7 إلى 11 بلغ عددهم هذا العام 290 حدثاً ومن 12 إلى 15 بلغ عددهم 1162ومن 15 إلى 18 عددهم 3272.
وذكرت الإحصائيات الأسباب التي قادت هؤلاء الأحداث لارتكاب جنح وجرائم حيث بينت أن 1447 بسبب تفكك أسري من طلاق ووفاة أحد الأبوين أو كليهما، و1316 بسبب تأثير البيئة حسب الإحصائيات.
وتابعت الإحصائيات: إن 22 حدثاً قاموا بارتكاب جرائم بسبب تخلف عقلي و377 حدثاً تعود الأسباب التي قادتهم لارتكاب جرائم إلى أسباب عرضية والبقية تعود إلى أسباب أخرى لم تذكرها الإحصائيات.
نظرة خاطئة
واعتبر مرشد معاهد الأحداث في دمشق الشيخ أحمد الحمصي أن نظرة المجتمع اتجاه هذه الفئة المهمشة غير سليمة، مشيراً إلى أن المجتمع ينظر إلى هؤلاء على أنهم مجرمون تربوا في الشوارع.
وقال الشيخ أحمد: نحاول مساعدة هؤلاء المهمشين من خلال البحث عمن يساعدهم وخاصة من رجال الأعمال».. إلا أنه يلاقي صعوبة كبيرة بسبب هذه النظرة السيئة، على حد وصفه.
وأضاف: مهمتي في معاهد الأحداث تتجسد بإرشاد هذه الفئة التي لا تتحمل مسؤولية ما ارتكبته من جنحة أو جرم إلى الطريق السليم وعودتهم إلى المجتمع.
بدوره قال رجل الأعمال عامر الصواف: إنه كان ينظر إلى هؤلاء الأحداث على أنهم مجرمون ارتكبوا جرائم يجب ألا نغفرها لهم، ولكن عندما دخل مركز الأحداث بصفة متعهد للبنية التحتية له، وخاض في حيواتهم وما آلت إليه، وجد أنه يجب أن يغير هذه النظرة التي كان يحملها اتجاههم.
وأضاف الصواف: إنه مستعد لدعم هذه الفئة بتقديم الدعم المالي لمن يحتاجه، إضافة إلى توفير فرص العمل وتشجيعهم على الدراسة، داعياً رجال الأعمال إلى تقديم الدعم لهؤلاء الشبان الصغار، مشيراً إلى دور الإعلام في قيادة هذه الحملة لتغيير نظرة المجتمع السلبية.
محمد منار
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد