عن تلك الصورة التي ستبقى بعد الكارثة

29-12-2008

عن تلك الصورة التي ستبقى بعد الكارثة

عدد الشهداء في مجزرة غزة مرشح للارتفاعالبشر يعتادون كلّ شيء. حتى مشاهد موتهم على شاشات التلفزيون. الصورة الأولى فظيعة تصيب المشاهد بالذهول، بالغثيان. الثانية تثير غضبه الشديد. الثالثة مؤلمة جداً... وهكذا إلى أن تصبح الصور متشابهة، ومفعولها شبه معدوم. ننظر إلى الجثث والأشلاء بفعل العادة من دون أن نراها. نسمع المرأة تستنجد وتولول وتلطم وتصرخ: يا ناس! نقول: يا حرام الشوم. ونقلب المحطة. «الجمرة لا تؤلم إلا مطرح ما بتوقع»! فلنتفرّج على مباراة في كرة السلّة هنا، أو نتابع أبراج ماغي فرح، في انتظار أيّام أفضل.
الشاشات العربيّة القليلة التي بذلت كل ما بوسعها لتسليط الضوء على «غزّة تحت النار» (تحيّة إلى «الجزيرة» وأخواتها)... وفتحت هواءها لنقل هول الكارثة، هل تستطيع شيئاً في الحقيقة؟ القتلة يعرفون، ومعهم الضمير العالمي المتواطئ كعادته، ومثلهم الإعلام «الحيادي» و«الموضوعي»، والإعلام الرسمي العربي على أنواعه، يعرفون أن ما يحدث في غزّة «فصل ويمرّ». صفحة وتطوى. المهم أن يجري كل شيء بسرعة، وألا ينزل الناس إلى الشارع في العواصم العربيّة. جرعات العنف الأولى موجعة، ثم تصبح مسألة روتينيّة... ألف شهيد؟ عفواً: ألف قتيل؟ ألفان؟ مدينة ربع مدمّرة؟ نصف مدمّرة؟ ماذا يعني ذلك؟ أسابيع، أو أشهراً، وتصبح مجرّد أرقام تضاف إلى أخرى، ومجزرة في سلسلة مجازر لم تعد تخجل أحداً.
لن يحفظ الرأي العام المستكين، ولن يسجّل التاريخ، إلا حقيقة واحدة: «إنّها عمليّة دفاع عن الذات». هذا هو منطق الأقوى: القاتل بريء والضحيّة مذنبة. وعمليّة التزوير الكبرى هذه غير ممكنة من دون الإعلام، عصب المعركة. في اليومين الماضيين، كان يكفي أن يقلّب المرء الأقنية، ليلمس كيف تعمل تلك الآلة المخيفة. هناك فضائيات عربيّة قللت من شأن الكارثة، أو عملت جاهدة على تحميل مسؤوليتها لشعب منتهك تحت القصف... فماذا نتوقّع من المحطات الغربيّة؟ من كان يتوقّع مثلاً من «يورونيوز» التي باتت تبثّ بالعربيّة، أن تسلّط الضوء، ولو بشكل إنساني مهني عابر، على أهل غزّة المحاصرين من كل الجهات؟
ومع ذلك فالصورة تتكلّم وحدها. إذا كان لا بد من الاحتفاظ من هذه الأيام الدامية في الأرض الفلسطينيّة بصورة واحدة، فهي ليست بالضرورة مشاهد الموت والدمار والناس المهرولين والمنتحبين، والجثث الملقاة أرضاً بصفتها «هدفاً صائباً». اللقطة سبقت المذبحة بيومين. وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في زيارة إلى الرئيس حسني مبارك. نراها جالسة إلى يساره، واثقة ومتغطرسة، مسترخية ومنفرجة الأسارير، ديناميكيّة ورشيقة تمدّ جسمها كلّه إلى الأمام كي تسهّل المصافحة الشهيرة مع مضيفها... زوم تدريجي على الرئيس المصري: مبارك ثابت في مقعده كتمثال، فقط الرقبة تتحرّك، ملامحه متجمّدة، عيناه غائرتان: ترى بماذا كان يفكّر المصوّر الواقف خلف الكاميرا وهو يخلّد هذه اللحظة؟

 

 

 

بيار أبي صعب

المصدر: الأخبار

التعليقات

الدرس الكلاسيكي في الصحافة ان كلباً عض رجلاً هذا ليس بخبر. لكن أن يعض الرجل كلباً فهذا هو الخبر. لهذا فإن فإن الجريمة الاسرائيلية لا تشكل مقومات الخبر الصحفي. كما أن الغرب الذي وضع جماليات او أدبيات العمل الصحفي لم يفته حقيقة أن سيلعب دور الجلاد في معظم الأخبار لهذا فرض على الصحافة استثناء العنف تحت شعارات احترام الموتى و مشاعر الأحياء. لا أدري إن كانت مشاعر أب يفقد ابنته في غزة أوزوجة تفقد زوجها سيكون أفضل عندما يتجاهل الاعلام بعض حقائق العنف. لا أدري لما يصر الكثيرين على طوباوية الاعلام ! و الأخطر هو التورط السفسطائي بكل القضايا الجانبية و تجاهل حقيقة واضحة و نهائية و هي ان الحرب تفرض على الجميع انقلاب في قراءة الواقع , بحث عن جذور المشكلة لأن أي تهديد سينسحب على المستقبل بدون أي شك. و لهذا لا يجب الفصل بين الاحتلال الاسرائيلي و عجز أي مواطن عربي عن التخلص من آليات الفساد في مؤسسات دولته. فالعنف لا يتجزأو أسباب الفشل لا تتجزأ. إنها علاقة عضوية. و يبدو ****(ماقاله) السيد الرسول /و يصدف ان اليوم هو رأس السنة الهجرية/ شديد الدقة و يطابق الطب الياباني. فعندما يؤلمك رأسك قد يكون السبب شوكة في القدم . و بنفس القياس فإن خسارة العرب في غزة و فشلهم في التعاطي مع قضية شديدة الوضوح مثل المطروحة بين أيديهم إنما تؤكد على أن الفشل و العلة أبعد عمقاً و أكثر تعقيداً و هي تتغلل في الخبز المسروق و العمر المسروق و الشجرة المسلوبة في كل بلد عربي. إن غزو غزة ليس هو ما يصنع اسرائيل و يحمي دولة اسرائيل و إنما قدرة اسرائيل على فرض نفسها على كل دول العالم: تكنولجيا الطائرات للهندو أوروبا, تقنيات الهندسة الوراثية , فلسفة المال, الأبحاث البيئية و أبحاث الطاقة. إن اسرائيل موجودة اليوم في كيماء المجتمع المعاصر, موجودة في هيكل الخريطة المستقبلية. العرب يعيشون حالة من العزلة ليس الجغرافية و لكن التواصل على صعيد المعرفة الكبرى. و المستعمر الذي انسحب من بلادنا لم بتخل عن حاجته الاستعمارية و لكن غير فلسفته. غن عدم قدرة أحد رغم غضبه على ان يفعل أي شيء ضد اسرائيل هو ليس إلا صورة -أشعة إكس- لهشاشة المواطن العربي و تفاهة حياته. إن الرد على قصف غزة يجب أن يكون اصلاح في المؤسسات الوطنية في كل دولة و تاكيد على حق المواطن بحياة كريمة لأن من يذل في بلاده ستدوسه عجلات التاريخ بلا رحمة. و الصراع مع دولة اسرائيل ليس صراع حرب واحدة و لا صراعدولة واحدة .إنه صراع رمزي للإنسان على الأرض. و يجب أن يكون فرصة لبناء هويتنا و ليس سبيل الى تحطيمها الى غبار. عندما يقصف الاسرائيلي شارعاً في غزة يجب ان نطلب من بلدياتنا أن تبني شارعاً في سوريا او في لبنان او في تونس. و عندما تقتل اسرائيل مواطنافي غزة يجب ان يدخل ألف مسؤول حكومي السجن في سوريا و في الاردن و في ليبيا.إن تحويل بلادنا الى موديل اقتصادي يتبع لمنظومة رأسمالية كما رسمه يهودي أمريكيبرغم وجود موديلات اقتصادية اكثر انسانية كالنموذج الاسكندنافي و النموذج النمساوي. كلا.إن رغبة بعض السفلة بأن يتحولوا الى مافيا كما رسمتها هوليوود سيقود الى تحويل البلاد العربية بأكملها الى مستعمرة غربية و تحويل العرب الى أغنام.فقط لأن هؤلاء لم يقرءوا كتاباً بل قضوا حياتهم التافهة في المولات التجارية و بين تجار الدعارة و المخدرات . إن لعن مصر و اسرائيل هو هروب من مواجهة تفاهتنا. ما الذي سنفعله لمنتظر الزيدي حتى لا تضيع المروءة في الصحراء؟ و ما الذي سنقدمه للعالم حتى يتخلى العالم عن دعمه لاسرائيل؟ إنها أسئلة سيتطلب حلها سنين من العمل الشاق و ليس من السمسرة و البلطجة و التلفيق و النخاسة و التذاكي و اللوفكة و الخسة و التفاهة و الأنانية و الغباء. عندما يصاب الكبد تعلو الصفرة وجه المريض. غزة تعني ان الوطن العربي في حالة موت سريري ليس لأنه لا ينقذ غزة و لكن لأنه لا ينقذ نفسه .

أعتقد أن ذلك المصور كان يفكر لو أنه يمك شجاعة منتظر الزيدي

مع انخفاض قدرة السعودية على انتاج النفط الخفيف . أصبح لديها أزمة حقيقية في تغطية نفقات انتاج برميل النفط. لهذا فإن أي أزمة في الشرق الأوسط ستؤدي الى رفع سعر برميل النفط ستكون في صالح السعودية و التي تتكاتف مع امريكا استخباراتياً لأهميتها على الصعيد الديني في ابقاء ملف الارهاب الاسلامي مفتوحاً مما يمنح أميريكا الذريعة للبقاء في أفغانستان - وسط آسيا- حيث تجارة المخدرات تبلغ أرقاماً من فئة البليون.. تغطيها المكنة العسكرية الأمريكية. اسرائيل نفسها أيضاً واجهت أزمة مع توسع دائرة النشاط الأمريكي و خروج آلته العسكرية الى الميدان. إذ انها فقدت هامش من مهامها التي تدر عليها أموالاً. و لهذا فإن اسرائيل تحتاج الى زبائن جدد فسارعت للترتيب مع بعض الدول العربية لإحباط الحركات الأصولية في المنطقة لأنها تهدد الأنظمة العربية قبل اسرائيل. و هذا ما يفسر وجود ليفني في مصر و هو البعث برسالة عالمية فحواها أن ما تفعله اسرائيل هو خدمة في صراع عربي-عربي .يبقى موضوع الأصولية العربية مثل الطاقة النووية: إنه حاجة حيوية لتثبيت الهوية اليهودية و لتثبيت الاسلاموفوبيا لدى المواطن الغربي حتى يتصالح مع ذاته و دولته عندما تعتدي على مجتمعات بأكملها و بمنتهى الوحشية. من ناحية اخرى ستبقى هذه الأصولية مصدر قلق في حال انفلاتها. و هذ ما يفسر الدعم السعودي لطالبان و تحطيمها لحماس .... في هذا ليس اتهام لمصر أو للسعودية بل لكل الدول العربية التي تصر على جعل السياسة لعبة اقتصادية مجردة عن الوطن و بهذا يمكن ادراج كل الدول العربية. ما الذي تفعله سفاراتنا المناضلة؟ في حرب تموز دارت تسيبي ليفني دول العالم لتقنع الجرائد و الشعوب بحق اسرائيل و نبل قضية اسرائيل. لقد ربحت تسيبي ليفني حيث خسر قادة الجيش الاسرائيلي و هي هنا مرة أخرى و من مصر تضيف الى سجلها السياسي موقعة جديدة. و نحن ننظر بعضنا الى بعض عبر التلفاز و نخاطب أنفسنا. هذا خطاب فاشل يعكس انتهازية كل الحكومات العربية في تثبيت صورتها من خلال هدر الدم الفلسطيني او التعمد به. على الحكومات ان توجه خطابها للعالم و ليس لشعوبها.

أليس من السخرية أن التلفزيون العربي يزخر بالسياسيين العرب و الموظفين الحكوميين السقط. و كأننا نحن من نقتل الفلسسطينيين.... على هؤولاء البائسين أن يجدو لأنفسهم مكان على الأقنية الأوروبية و الأسيوية. و ليس لدينا. عليهم أن يكونوا صوتنا للعالم. و ليس أن يتحفونا باتهاماتهم. نحن الضحية أيها الأغبياء- أفضل من كلمة خونة- ما الذي تفعله سفاراتنا و سفرائنا ؟ ما الذي تفعله المعارضة العربية البائسة؟ تدفع أوروبا لبعض المعارضين العرب مرتباً ليتحدثوا عن الخبز. ألا تشتمل الفاتورة على حق المعارضة بالتنديد ضد الصمت الغربي على العدوان؟ و القاعدة التي تستطيع التخطيط لتفجير مترو في لندن أو برج في أميريكا أو جسر في سوريا لا يبدو انها انتبهت الى وجود سفارة اسرائيلية في مصر و الأردن. و المستثمر الوطني يصر على تهجير المواطنين من أراضيهم حتى يحولها الى منتزهات و حدائق تابعة للفنادق و المطاعم التي يعد الجماهير بأنها ستوفر لهم فرص عمل و بقشيش لا بأس به عندما يحمل أولادنا حقائب السياح و تمسح نساءنا المغاسل بعد انقضاء حفلات الدعارة.

بمقارنة بسيطة بين حرب تموز في لبنان وحرب الحالية على غزة... وبمقارنة كبيرة وشاسعة بين سورية ومصر.. بين معبر «رفح» ومعبر «المصنع» نكتشف خسة ونذالة الأنظمة المصرية، نكتشف أنها بلا إحساس أو ضمير.. ربما من الأفضل التذكير بأن لو لم تفتح سورية أبوابها للشعب اللبناني لكان احترق في مكانه..لا وبل فتح بيوته لإيواء النازحين والأعداد الكبيرة للمتطوعين السوريين، كانت سورية المخفف الأكبر وكانت الضماد لجراح لبنان... أما مصر فهي الملح فقد جرح غزة...

قبل أن تفتح شركات الخلوي العربية الفرصة امام المواطنين -البسطاء و غير البسطاء- للتبرع لأخواننا في غزة عبر طلب رقم القلب الكبير و قبل أن يسارع الهلال الأحمر الى جمع التبرعات الأهلية. نريد أن نرى كبرى الشركات و كبار المستثمرين يدخلون مزاداً على الهواء للتبرع لأهل غزة. نريد أن نسمعهم و نرى المقدار الذي سينفقونه من فائض ثروتهم و حكمتهم. في كل مرة يتم تلويث شوارعنا يطلب الى المتطوعين تنظيفها بدل البلديات و في كل مرة تمر الحرب يعهد الى شركات التلفون جمع االتبرعات. نريد ان نرى رجال غرف التجارة و كبار المستثمرين و كبار الصناعيين يدخلون مزاداً مفتوحاً للتبرع لأهل غزة.

أشلاء ترصف إلى أشلاء ..رأس لهذا الجسد .. وتلك اليد تركب على ذاك الجذع لهما مقاس متشابه ونفس الإصابة .. تسقط دمعة طفل من شاشة " الجزيرة " في صحن فطور أطفالك لاتستطيع إلتقاطها ولاالبكاء ينتابك إحساس ويحاصرك آخر .. ما يشبه الغثيان ولاتستطيع التقيؤ .. وهوليس غيظا من" عاهرة " تحاضر في الشرف ووحدة الفلسطينين التي يشرخها فتح معبر رفح بينمالايرف " له" جفن على ذبح رقابهم .. إنه إحساس بأنك مكتوف الأيدي لاتستطيع فعل شيء بكل صراحة ..!!.. إنهم بشر يذبحون ..!! .. فقط لأنهم ّ بالصدفة خلقوا في هذا المكان ولو الصدفة فعلت بك مثلهم لكان أطفالك في عداد شهدائهم .. هل تتبرع لهم .؟؟. وهل أحيا مال قارون قتيلا أو ردّ إليه لحظة بعد مقتله .؟؟. هل تهتف بحياة غزة .؟؟. لو كان ذلك مجديا لكان قتلاها هتفوا بذلك قبل حفلة الذبح ... أنه العار.. العار .. العار الذي ندنسه ويدنسنا فلنرم نساءنا في الطرقات إلى القوادين فذلك بكل حال أقل هزيمة من نساء وأطفال في غزة يسترون عهرنا وعوراتنا بدمائهم في كل لحظة 0

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...