عن النفاق الديني والسياسي في سورية
أسكن في بيت الرجل الذي أصدر قانون منع تقديم المشروبات الروحية في المطاعم يومي عيد المولد النبوي وليلة القدر عام 1952 وهو الرجل نفسه الذي وافق على بند دين رئيس الدولة في الدستور وأن القرآن مصدر رئيس للتشريع، وأقصد الرئيس أديب الشيشكلي (أبو إحسان) الذي قطن هذا البيت بعد حسني الزعيم مبتدع أول وزارة للأوقاف في سورية.. أتمدد في تختي وأنظر إلى سقف التاريخ السوري متأملا سلك الكهرباء المتدلي وأتساءل: مالذي كان يفكر فيه هذان الرجلان وهما يتأملا السقف العالي؟ فقد شكلا الجزء الأكبر من قوانين سورية بعد الإستقلال والتي نتعثر فيها اليوم فقط لأن ثورة البعث (العلمانية) بعدهما توقفت عند أبواب وارة الأوقاف ولم تتجرأ على دخولها وإلغاء امتداداتها في المجتمع والدولة، بل إنها أعادت شكل الدولة الأموية في تحالف المؤسسة السياسية مع المؤسسة الدينية كما نرى اليوم..
والواقع أن النفاق الديني هو الذي أخر استحقاقات المواطنة والمساواة في الدستور السوري، بينما يحافظ النفاق السياسي على السلام الإجتماعي الهش الذي تمزق خلال الأشهر الأولى من التمرد، بينما سلطاتنا تعيد اليوم إنتاج نفس النفاق الديني والسلام الهش ثم يطلقون ضدنا اتهامات من نوع: "التحالف السوري العلماني" يقسم المجتمع إلى قسمين : علمانيين ومتدينين ؟! وهذا يستدعي السؤال التالي : هل أن مجتمعنا اليوم موحد لكي نقوم بتقسيمه؟ وهل أن متشددي الأديان الذين احتلوا بيوت العبادة وأمموا القرآن الكريم هم الذين قسموه أم الجيش العلماني الذي واجه كتائبهم الإرهابية؟ نحن نشتغل على ترميم وتشبيك النسيج الإجتماعي الممزق، بينما سادة الأوقاف يجمعون صفوف جماعاتهم في تحالف ديني واضح لايختلف في آيديولوجيته عن الذين يطالبون بدولة دينية..
إن كل حركة مهما كانت صغيرة تندغم في مسار أكبر منها ، وإعادة العمل بقانون تمييزي بعد سبعين عاما على صدوره يدل على أننا مازلنا ندور في حلقة تاريخية مفرغة لاتساعدنا على التقدم في مجال المساواة والحرية الفردية ، وقد آن لنا بعد ضريبة الدم الباهظة التي دفعناها جميعا أن نتخلص من كل مظاهر النفاق الديني التي تحد من حرية المواطن السوري للوصول إلى دولة المواطنة الكاملة .. وختاما نذكر بمقولة مؤلف المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الإشراكي المفكر السوري ياسين الحافظ: يجب أن نستوعب الماضي لاأن يستوعبنا الماضي..
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد