عشر سنين «غوغلية» تنسّم فيها العرب هواء المعلوماتية
إلى أي مدى يمكن التأشير الى العام 2008 في المعلوماتية، بحجر ذهب مأخوذ من منجم محرّك البحث الأكثر شهرة على الانترنت «غوغل»؟ هل ثمة نبرة مغالية عندما يتحدث ذلك المحرّك عن سنة «غوغلية»، ما يجعلها شبيهة بالسنة الميلادية، أم أنه أمر يتطابق مع المعطيات فعلياً؟ وفي إعلاناته المتتالية عن سنته الطويلة، يشير المحرّك عينه إلى أن هذه السنوات «الغوغلية» لا تُحتسب بالأيام والأسابيع، ولكن بالخدمات المبتكرة على الشبكة العنكبوتية الإلكترونية، والتقنيات الرقمية، وحجم الدمقرطة في المعلوماتية وانتشارها وعلاقاتها مع الجمهور.
بالونات وألعاب وكعكة عيد ميلاد وعشر شمعات. تكررت هذه الصورة كثيراً على صفحة الاستقبال الدولية لمحرك «غوغل» هذه السنة. صاحب عيد الميلاد سعيد ومتفائل. ولأن الجميع يسألونه عن الهدية التي يتمنى الحصول عليها في هذه المناسبة، قال إنه يحلم بـ«نايس نيو سرفر راك» Nice New Service Rack.
بدت الشموع العشر التي أطفأها موقع «غوغل»، وكأنها احتفالية مديدة بأشهر «عنكبوتي» راهناً.
- مرت عشرة أعوام إذاًَ، منذ حوّل لاري بيدج وسيرجي برين جزءاً من كاراج السيارات الكائن في الفناء الخلفي لمنزل بعنوان «232 سانتا مارغاريتا في منلو بارك» إلى موقع عمل لمشروعهما الوليد الذي بدأ باسم «باك رب» أو «تدليكة ظهر» قبلها بنحو عامين. وحينها، كان بيدج وبرين قد تخرجا حديثاً في كلية علوم الكومبيوتر في جامعة ستانفورد الأميركية. واستقر المُسمى الجديد على «غوغل»، وهو اسم مأخوذ من اللفظ الرياضي «غوغول» googol الذي يمثل الرقم واحد ويعقبه مئة صفر. وحينها، ارتأيا الاسم الأقرب إلى التعبير عن رغبتهما في محاولة تنظيم كمية هائلة وغير محدودة (بل غير منظورة أيضاً) من المعلومات على الشبكة العنكبوتية التي تربط أجهزة الكومبيوتر عالمياً.
تبدو عشر سنوات عنكبوتية أطول بكثير من قياس الزمن بالأشهر والأيام والساعات. فمن زاوية في كاراج إلى أكبر محرك بحث وأشهره على الإنترنت، تبدو السنوات أطول بكثير.
عربياً، أثبت «غوغل» اهتمامه بهذه المنطقة التي توصف تكراراً بأنها «واعدة إلكترونياً». وبدت الرهانات على وعودها وكأنها تصاعدت في السنة الأخيرة.
ويضع «غوغل» عينه على 22 مليون عربي هم تعداد «شعب الإنترنت» في المنطقة العربية التي يقطنها ما يزيد على 350 مليون نسمة. ولا يألو مسؤولو «غوغل» جهداً في التأكيد أن أبرز أولوياتهم في المنطقة العربية يتمثّل في زيادة هذا الرقم بالملايين خلال الأعوام القليلة المقبلة.
وبما أن السنوات «الغوغلية» سنوات غير تقليدية، فإن الاحتفال بعيد الميلاد حتماً غير تقليدي. فقد أعلن «غوغل» انه في مناسبة الاحتفال بعيد ميلاده العاشر أطلق مشروع «عشرة قوة مئة»، وهو دعوة مفتوحة موجّهة الى جمهور الانترنت الواسع، لتقديم أفكار قد تساهم في تغيّر العالم! ثمة كمّ هائل من التفاؤل في هذه الدعوة. ويصلح ذلك أيضاً مدخلاً للقول إن الدرس الأول الذي تعلمه «غوغل» خلال سنواته العشر تجسّد في أن الأفكار العظيمة قد تأتي من منابع غير متوقعة. واتّخذ المشروع شكل مسابقة دعا فيها محرّك «غوغل» الجميع إلى إرسال أفكار مبتكرة عن تصوراتهم لطرق تحسين حياة البشر. وفي المقابل، أعلن «غوغل» أنه يلتزم تقديم عشرة ملايين دولار لتحويل أفضل خمس أفكار إلى واقع ملموس.
ولا يهمّ أن تكون هذه الأفكار تكنولوجية أم لا. فقد بيّن «غوغل» أن ما يهمّه أساساً يتمثّل في الحصول على أفكار خلاقة وعملانية وذكية، ما يضمن قوة التأثير عالمياً في حال أعطيت المدى والإمكانات والخطط المناسبة لتجسيدها فعلياً، مع التركيز على أن الفاعلية المطلوبة تتعلق بتحسين ظروف العيش الإنساني وشروطه ومعطياته ونتائجه.
- في دعوته لمسابقته الأولى من نوعها عن الأفكار المبتكرة، بدا محرك «غوغل» مُسلّماً أيضاً بأن الديموقراطية تمثّل الركيزة الأساسية والعصب المحوري لضمان تقدم التطوّر في الساحة الإلكترونية. ولذا، فإن عمليات الاختيار والمفاضلة بين الأفكار المتنافسة لن تجري في غرف مغلقة. ففي الخطوة المقبلة، يُحدّد العاملون في «غوغل» أفضل مئة فكرة، ثم يطلب من مستخدمي الإنترنت التصويت على أهم 20 فكرة. وبعدها، تنتقل المسابقة إلى المرحلة الأخيرة حيث توضع الأفكار المنتخبة بين أيدي لجنة من المحكّمين من الخبراء لاختيار خمس أفكار ستحصل على التمويل اللازم لإدخالها في خطط تضمن تحقيقها فعلياً.
واتضح جلياً أن هذه الطريقة المبتكرة في الاحتفال تعكس الفكرة القائم عليها «غوغل» بأسره.
فمثلاً ظهرت عند «غوغل» فكرة صنع متصفح للإنترنت، حمل اسم «كروم» Chrome، عندما أدرك المهندسون أنهم يحتاجون إلى متصفح جديد كلياً قادر على التعامل مع التطبيقات الشبكية الغنية بكفاءة، ما يعني عدم رضاهم ضمناً على أداء برامج التصفح الشائعة مثل «اكسبلورر» و «فاير فوكس» وغيرهما.
وعلى نحو مُشابه، ولد قسم الأخبار اليومية في الموقع «غوغل نيوز» عندما أصيب مهندس بالإحباط لأنه فشل في تجميع مصادر الأخبار من كل أنحاء العالم في مكان بعينه. والأرجح أن ذلك يعني أيضاً أنه لم يكن راضياً عن أداء الأدوات التي توافرت لديه، مثل قسم الأخبار على موقع «ياهوو» مثلاً.
في سياق استدراجه الجمهور إلى المشروع وتحدياته، وضع «غوغل» الأمثلة عن الأفكار المبتكرة التي لا تخلو من طرافة. فمثلاً هناك فريق مؤلف من شخصين يحاول إيجاد حل لمساعدة الملايين من البشر الذين يحملون على رؤوسهم دلاء مملوءة بالماء لمسافات طويلة، فتوصلا إلى تصميم وتوزيع «دراجة فرس حمل الماء The Hippo Water Roller وهي حاوية غير مكلفة تتسع لحمل24 غالوناً من الماء، ويمكن سحبها على الأرض بسهولة لأنها ترتكز على عجلات.
وفي مثال آخر، جرى ابتكار طريقة فاعلة وغير مكلفة لربط المجتمعات المحلية المنعزلة والنائية في البلدان النامية بشبكة الإنترنت، وذلك بتثبيت أجهزة «واي فاي» في الحافلات العامة كي يتمكن الجميع من فحص رسائل البريد الإلكتروني والرسائل الفورية وإرسال ردود عليها، أثناء تنقلهم بالحافلات.
ومن المقرر أن يبدأ التصويت إلكترونياً بين 27 كانون ثاني (يناير) و2 شباط ( فبراير) 2009. ومن المتوقع أن يجرى الإعلان عن الأفكار الخمس الفائزة في منتصف شباط المقبل. ومرة أخرى، يبدو أن «غوغل» أصاب في طريقة اختياره للاحتفال بعيد ميلاده العاشر. فبحسب الإحصاءات المؤتمتة على الموقع، زار «قسم المشورة» المُخصّص للمسابقة ما يزيد على 2.5 مليون زائر. وكذلك تبيّن أن الفيديو المُحمّل عليه شوهد ما يزيد على مليون مرة. وحصل «غوغل» على 150 ألف فكرة، لحد الآن.
واقتربت الأمور راهناً من المراحل الأخيرة. وصار الانتظار سيد الموقف، لكي تُعرف نتيجة المسابقة التي ذيّلها «غوغل» بدعوة: «فلتفز الفكرة التي تفيد أكبر عدد من البشر».
وعلى رغم تلميح بعضهم إلى ضعف المشاركة العربية في المسابقة، فإن الحجم الحقيقي للمشاركة العربية لم يعلم «غوغلياً»، بصورة رسمية ومباشرة على الأقل.
وحتى لو جاءت المشاركة العربية في المسابقة محدودة، فإن مجرد حدوثها يعطي شحنة إيجابية معنوياً ونفسياً في الاحتفال بعيد الميلاد «الغوغلي». ولعل تلك الشحنة تحمل على الأرجح أكبر وأعمق وأصدق ملامح في تلك الاحتفالية. فبنظرة استرجاعية الى علاقة العرب مع «غوغل»، يبدو الأمر وكأن هواءً معلوماتياً نظيفاً اجتاح «العالم الافتراضي» للعرب، مترافقاً مع نسيم ديموقراطي عليل انتشر في أرجاء العالم العربي في شكل غير مسبوق خلال العقد الماضي.
ويعود جانب كبير من هذا الاجتياح الحميد إلى «غوغل» الذي سهل، عبر إمكاناته العنكبوتية بدءاً من البريد الإلكتروني ومروراً بالفايس بوك واليو تيوب وغيرهما، استنشاق هواء المعلوماتية النظيف غير المشبع بأكاذيب البروباغاندا وملوثات التعتيم ومواد الدعاية المسيّسة، وهي من البضائع المألوفة في الوطن العربي الكبير.
وعلى ذلك، فإن قرصات الأذن المتتالية التي صوبتها حكومات عدة في المنطقة إلى مدونين إلكترونيين ومعلقين رقميين وأصحاب مواقع عنكبوتية أملاً في الإمساك بتلابيب السيطرة الأحادية على مصادر المعلومات، ستتلاشى إن آجلاً أو عاجلاً، بفضل قوة الأثر الذي يتولّد من علاقة الأجيال الشابة مع الشبكة العنكبوتية، مع ملاحظة أن أحد خيوطها العتيدة يحمل اسم «غوغل».
الطريف أن شهادة ميلاد «غوغل» خالية من تاريخ محدد للمولود! ويشير مسؤولو «غوغل» إلى أن اليوم المحدد لعيد الميلاد يختلف من عام إلى آخر «وذلك بحسب توقيت رغبة المحتفلين في تناول كعكة عيد الميلاد». منتهى الديموقراطية!
أمينة خيري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد