عباقرة ماتوا شباباً
إنهم مجموعة كبيرة من الذين خلدوا أسماءهم بسبب من إبداعاتهم التي حملت أسماءهم إلى العالم كله، ويعجب الإنسان إذا ما عرف أن هؤلاء بلغوا ما بلغوه رغم أنهم لم يأخذوا نصيبهم من الحياة فماتوا في ريعان الشباب وأذكر من هؤلاء:
الشاعر الانكليزي جورج بايرون:
هذا الفتى ولد في لندن سنة 1788 وتوفي سنة 1824 عن ست وثلاثين سنة قضاها في صراع مرير مع الحياة ومع أمه وأبيه بالدرجة الأولى، ذلك أن الشاعر ولد وله قدم مشوهة فعدّ آثما بسبب إثم ارتكبه أحد جدوده وزاد الطين بلة أن والده هجر أسرته ليقيم مع غانية، أما أمه فلم تكن أفضل من أبيه إذ اتصفت بصفات أهمها القسوة والشراسة وسوقية الطبع، لذلك فقد الشاعر أهم منابع الدفء والحنان ليلتجئ إلى الزواج لعله يخفف من غلواء وحدته ولكن امرأته كانت أشد فتكاً من والديه، فلم يجد إلا أخته «أوغستا» الصدر الأكثر حناناً وحباً رغم أنها كانت متبناة.
بدأت شهرته تعم الآفاق بسبب شعره وفكره معاً إذ ناصر الحرية بكل جوارحه فناصر قضاياها في إيطاليا وفرنسا واليونان وعد من أعظم المفكرين الأحرار وأعجب بنابليون مثلما أعجب به قيصر فرنسا، لذلك تغنى بانتصاراته بيد أن هزيمته في «واترلو» أصابت بايرون في صميم فكره ومشاعره وعرف للتو أن العظماء يمكن أن يهزموا أيضاً، لذلك التجأ إلى الطبيعة الصدر الأكثر دفئاً وحناناً فبثها شكواه بقصيدة رائعة سماها البحر ومنها نقتطف:
يا طيب عيش بين غاب موحش، أو فوق شط مقفر في رفقة البحر العميق، وسحر موسيقا الهدير الصاخب،الناس خلاني، ولكن الطبيعة هي أقرب الخلان.
الشاعر الجورجيي فلاديمير ماياكوفسكي:
ولد عام 1893 في جورجيا وبها عاش فترة ودرس في معهد كوثاييس، ولما مات الوالد أولاً كالعادة انتقلت الأسرة إلى موسكو ومدرسة الفنون التطبيقية والحزب البلشفي الذي انتسب إليه حين كان في الخامسة عشرة من عمره فسجن جراء ذلك فكان أن بدأ يكتب الشعر. في عام 1912 التحق بمعهد الفنون الجميلة والتقى دافيد بورليوك الذي أعجب بشعر مايا وفي هذا اللقاء ولدت النظرة المستقبلية الروسية، لكن المعهد لم يتحمل الشاعر المشاكس فطرد ليؤلف مع بورليوك الجماعة المستقبلية التي قامت بنشاطات تدعو إلى الحرية أيام الثورة العظمى وأعني بها أكتوبر 1917 وحين صدرت مجلة «ليف» اليسارية كان مايا رئيساً لتحريرها لعامين فحسب.. بمفهومه الشعري هدم مايا كوفسكي كل المفاهيم التي سبقت نظرته المستقبلية وهز الجماهير وأثر فيها عظيم الأثر بل أحدث ضجة كبرى في ثورة أكتوبر نفسها التي اعتبرته شاعرها الذي لا يعلى عليه وفي غمرة مجده وعطائه انتحر الشاعر سنة 1930 وهو في السابعة والثلاثين تاركاً وراءه اسماً كبيراً لا يضاهى ومن أشعاره:
لا أستطيع أن أنزل «البيانو» وحدي، ولا أن أحمل الخزنة الحديدية، ولكن كيف أستطيع أن أستعيد قلبي وأن أحمله أيضاً؟!
أصحاب البنوك يعرفون ذلك جيداً، عندما يكون الإنسان غنياً من دون حدود، لا يضع شيئاً في جيوبه، بل يضع سائر الأشياء في خزنته، وبأقصى سرعة.
وأنا في خزنتي المقفلة ثلاثاً، أخبئ حبي وعندما أكون بحاجة إليه آخذ منه قبلة، وحين آخذ نصف قبلة وأحياناً أقل.. وبعد ذلك أصرف، وأنا ذاهب أبعد، في عرس منطلق جامح، أصرف روبلاً من نقود الوجدانية.
سهيل الذيب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد