عامان على تفجير «المقر صفر»: «أحرار الشام» لا تكشف عن سرّها!
لا تزال المقتلة الجماعية التي حلّت بقادة «أحرار الشام» قبل عامين بالضبط، تشكل واحداً من أهم الألغاز التي حفلت بها الأزمة السورية منذ انطلاقتها، والذي قد لا يعادله من حيث الأهمية على المقلب الآخر من الصراع الدائر في البلاد، سوى لغز تفجير خلية الأزمة في دمشق في تموز 2012.
وتجد «أحرار الشام» نفسها اليوم، بعد مضي عامين على مقتل العشرات من قادة الصفين الأول والثاني فيها، ضمن ظروف (على الأقل الظروف الداخلية وتلك المتصلة بالعلاقة مع الفصائل) مشابهة للظروف التي سبقت تفجير المقر «صفر» في رام حمدان في ريف إدلب. فالحركة تقوم حالياً بمراجعات جوهرية حول استراتيجيتها السياسية، كما كانت في الأسابيع التي سبقت مقتل قادتها قد باشرت القيام بمراجعات حول عقيدتها الدينية كانت تستهدف التراجع عن منهج «السلفية الجهادية». كما أن الحركة منخرطة اليوم مع بقية الفصائل المسلحة في مفاوضات صعبة حول الاندماج وتشكيل كيان موحد، وهو الشاغل ذاته الذي رجحت الروايات أن يكون الهدف من وراء اجتماع قادة «أحرار الشام» في المقر «صفر»، بل إن بعض الشهادات الصادرة عن كبار قادة الفصائل أكدت أن موضوع الاجتماع كان يقتصر على دراسة مشروع اندماج كان يجري العمل والتباحث على تحقيقه في تلك الآونة، إلا أن مقتل القادة أدخله في غياهب النسيان قبل أن يعود من جديد في أعقاب إعلان «جبهة النصرة» عن فك ارتباطها مع تنظيم «القاعدة».
وسواء بالنسبة إلى المراجعات السياسية أو بالنسبة إلى مفاوضات الاندماج، فمن الواضح أن الحركة تواجه في كلا الموضوعين العقبات والصعوبات ذاتها التي واجهتها سابقاً مع مراجعاتها المنهجية أو إعادة النظر في تحالفاتها العسكرية، وهو ما يضفي مزيداً من التشابه بين ظروف الحركة في الحاضر والظروف التي سبقت مقتل قادتها. وعلى وجه التحديد، يمكن الاشارة إلى تدهور علاقاتها مع «جبهة النصرة» في كلا الوقتين. ففي أيلول من العام 2014، سبق مقتل القادة اجتماعٌ عاصف ضمهم إلى أبي محمد الجولاني الذي وبّخهم آنذاك على محاولاتهم للتخلي عن «السلفية الجهادية» والتنكر لطريقها و «شهدائها»، أما اليوم فإن الحركة تتعرض لحملة شعواء من قبل أنصار الجولاني الذين يتهمونها بعرقلة الاندماج بين الطرفين بسبب حسابات أمنية وسياسية خاصة بها.
وبعد مضيّ عامين على تفجير المقر «صفر»، لا جديد أيضاً على صعيد التحقيقات حول الحادثة، فما زال الفاعل مجهولاً، والحركة ترفض الافراج عما توصلت إليه تحقيقاتها من معطيات حول الجهة المنفذة. هذا إذا كانت قد توصلت إلى اي معطيات مفيدة، بل إذا كانت قد أكملت التحقيقات اساساً. ويبدو بحسب مصادر متقاطعة من داخل الحركة ومن بعض الفصائل المقربة منها، أن الاحتمال الثاني هو الأرجح، بل إن بعض النشطاء الإعلاميين الذين تواصلنا معهم أعربوا عن شكوك تخالجهم حول وجود أوامر خارجية فرضت على القيادات الجديدة للحركة إيقاف التحقيقات في قضية مقتل قادتها السابقين.
وكان الجناح السياسي في الحركة قد اصدر بعد شهرين من الحادثة البيان رقم 1، ذكّر فيه أن «التحقيقات في عملية الاغتيال الإجرامية التي أدت إلى استشهاد عدد من قادة حركة أحرار الشام الإسلامية ومرافقيهم، أشارت فيها المعطيات والأدلة والقرائن الأولية التي وجدت في مسرح الجريمة، وشهادة الناجي الوحيد من داخل المكان (على الأرجح هو علام عبود، شقيق زعيم الحركة، والذي توفي بعد الحادثة بحوالي أسبوعين جراء الاصابات التي تعرض لها)، إلى تورط جهة إجرامية تعمل على الساحة السورية لها ارتباطات دولية مشبوهة».
وينفي هذا البيان صحة الرواية التي أوردها أبو عبد الرحمن قائد «لواء المهاجرين والأنصار» التابع للحركة بأن انفجار مستودع أسلحة قريب من مكان الاجتماع هو الذي تسبب بمقتل القادة مؤكداً على أنه لا دلائل على وجود فاعل للانفجار. لكن البيان الذي لم يحدد الجهة المقصودة فيه، شدد على عدم اكتمال التحقيقات من خلال تأكيده على أن «التحقيقات جارية ومستمرة، وهناك معطيات ومعلومات تتم متابعتها من قبل المختصين في هذا الملف، لم يكشف عنها حتى الآن حرصاً على سلامة التحقيق ومقتضياته»، ليخيم بعد ذلك صمت مريب على الحركة تجاه هذه القضية، وليكون البيان رقم 1 هو البيان الأخير بخصوص التحقيقات الجارية حولها.
وليس ثمة أسباب كافية لتبرير استمرار الحركة في الصمت وعدم الاعلان عن نتيجة التحقيقات أو حتى القول إن التحقيقات لم تتمكن من تحديد الجهة التي نفذت العملية. إذ طالما أن التحقيقات متوقفة، فلم يعد في إعلان ذلك ما يمسّ بسلامتها ومقتضياتها، وهي الذريعة التي استند إليها الجناح السياسي لعدم الكشف عما قال إنها «معطيات ومعلومات تتم متابعتها من قبل المختصين».
هذا الغياب الكامل للشفافية في تحقيقات الحركة دفع العديد من الإعلاميين وحتى بعض قادة الفصائل إلى إثارة الموضوع بالتزامن مع الذكرى الثانية للحادثة، وسط تساؤلات بدأت تتنامى لدى أوساط الحركة عن الأسباب الحقيقية التي تمنع من إعلان نتائج التحقيقات.
وتأتي قسوة هذه التساؤلات من أن تدحرجها في أذهان أصحابها يصل بهم دائماً إلى نقطة شديدة الحرج، هي أنه لا مبرر مقنعا يفسّر هذا الصمت المريب من جانب الحركة إلا كون التحقيقات قد توصلت إلى طرف خيط يشير إلى تورط بعض عناصر الحركة وقادتها في عملية الاغتيال الجماعي. إذ لو كانت التحقيقات أثبتت تورط أجهزة الأمن السورية أو تنظيم «داعش» أو اي جهة أو دولة «معادية للحركة» في العملية، لكانت الحركة طارت بها كما طارت بنتائج تحقيقاتها حول مقتل أبي خالد السوري الذي قالت الحركة إن «داعش» هو المسؤول عن مقتله.
أما وقد صمتت الحركة، وهي لا تزال مستمرة بالصمت بعد مضي عامين على الحادثة، فإن هذا يرجح فرضية تورط بعض كوادر الحركة أو بعض الجهات الصديقة لها في تنفيذها. وهذا السيناريو غير مستبعد كلياً، رغم أنه لا يزال غير مثبت أيضاً، غير أن العديد من التجارب السابقة أثبتت مشاركة عناصر في «احرار الشام» باغتيالات تعرض لها بعض قادة الحركة أو بعض قادة الفصائل الأخرى بشكل إفرادي خلال الأشهر الماضية. فقد ألقت الحركة القبض على أبو عبيدة الشرعي، وهو أمير شرعي في الحركة، بتهمة المشاركة في اغتيال القيادي في «جبهة النصرة» يعقوب العمر، كما أن فضل العكل، نائب قائد «لواء العباس» التابع للحركة، كشف في منتصف العام الماضي عن ضلوع عنصرين من «أحرار الشام» في محاولة اغتيال قيادي آخر في «جبهة النصرة» في بلدة كفرنبل، بل حتى الشخص الذي نشرت الحركة اعترافاته بخصوص مقتل أبي خالد السوري أكد أنه كان على علاقة طيبة مع الحركة وقادتها بسبب عمله في المجال الاغاثي، وهو ما سهّل له رصد قادتها وإخبار تنظيم «داعش» بها.
فهل ستمتلك «أحرار الشام» في الذكرى الثانية لمقتل العشرات من قادة الصف الأول والثاني فيها، جرأة الاعلان عن نتائج تحقيقاتها، حتى لو كانت تمس ببعض الأسماء والشخصيات فيها، أم أنها ستستمر في الصمت مراعاةً لبنيتها الداخلية والخشية عليها من التشقق من جهة، ومراعاةً لشبكة علاقاتها الإقليمية، والحرص على عدم إضاعة ما توفره لها هذه الشبكة من دعم عسكري وسياسي من جهة ثانية؟
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد