طنجة تتطهر من سمعة المخدرات والدعارة
يستعد الزائرون لاسوأ الاحتمالات عندما يترجلون من عبّارة في طنجة التي تعرف منذ عشرات السنين بأنها المخبأ السري للدعارة وتجار المخدرات كما أن المدينة القديمة تعج بالنشالين والنصابين.
حان الوقت لاعادة كتابة الكتيبات السياحية كما يقول سكان البلدة التي بدأت تعيد اكتشاف بعض من الطراز والرقي الذي تمتعت به لقرون باعتبارها مفترق الطرق بين الغرب والعالم العربي.. بين المحيط الاطلسي والبحر المتوسط.
يقول السكان ان الجرائم البسيطة تراجعت منذ أن بدأت وحدة جديدة للشرطة في تسيير دوريات بالشوارع الضيقة بالمدينة القديمة. وتم رصف الطرق وسد الفجوات وزرعت الزهور وأشجار النخيل الباسقة. وهدمت المباني القبيحة التي كانت تطل على البحر واستبدلت بمطاعم فاخرة تقدم المأكولات البحرية للاسبان الاثرياء الذين يقضون عطلات لمدة يوم واحد.
وأقبل مستثمرون من الخليج ومعهم مشاريع لمنتجعات ساحلية بها مراكز علاجية ومراسي سفن. وفي المدينة القديمة يتزايد عدد السائحين الغربيين الذين يتجمعون عند المقاهي حيث يحتسي رجال مسنون مرتدون الجلباب المغربي التقليدي الشاي بالنعناع.
وقال العربي الرميكي وهو رئيس الجمعية الثقافية المحلية التي اكتسبت المهرجانات الموسيقية والادبية السنوية التي تقيمها شهرة دولية "يبدو أن الناس خائفون نوعا ما من فقد مكانتهم لأن التطورات تحدث سريعا".
ويريد مسؤولون محليون اعادة بعض البريق الذي كانت تتميز به طنجة عندما كانت منطقة دولية تديرها قوى أجنبية تصارعت وحاربت بعضها بعضا على هذه المدينة الاستراتيجية لقرون.
وفي ذلك الحين كانت الجزيرة تتسم بالرخاء وسط منطقة فقيرة تتجاهلها اسبانيا القوة الاستعمارية وكانت تجتذب قوانينها المتساهلة والضرائب المنخفضة والمناخ العام المتساهل المليونيرات ورجال الاعمال سيئي السمعة والكتاب المعدمين.
وبعد الاستقلال عام 1956 سعت السلطات المغربية الى اغلاق بيوت الدعارة بطنجة ومراكز تعاطي المخدرات وحانات يرتادها المثليون مما أراح السكان المحليين المحافظين الذين ملوا من استضافة الاوروبيين الذين يسعون الى نمط حياة بديلة. وبدأ التراجع الاقتصادي بعد ان انتقلت البنوك الدولية التي لديها عمليات في الخارج الى سويسرا أو اسبانيا. وعندما أجبر الملاك الاجانب للشركات الصغيرة ودور العرض والمقاهي والمطاعم على مشاركة رجال أعمال مغاربة ترك البلاد الآلاف وملأ جزءا من الفراغ الذي خلفه رحيلهم المهربون وأقطاب تجارة الحشيش.
وقال الرميكي "أصبحت طنجة على وجه الخصوص بلدة الخارجين على القانون الذين لا يهتمون بالثقافة... كانوا محدثي نعمة.. انتقلوا من ملكية الحمير الى ملكية السيارات ذات الدفع الرباعي".
وبالرغم من الحملة التي تشنها الحكومة للقضاء على الحشيش ما زال المغرب يمد أوروبا بثمانين في المئة من الحشيش فيها ويقول الخبراء ان الحشيش ما زال أكبر صناعة في طنجة. وأدت مخاوف من احتمال قيام بعض تجار الحشيش بدعم جماعات اسلامية متشددة الى موجة من الاعتقالات ولكن السكان المحليين يقولون ان طنجة ما زالت مركزا لغسيل أموال المخدرات ويشيرون الى عدد مذهل من الشقق الجديدة الخالية المثيرة للريبة.
وقال ميشيل بيرالدي وهو خبير في الاقتصاد المغربي غير الرسمي في مجلس فرنسي للابحاث "هذا الانتعاش في البناء ليس له علاقة تقريبا بالتنمية التجارية للبلدة... الامر كله يتعلق بغسيل الاموال".
ويقول مسؤولون ان توفير فرص عمل هو أفضل أمل لمهاجمة صناعة الحشيش التي تعتمد على العمالة الرخيصة الموسمية. وهم يأملون في حدوث طفرة في اقتصاد طنجة ابتداء من العام القادم عندما تبدأ السفن في الرسو عند مجمع موانئ جديد كبير هناك. وسيساعد هذا الميناء في خفض التكلفة واختصار مواعيد التسليم وسيتصل بسلسلة من مناطق التجارة الحرة لاجتذاب الشركات التي تريد قاعدة انتاج رخيصة قريبة من الاسواق الاوروبية.
وقال تاج الدين الحسيني وهو استاذ مغربي للقانون الاقتصادي الدولي "سيعيد هذا دور طنجة كمفترق طرق دولي من آسيا الى أوروبا وأمريكا". وسيتم ربط الميناء بطريق سريع جديد وسكك حديدية محدثة الى الجنوب من الدار البيضاء في اطار محاولة حكومة الملك محمد السادس لانعاش الاقتصاد.
وربما تسبب طنجة الجديدة خيبة أمل السائحين الذين يبحثون عن عالم الخمسينيات التجريبي المتوتر لجيل من الكتاب الفوضويين من أمثال جاك كيرواك وألين جينسبيرج ووليام بوروز الذي ألف روايته المليئة بالمخدرات "العشاء العاري" في غرفة بفندق في طنجة.
وقال تور كونهولم من المتحف الامريكي في المدينة القديمة بطنجة ان هذا العالم ولى منذ زمن طويل. وأضاف "الامر المثير حقا هو التغيير الذي يحدث في المدينة. بدأت مصانع تفتح أبوابها وبدأت المدارس تتحسن وظهرت طبقة وسطى جديدة بأكملها".
ولكن هذا النمو جعل وسط طنجة محاطا بضواح فقيرة تعاني من نقص في الخدمات الاجتماعية وزيادة نسبة البطالة مما يساعد في زيادة الدعم للجماعات الاسلامية المتشددة. وقال الرميكي "هذه البلدة تنمو بسرعة... لابد أن نكون حريصين للغاية حتى لا نسمح بانحدار هذه الضواحي الى مناطق عشوائية لا يسودها القانون".
المصدر: رويترز
إضافة تعليق جديد