صدى صرخة جلال الدين الرومي بعد 800 عام
على مدى سنوات طويلة، ما كان الشاعر الاكثر شعبية في امريكا سوى عالم صوفي اسلامي من القرن الثالث عشر.
فترجمات اشعار مولانا جلال الدين الرومي، المعروف اختصارا بالرومي، منتشرة على نطاق واسع وغناها نجوم موسيقى بوب غربيون مثل مادونا.
والجذاب في تلك الاشعار تعظيمه لقوة الحب، واعتقاده في الفائدة الروحية للموسيقى والرقص. هذا على رغم تاكيد العلماء ان الرومي كان يقصد العشق الالهي بين الرب والناس وليس الحب بمعناه الارضي.
ولد جلال الدين الرومي، الذي تحل الذكرى الثمانمئة لميلاده اليوم الاحد، في عام 1207 ميلادية في بلخ بوسط اسيا، وهي الان جزء من افغانستان.
اتيت الى تلك المنطقة لارى ان كان للرومي حضور في بلده، التي ذهبت في وقت حكم طالبان الى حد منع الموسيقى.
اخذني عالم الاثار الشاب، رضا حسيني، الى اطلال من الطوب والطمي للخانقاه ـ مدرسة دينية او كًتّاب ـ حيث كان والد الرومي يعلم التلاميذ، وحيث يعتقد ان الصبي الصغير نفسه تعلم، الواقعة خارج سور المدينة المبني من الطمي وربما تبعد امتار عن مكان مولده.
مكان هادئ كئيب، تاكل بناؤه واطبقت عليه الاحراش والعشب البري.
لكن قدر كبير من الطلل ما زال باقيا، يقوم منه البناء المربع والاقواس الاربعة بقممها المدببة على الطريقة الاسلامية، ونصف القبة التقليدية.
يقول رضا حسيني ان الارضيات كانت اساسا من الطوب المحروق، يكسوها سجاد كان يتبرع به من ياتون للتعلم.
كانت للصوفية جذور عميقة في المنطقة قبل ايام الرومي، ويتصور حسيني ان ذلك الجزء من البلدة، قرب المدرسة، كان يمتلئ باصوات الغناء والذكر الصوفي.
لكنه يقول انه من غير الواضح مدى انتشار، او تقبل، ممارسات كالموسيقى والرقص بين بقية السكان.
وبينما كان جلال الدين الرومي يشق سني الصبا، سويت بلخ بالارض على يد الغزاة من جيوش القائد المغولي جنكيز خان.
كان الرومي قد فر مع عائلته، قبل الغزو، التي استقرت في قونيه وموقعها الان في تركيا.
وبعد مقتل اعز اصدقائه، درويش فارسي سواح يدعى شمس التبريزي، حلت الكآبة على الرومي لسنوات لكنه فيما بعد كتب اعظم اعماله الشعرية، ديوان المثناوي.
ويصف الرومي في ديوانه انفصال الروح عن الرب والتوق المتبادل للتوحد ثانية.
يقول عبد القدير مصباح، المختص بشؤون الثقافة في الحكومة الاقليمية في بلخ، ان لدى الرومي قبولا عالميا بسبب مقولاته عن الحب والتسامح، ويضيف: "ايا كان المرء من الشرق او الغرب، يمكنه ان يسمع صرخة الرومي".
يقول مصباح: "حين يقرأ عالم الدين ديوان المثناوي، يفسره دينيا. وحين يقرأه علماء الاجتماع يقولون كم كان الرومي عالم اجتماع قدير. وحين يدرسه الناس في الغرب يرونه مشبعا بالعواطف الانسانية".
ولا تبدو التقاليد الصوفية بارزة في افغانستان الحديثة.
لكن، بمساعدة رضا حسيني، توصلنا الى مجموعة من ثمانية عازفين صوفيين في مدينة مزار الشريف يعشقون شعر جلال الدين الرومي.
في البدء كان عزف منفرد على الارغول الافغاني، الة الرومي الموسيقية المفضلة.
ثم انضم محمد ذاكر، بقال اصلا، لعازف الارغول ليملأ الغرفة بصوته القوي مفسرا كلمات شعر الرومي "اني امرؤ لا يخشى العشق، اني فراشة لا تخشى الاحتراق".
في الاغنية الثالثة، ينضم الجميع للانشاد بصوت قوي عريض، يقول عنه ذاكر انه صادر من القلب. ويستمر الغناء مفعما لعشر دقائق.
التقيت بخبير محلي في موضوع الشاعر، البروفيسور عبدالله روحن، يقول ان المعرفة بالرومي ـ الذي يسمى ايضا مولانا ـ تراجعت مؤخرا، ويضيف: "قبل اربعين عاما كانت اوضاع الناس الاقتصادية افضل. كان الناس يعملون في الصيف في جمع طعامهم، وفي الشتاء ياكلونه. فكان لديهم وقت فراغ في الشتاء، يجتمعون في المساجد وينشدون شعر مولانا".
يقول البروفيسور روحن: "في السنوات الـ 10 او الـ 15 الماضية تدهورت اوضاع الناس الاقتصادية، فابتعدوا عن مولانا".
ويضيف ان حكم الشيوعية في افغانستان ادى الى ازدراء الشعر، اذ كان ينظر اليه على انه تخلف.
ثم حاول الطالبان سحق الصوفية وحظروا الموسيقى، لكنها استعادت شعبيتها فيما بعد.
وحسبما يرى روحن فان جلال الدين الرومي نقل الصوفية خارج سياج النساك الى قلوب الجماهير.
ومع ان كثيرين من مريديه الغربيين اولوا رسالته علمانيا، فانها في الحقيقة رسالة دينية، ويقول روحن ان المسيحيين واليهود توافدوا على تشييع جنازته كالمسلمين.
طلبت من البروفيسور روحن ان يلخص لي رسالة الرومي، فقال:
"يقول مولانا ـ ما كانت السماء لتصفو، لو لم تكن في حالة عشق. وما كان النهر ليجري، ولصمت ان لم يكن في حالة عشق. وما كان لشئ ان ينمو، لو لم تكن الجبال والارض في حالة عشق."
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد