شلل تطفيش تتحكم بالسكن الجامعي بدمشق
قبل بدء المحاضرة الصباحية بلحظات، يخرج الشابان مسرعين من باب وحدتهما السكنية فيصطدمان ببعضهما بعضاً ويوقع أحدهما كتباً يحملها الآخر ثم يمضي من دون أن يعتذر.
وفي المساء يلتقيان في الممر المحاذي لغرفتيهما، فيتبادلان نظرات عدائية ثم يعلو صوت أحدهما «لماذا تنظر إلي هكذا؟» وقد يرافق السؤال استهزاء أو شتيمة لا يسكت عنها الشاب المتوتر مسبقاً فيبادر نظيره بكلمة جارحة أو لكمة. وهنا تبدأ مشاجرة في السكن الجامعي لا تقف عند الشابين وإنما تمتد لتشمل آخرين يعتبرون أن تلك الإساءة تعنيهم شخصياً لمساسها بمن تجمعهم به رابطة « الشلة « والبيئة الاجتماعية.
بهذه المقاربة الواقعية يعطي رامي ( 23 سنة) المقيم منذ أربع سنوات في السكن الجامعي في دمشق وصفاً لنموذج من حالات الشجار التي تشهدها تلك المساكن. ويرى رامي أن الشرارة التي تشعل الشجار تقوم على «أشياء تافهة وسطحية»، لكن الأسباب الرئيسة تعود الى خلفية فعل مؤثر في عادات وطباع أحد الطرفين، كقيام علاقة شخصية بين شاب وفتاة مختلفين من حيث انتمائهما الاجتماعي. ويقول رامي: «يضم السكن الجامعي في دمشق طلاباً من مختلف الطوائف والمناطق الأمر الذي يجعله مجتمعاً متنوعاً». وينظر الشاب الى حال التنوع هذه بأنها «صحية» إذا كان الاحترام متبادلاً بين مختلف الجماعات. ويضيف: «تظهر المشاكل بتواجد أشخاص متعصبين ومنغلقين ويحملون روح العدائية فتجدهم يفرضون آراءهم على جماعاتهم التي قد لا ترضى عن أفعالهم إلا أنها تستسلم لسلطة زعماء الشلل والتكتلات خوفاً من إيذائهم أو رغبة في دعمهم وحمايتهم أحياناً. فهؤلاء الأشخاص يتمتعون بقوة بدنية أو نفوذ في السكن يؤهلهم للتحكم بالمرافق العامة للسكن الجامعي التي طالما يقوم الشجار حول استخدامها، كالغرف المميزة ومقاعد المكتبة العامة والحمامات المشتركة ضمن الطابق الواحد، وسابقاً الهواتف العمومية قبل انتشار الخليوي». ويتذكر رامي أن آخر مشاجرة نشبت لأن شاباً نصّب نفسه وصياً على ابنة منطقته عندما علم بعلاقتها مع آخر ليس من « جماعتهم « فظل منتظراً أبسط زلة لخصمه لتأدبيه ودفعه الى الابتعاد عن الفتاة.
«وكانت هذه الزلة حين استهزأ الشاب باللكنة التي يتحدث بها أعضاء الجماعة الأخرى وهم من منطقة ريفية. عندها بدأت مشادة كلامية تطورت الى شجار عنيف». ويتابع رامي قائلاً: «لا يقف الأمر عند الضرب بالأيدي بل يصل الى استخدام ما يقع تحتها من حجارة وعلب مشروبات فارغة ولا يهم إن كانت زجاجية أو معدنية المهم أنها فعالة وتوقع أضراراً بالخصم». ثم يصمت رامي قليلاً متذكراً ما عايشه من مشاجرات وقعت أمامه ويقول: «المؤسف أن هذه الخلافات تجبر الأصدقاء المنتمين الى جماعتين مختلفتين على قطع علاقاتهما (موقتاً على الأقل) وفيما بعد يتحولون إلى وسطاء لفض نزاع إن لم ينته ينعكس توتراً في أوضاع السكن ويحول المعيشة فيه الى قلق دائم».
وشلل العنف أو «التطفيش» كما يحلو لطلاب السكن الجامعي أن يطلقوا عليها ليست دائماً من الشباب الذكور. فقد يحلو لإحدى نزيلات سكن البنات تشغيل آلة الغسيل ذات الصوت المرتفع أو المذياع بينما زميلاتها في غرفة مجاورة لها ولكن من «جماعة» أخرى نائمات أو يدرسن. وتقول ريم (طالبة علم اجتماع تقيم في السكن الجامعي): «بعض شلل البنات في السكن لديهن روح العدائية، وفي حال كانت ممزوجة مع الواسطة عندها لا تكترث مشرفة الوحدة السكنية لمارساتهن السلبية وسياسة الـ «تطفيش» التي اعتمدنها ليخلو لهن الطابق أو الغرفة».
وبالانتقال إلى خارج أسوار السكن الجامعي تجد أن حارات في دمشق وريفها ومنها المناطق التي سكنها المهاجرون الفلسطينيون والعراقيون باتت غير آمنة ليمشي فيها شاب «من خارج تلك الحارات» على حد تعبير فؤاد ( 25 سنة) الذي يسكن في منطقة دويلعة في ريف دمشق. ويقول فؤاد: «ما رأيته في آخر مشاجرة وقعت بين مجموعات الشباب جعلني أشعر بأني في مشهد سينمائي لشوارع شيكاغو». ويصف فؤاد موضحاً بعض ما رآه: «خطف شباب إحدى العصابات زعيم العصابة الخصم وأوسعوه ضرباً ثم ألقوا به في الشارع بعد «تأديبه» بحسب ما قالوا».
ويضيف « إن وصول شكوى عن مثل تلك المشاجرات الى أجهزة الأمن أو الشرطة حل لا يفضله الطرفان المتنازعان، لأن ذلك يفتح عليهم باباً لا يغلق إلا والقيود في أياديهم» .
وفي حين يعتبر اختصاصي في الأمراض النفسية الدكتور حسان المالح أن «رغبة الشاب أو الشابة في الانتماء الى مجموعات في مثل سنهم هو امتداد طبيعي للفرد نحو المجموعة»، إلا أنه يؤكد أن هذه التجمعات كلما تجاوزت أفكار التعصب والانغلاق والمصالح الضيقة كانت تجمعات صحية ومفيدة».
لينا الجودي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد