سقوط عدالة حزب العدالة التركي في امتحان الحرية
جولة (الجمل) على الصحافة التركية- ترجمة: محمد سلطان:
فضيحة قضية أرغنكون... من قام بتعذيب الحاخام؟
كتبت الصحفية روهات منكي في صحيفة وطن مقالاً تناولت فيه الملابسات المريبة التي شابت قضية أرغنكون، وهو التنظيم المتهم بالعمل على الإطاحة بالحكومة:
هذا يكفي.. هذا كثير حتى في دولة مثل تركيا عايشت وعاصرت جميع أشكال الظلم وعدم المساواة والقضايا البذيئة التي لايتحملها العقل البشري.
كما تعلمون فقد تم نشر الوثائق والأسلحة المخبأة منذ سنين تحت اسم قضية أرغنكون, وتم تفتيش البيوت وأجهزة الحواسيب والأقراص الرقمية المدمجة. وزج بالسجون بموجب هذه القضية صحفيون وأكاديميون يعملون كبعثات خاصة, وتمت تصفيتهم عبر الاعتقال دون محاكمة, وبذلك وقعوا ضحية التلاعب بشرفهم عبر توجيه تهم باطلة لهم، والحكم عليهم مقدماً أنهم مذنبون. ’توركان سايلان‘ (رئيسة جمعية وناشطة مجتمع مدني) هي إحدى السيدات العالمات في تركيا وبطلة منظمات المجتمع المدني, قدمت للبلاد خدمات وفيرة لا تعد ولا تحصى, وفي الأيام الأخيرة من حياتها وجهت لها تهم باطلة، ووقعت ضحية لهذه القضية، وتعرض منزلها للتفتيش. كذلك تمت مداهمة منازل الكثيرين في ساعات الصباح الأولى، وبعضهم لازال موقوفاً منذ خمس سنوات والبعض الآخر اضطر لمغادرة البلاد هرباً من هذه السخافات التي ضاقوا ذرعاً بها.
عندما كانت تحصل كل هذه الأمور, خرج بعض الصحفيون المنصفون والعقلاء ليقولوا: «كيف لكم أن تلعبوا بحياة العديد من الناس بالنظر إلى كلام يتفوه به هذا الحاخام وذاك الحاخام؟ خلال أربعة أو خمسة أعوام لم تحصلوا على دليل يدين أولئك الموقوفين, كيف لكم أن تسرقوا سنوات عمرهم وعمر عوائلهم وأنتم لم تحصلوا على أية معلومة تستطيعون القول من خلالها أن منظمة أرغنكون هي منظمة إرهابية؟».
أنتم أيضاً منتسبون إلى أرغنكون
أكثر الحقوقيون خبرةً صرحوا "بأن ما يحصل ليس عادلاً". وكل من يفعل ذلك إما يفقد عمله أو يتعرض لجرائم تسجل ضد مجهول أو يجري استهدافهم من قبل رموز تسير هذا النظام (ومعروف من هم هؤلاء الرموز) باتهامهم بالانتساب إلى هذه المنظمة أيضاً لأنهم يدافعون عنهم.
من تكون هذه الدولة؟
مع أنه إذا نظرتم إلى هذا الأمر, خرج هذا الحاخام مرة أخرى إلى الأوساط, انظروا إلى هذه الصدفة, كلما خرج أحدٌ من القمة العسكرية ليقول عن الجنرالات بأن "التهم تلبسهم, وأن معنويات الجيش في انهيار مستمر, وأن الموقوفين بريئون ولا ذنب لهم", أي بالنظر إلى الحادثتين لا يمكن أن يغيب عن النظر تواقت الحادثتين مع بعضهما البعض.
يقول الحاخام ’تونجاي كونيي‘ (الشاهد الرئيسي في قضية أرغنكون): «كانت قضية أرغنكون عبارة عن مشروع. يجب على الموقوفين أن يخرجوا. أنا غير مرتاح من الناحية الوجدانية, لو لم أتعرض إلى التعذيب لما كنت لأصرح بما صرحت به. إن الإفادة التي أدليت بها لدى الأمن والتي تشكل أساس قضية أرغنكون باطلة. الدولة استغلتني واستخدمتني. البحث عن العدالة في تركيا كالبحث عن العذراء في بيت الدعارة».
لا تختلف عن جريمة القتل
هذه الفضيحة, هذا الظلم وهذه الفوضى, مرعبة لدرجة نستطيع أن نصفها بأنها "جريمة قتل". إن الشيء الذي طرأ على المجتمع والأناس الذين سلبت حريتهم منذ سنين ليس ظلماً عادياً, هذه جريمة بحق الإنسانية وحقوق الإنسان. هذه عملية خارج الديمقراطية وخارج الإنسانية لا نراها إلا في الأنظمة الدكتاتورية التي لا يوجد عندها ما يسمى بالديمقراطية.
الآن أولئك المظلومون الموقوفون في زنزاناتهم، التي لا تسيل المياه في صنابير حماماتها, لا يجوز لأي سلطة خاصة أو صلاحية محددة أن توقفهم أكثر من ذلك. ولا يوجد أحد ينظر إلى تلك المحاكم التي فقدت مشروعيتها بأنها محاكم لها الأحقية بالاستمرار في إتخاذ القرارات والأحكام. ولا يوجد أحد يعارض محاسبة القضاة الذين اتخذوا هذه الأحكام.
يجب على محاكم السلطة الخاصة التي تتابع هذه القضية أن تشرح لعامة الشعب ماهية هذا المشروع الذي تحدث عنه الحاخام ومن قبل به من وبأي غرض أعد له. كما يجب عليها أن تبيّن من تكون هذه الدولة المذكورة من قبل الحاخام ولصالح أي منظمة أو لأي أشخاص تعمل, ومن الذي اتهمه بهذه الاتهامات الباطلة ومن الذي قام بتعذيبه واستغلاله للإستفادة منه.
إذا مات القانون...
من الواضح من خلال التصريحات الأخيرة أن هذه الحالة الفظيعة تنطبق على قضية باليوز (قضية المطرقة: محاولة مزعومة للانقلاب على الحكومة) أيضاً. من يدري أنه سيطلق سراح ’أركين صايكون‘ (جنرال كان يخضع للمحاكمة ثم أفرج عنه بعد أن شارف على الموت في محاكم النظام) بعد أن تعرض لخطر الموت وبات في العناية المشددة, وبعد ما زج في السجون وساءت حالة العديد من الموقوفين من الضباط والأبرياء أو ربما سيفقدون حياتهم في تلك الزنزانات؟ الجميع يبلغ عن حزنه في هذا الموضوع.
والآن هل تستطيعون أن تجيبوني: إذا لم تهتم محكمة حقوق الإنسان بالقضايا الإنسانية التي تحصل بشكل أعظم في تركيا, بماذا ستهتم إذن؟ ماذا تستطيع أن تفعل إذا مات القانون في بلدك؟
هل الرقابة الذاتية لا لزوم لها؟
وأنا أيضاً أتساءل مثل الجميع هل ألغي برنامج "حارة الإعلام" مرة ثانية للإعلامية ’عائشة نور أصلان‘ الذي يبث في قناة CNN التركية؟ اتصلت معها بالهاتف وسألتها عن الموضوع, فقالت لي: «للأسف وأنا أيضاً لا أعلم شيئاً عن الموضوع, كما أن الإدارة لم تخبرني بشيء, لنصبر ونرى ما مصير هذا الموضوع». فكّروا معي: برنامج محبوب وذو شعبية واسعة, وإعلامية متمكنة وخبيرة لهذه الدرجة عاشت هذه المشكلة في يومنا هذا كما كانت قد عاشتها في الصيف الماضي. وبعد ردات الفعل المتلاحقة التي بدرت من الجمهور, تم الموافقة على إعادة هذا البرنامج بشرط أن يتم تقديمه بالاشتراك مع اسم مقرب من الحكومة التركية. ولكن بالرغم من ذلك لم تنتهي المشاكل.
لماذا؟ السبب الوحيد؛ أن الحقائق التي تحصل في تركيا يتم الإعلان عنها بعين إعلامية خبيرة وبشكل يتطابق مع الواقع. أما الإعلام في تركيا فيواجه "ضغوطاً سياسية" لم يواجهها من قبل حتى في أيام الإنقلاب العسكري. هل يوجد شيء أمر من هذا بحق الإعلام والديمقراطية في البلاد؟
بينما كنت أبحث عن إجابة لهذا التساؤل في الإنترنت علمت، من خلال مقابلة أجرتها ’أصلان‘ مع صحيفة جمهورييت، ملابسات "إدخال ’عاكف بيكي‘ (إعلامي مقرب من حزب العدالة والتنمية الحاكم) إلى البرنامج". مثل البرنامج الذي كنت أقدمه سابقاً؛ حيث تذكرت أنه بالرغم من نجاح البرنامج فقد تم إيقافه في الصيف قبيل الانتخابات التي حصلت في تركيا بحجة الدخول في مرحلة العطلة الصيفية. وبالرغم من ردة الفعل التي بدرت من عشرات الآلاف من المتابعين على صفحات ومواقع الإنترنت, فقد تم إلغاء البرنامج بشكل صامت ولم يعد من العطلة الصيفية.
ورأيت خبرا للصحفية ’ناظلي إيليجاك‘ (التي لا تحب الصحفية ’أصلان‘) وهي تقلدها وتقول عنها أنها صحفية أحادية التوجه. هذه الصحفية في كل مرة تحاول تشويه صورة زملائها الصحفيين على شاشات التلفاز وتتهمهم بعدم الحياد في مهنتهم. من الأفضل عليها أن تنظر في المرآة لترى من هو المحايد ومن هو المتطرف في الصحافة.
(روهات منكي – صحيفة وطن)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد