ذروة السعادة في عمر الـ 47
يعتقد غالبية الناس أن فترة البلوغ تتخذ شكل منحدر، بمعنى أننا، في شبابنا نكون في أوج السعادة، ثم تتقلص وتتقلص وتتقلص كلما زاد الشيب على رؤوسنا. يبدو أننا مخطئون. فالبلوغ له شكل الكوب، بمعنى أننا نتمتع في شبابنا بكامل طاقتنا، ونشعر أننا في أوج سعادتنا. تتقلّص تلك المشاعر بعض الشيء. تستقر حياتنا عند وضع معين، مثل أسفل الكوب، ثم تعاود نشاطها وسعادتها... هكذا، إلى ان نبلغ ذروة السعادة ونحن في الـ47 من العمر.
ليست محاضرة في السعادة. بل خلاصة دراسات علمية نشرتها مجلة «الايكونوميست»، تؤكّد أنه «كلما تقدّمنا في العمر كلما أصبحنا أكثر سعادة».
وتشير الدراسات إلى أنه «على الرغم من ان الناس، كلما تقدّموا في السن، فقدوا أموراً لطالما ثمّنوها، مثل الحيوية ودقة الملاحظة، إلا أنهم يكسبون، في المقابل، ما سعوا لأجله طوال حياتهم، وهو السعادة».
وبحسب العديد من المسوحات التي تجريها مؤسسات إحصائية أوروبية وأميركية، مثل «غالوب» و»يوروباوميتر»، تبيّن أن «ما يجعل الناس سعداء هو أربعة عوامل رئيسية: الجندر، والشخصية والظروف الخارجية والعمر».
كما تبيّن أن النساء أكثر سعادة من الرجال. ولكنهن أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، حيث تبين أن خُمس او ربع النساء في العالم عانين من الاكتئاب في مرحلة ما من حياتهن، مقارنةً مع 10 في المئة من الرجال، ما يعني أن النساء «إما يملن إلى اختبار المشاعر المتطرفة، أو أن أقلية من النساء هن أكثر تعاسة من الرجال».
أما في ما يتعلّق بملامح الشخصية، فتبيّن أن هناك صنفين من الناس: «العصابيون» الميالون إلى الاحساس بالذنب والسريعو الغضب والقلقون، وهؤلاء غالباً ما يكونون غير سعداء. كما تبيّن الدراسات أن العصابيين يميلون إلى التمتع «بذكاء عاطفي منخفض»، ما يجعلهم سيئين في إقامة العلاقات او إدارتها، وهو ما يجعلهم، مجدداً، غير سعداء. أما الصنف الثاني من البشر فهم «المنفتحون». هؤلاء يحبون العمل ضمن فريق، وهم اكثر سعادة ممن يميلون إلى إغلاق باب مكاتبهم عليهم خلال النهار، ويمكثون في المنزل مساء. وهذه السمة الشخصية تساعد في الدراسات المعنية بدراسة «السعادة لدى الثــقافات المختلفة». وقد تبيّن أن البريطانيين، في المعدل العام، أكثــر انفتاحاً، وسعادةً من الصينيين واليابانيين.
كما أن للظروف المعيشية دورها في مدى السعادة التي نشعر بها. وتشمل الظروف، العلاقات العاطفية، والتربية، والمدخول، والصحة. وتبين ان الزواج يرفـــع من المعنويات، ولكن ليس بالقدر ذاته، وإن على نحو معاكس، لما يمكن أن يكون أثر البطالة على حياتنا.
ففي الولايات المتحدة، لطالما كان هناك ربط بين كون الفرد أسمر اللون وقليل السعادة. لكن الإحصاءات الحديثة تشير إلى ان السود وذوي الأصول اللاتينية باتوا اكــثر سعادة. كــــما تبين ان الأشخاص المتعلمين أكثر سعادة مـــن غير المتعلمين، ولكن أثر هذا العامل يختفي عنــد الحديث عن المدخول. بمعنى ان التـــربية تجعلنا أكثر سعادة لأنها تجعلنا أكثر ثراء.
ثم يأتي عامل العمر. وفي دراسة أجرتها جامعتا «سانفورد» و»ديوك» الأميركيتان، تبيّن أن الجميع يعتقد ان من هم في الثلاثينيات هم الأكثر سعادة. ولكن إن سألت عن الرفاهية، فسيتبين ان من هم في عقدهم السابع هم الأكثر سعادة.
وأظهرت دراسة أجرتها جامعة «دراتماوث»، وشملت 72 دولة، أن الناس يصبحون «أقل سعادة» في الأربعينيات من عمرهم، وأوائل الخمسينيات. ولكن، في المعدل العام، تكون الذروة عند عمر 46 عاماً، ما يعني ان السعادة ستبدا في عمر 47.
لكن دراسة أجرتها جامعتا «ستوني بروك» و»برينستون» أثبتت أن السعادة «تبلغ حضيضها في منتصف العمر»، ولكنها «تعاود صعودها»، تماماً مثلما «تبلغ مشاعر التوتر ذروتها في العشرينيات، قبل ان تنخفض لاحقاً»، وتماماً مثلما يبلغ شعورنا بالقلق ذروته في منتصف العمر قبل أن ينخض على نحو حاد بعد منتصف العمر. والأمر ذاته ينطبق على مشاعر الغضب والحزن.
ليس واضحا ما السبب وراء شعور من هم في الأربعينيات بالتعاسة. ولكن المحللين رجّحوا أن يكون للظروف الحياتية دورها في هذا الشأن. فغالبية من هم في عقدهم الرابع لديهم أطفال مراهقون. وعن السبب الذي يحدو من هم اكبر سنا إلى الشعور بالسعادة، تبيّن ان لا علاقة له بالظروف الخارجية، بل من «تبدلات داخل نفس الأكبر سناً»، فهؤلاء، كما دلّت الدراسات، يستنبطون حلولاً أفضل للمشاكل التي تواجههم، وهم أكثر تحكما بمشاعرهم، كما أنهم أكثر قبولاً لحظهم العاثر، وأقل ميلاً للاستشاطة غضبا.
ثمة نظريات أخرى تفسر سعادة الاكبر سنا. وتقول عالمة النفس في جامعة «سانفورد» لورا كارستينسن إن «معرفة المسن بــأنه يقترب من الموت تجعله يعيش حاضره بأفضل ما لديه».
ولكن، مهما كانت أسباب السعادة او التعاسة، تؤكد الدراسات أن السعادة تجعلنا أكثر إنتاجية وأكثر صحة.. فاسعدوا!
المصدر: السفير نقلاً عن مجلة «الايكونوميست»
إضافة تعليق جديد