د. محمد نعيم الجابي - معالي الوزير ..مهلا سورية ليست كذلك..
أعتقد أن السيد الوزير أثار نقطة حساسة جدا عندما نشر تعميم وزارته الخاص بإلزام المواقع الاخبارية الالكترونية بنشر اسم المعلق الحقيقي وباشراكها في مسؤوليتها على محتوى التعليقات. ما أثاره السيد الوزير يجب أن يناقش بكثير من العقلانية وأنا أكتب رأيي هنا كصاحب أحد المواقع الالكترونية المعنية بتعميمات السيد الوزير.
منذ أن انطلق موقع (نوبلز نيوز) الاخباري حرصنا فيه على أن نضع قواعد لضبط التعليقات وكانت على الشكل التالي:
- للزائر حقه في ابداء الرأي.
- يجب أن تحترم التعليقات الذات الالهية والديانات السماوية.
- يجب أن تحترم التعليقات شخص السيد رئيس الجمهورية العربية السورية.
- يجب أن تحترم التعليقات دستور الجمهورية العربية السورية.
- أخيرا يجب أن تناقش التعليقات المواضيع بموضوعية وحجة دون القاء التهم جزاقا وتراشق السباب والشتائم.
وهذا مذكور بشكل واضح في المقال التالي:
http://news.syrianobles.com/news/index.php?page=show_det_ar&select_page=10&id=22325
أعتقد يا سيادة الوزير أن ما كنا نقوم فيه في السنوات الماضية هو أمر غاب عن ذهنك وهو ما أسميه (ثقافة التعليق) حيث لعب موقعنا دورا بارزا في تطوير الأمور التالية:
- حث المعلقين على احترام كلماتهم وطريقة صياغتها
- تطوير محتوى التعليقات حيث أتحنا فرصة للمعلق بأن لا تكون عدد حروف تعليقه محدودة وبالتالي يستطيع أن يعبر بشكل واضح وجلي عما يريد قوله.
- حث المعلقين على خلق تفاعل تبادلي ثقافي فيما بينهم ومن هنا كتبت مقالا تحدثت فيه عن شخصية كل معلق وكيف يفكر وأين هي ايجابياته وسلبياته.
- ايصال بعض المعلقين المجال للبوح بشخصياتهم الحقيقية دون خوف أو وجل والتأكيد على أننا معجبون بهم كصوت للحقيقة ولا شئ سوى الحقيقة.
- اذا كان لسورية قدر أن تفقد أبناءها الذين هم طيور مهاجرة في الغربة فنحن في نوبلز نيوز أعدنا ارتباطهم بالوطن فأصبحوا يشربون القهوة الصباحية كل يوم مع همومه وأفراحه ويشاركون بآرائهم الناضجة في التعليق عليها وقد استفدنا كثيرا من آرائهم.
معالي الوزير: إن ثقافة التعليقات هي اضافة حيوية للمجتمع السوري وسلاحا قويا كان له الأثر الكبير في رفع الضغوط عن سورية عندما عبر المعلقون بشكل واضح عن رأيهم بالانشقاقي خدام وجنبلاط وأمثاله في وقت لم يطالبهم أحد بالكشف عن شخصياتهم؟ نعم هؤلاء هم أنفسهم الذين تطالبهم اليوم بكشف أسمائهم فلماذا؟ لماذا نبخسهم حقهم في التعبير عن أفكارهم وقضاياهم بكل جرأة وموضوعية؟
إن المطالبة اليوم باجبار المعلق بكتابة اسمه هو ضرب من المستحيل لأننا في فضاء رقمي وامكانية (الخداع) في ذلك في منتهى السهولة فيمكن لأي شخص أن يكتب أي اسم وكيف لنا أن نعرف من هو؟ أنت مختص وتعرف أننا نملك فقط رقم الأي بي الخاص بالمعلق وأنت تعرف أن هذا الأي بي لا يكشف شخصيته لأننا في سورية لا نخصص أي بي لكل مستخدم للانترنت بل هناك حزمة من المستخدم تعمل على أي بي خاص بها.
هل تريد منا معالي الوزير أن ننشئ دائرة خاصة بملاحقة المعلقين واين يتواجدون ومن هم؟ ترى كم تبلغ تكاليف هذه الدائرة وكم موظف يجب أن نستخدم لذلك؟ هل تعتقد أن عائدات الموقع الالكتروني ستؤمن لنا تلك النفقات على فرض أننا سمعنا نصيحتك؟ حتى لو سجل المعلق فيمكنه ببساطة أن يستخدم ايميل على شركة أجنبية كياهو أو هت ميل فكيف ستعرف من هو؟
أعتقد أنك تدخلنا اليوم بدوامة كبيرة ونتيجتها محتومة هي ضغطك على الزر الذي سيحجب الموقع وبذلك تكون قد حققت هدفك في حماية وطننا من سموم المعلقين!! ولكني هنا ألفت نظرك إلى أن هؤلاء المعلقون هم من سيدافعوا عن سورية في زمن الشدة وهم من خبروا ذلك وأصبحوا يملكون ثقافة التعليق لصد كل هجمة شرسة تستهدف وحدة الوطن وأمنه.
دعني لا أكون سلبيا هنا وسأخبرك عن الطريقة المثلى لحل هذه المشكلة: أعتقد أن الحل يكمن ليس في حجب المواقع بل في تحفيزها على السلوك الإيجابي من خلال:
- دعم المواقع التي تلزم المعلقين بشروط معينة يتم الاتقاق عليها وجزء منها منشور هنا في هذا المقال وتخصيص حوافز مادية ومعنوية لها (منذ ثمانية سنوات أطلقت مشروع شبكة سيريا نوبلز على الانترنت وهي واجهة سورية حضارية ولم أجد مسؤول أو جهة حكومية تتصل لتقول هيا نعمل معنا لدعم وتطوير مشروعك فهل هذا ليس من مهام الحكومات؟؟).
- إقامة ورشات عمل مشتركة بين الوزارة والمواقع الالكترونية تضم طاولة مستديرة تناقش طريقة أداءها وتطوير آلياتها والاستفادة من التجارب الايجابية.
- تحفيز دور المكتب الصحفي في كل وزارة للتعامل المباشر مع هذه المواقع بشكل يومي من خلال خط ساخن تماما كما نفعل في نوبلز نيوز.
المواقع الالكترونية الاخبارية الايجابية ستفرز نفسها وستفرض نفسها وأما المواقع المغرضة فستتراجع أسهمها وستجد بعد مدة أنها لن تستطيع المنافسة وستضمر وتندثر.
لا يجب أن نعيد اختراع العجلة في طريقة تعاملنا مع موضوع التعليقات لأن هذا الموضوع هو طقس من طقوس الفضاء الالكتروني ولن يزول ولكننا يمكن أن نعزز من خلاله ثقافة الرأي والرأي الآخر لأننا متجهون باتجاه المجتمع الديمقراطي الحر وعلينا أن لا نفوت ميزة استخدام هذه الوسيلة التي أنعم الله علينا بها وهي قدرة كل شخص على التعليق الحر من وراء حاسوبه وفق الشروط المعتمدة.
أصارحك معالي الوزير أنني فوجئت بالتعميم واعتبرته رداء أسودا لسورية في وقت يعمل فيه الجميع على غسل الغبار الذي انتشر وشوه ملامح الوجه الجميل.
سورية ليست كذلك والصوت الحر الملتزم لكل معلق سيبقى هو دليلا على غيرته على وطنه.
د. نعيم الجابي
المصدر: سيريا نوبلز
إضافة تعليق جديد