خيبة تركية من لقاء بوش- أردوغان

07-11-2007

خيبة تركية من لقاء بوش- أردوغان

وحدها الأيام بل حتى الأسابيع القليلة المقبلة ستحمل الجواب القاطع عما إذا كان اللقاء الذي انعقد امس الاول بين رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان والرئيس الأميركي جورج بوش، قد انتهى الى نتائج ملموسة تلبي توقعات تركيا بعمل اميركي حاسم لتعطيل القدرة العسكرية لحزب العمال الكردستاني المتمركز في شمال العراق، والمتخذ منه قاعدة لشن عمليات عبر الحدود ضد القوات التركية.
لم تحمل مناخات انقرة الكثير من التفاؤل حول اللقاء، بل انتقدت تعليقات كثيرة مجرد ذهاب اردوغان الى واشنطن، حيث كان على بوش ان يأتي بنفسه الى انقرة، بحسب ما طالب زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي.
قبل اللقاء بساعات، كان اردوغان يطلق اشارات «هادئة» تعكس عدم اقتراب موعد العملية العسكرية الكبرى. اذ قال ان «الصبر مفيد والطريق ليس قصيرا ونحن نحارب الإرهاب منذ ثلاثين سنة». وأضاف، في اشارة اخرى الى رهانه على الحل السلمي للمشكلة، ان حكومة نوري المالكي اتخذت بعض الخطوات وستليها لاحقا خطوات اخرى، واصفا الولايات المتحدة بـ«الشريك الاستراتيجي»!
في المقابل، كانت إشارات واشنطن اكثر صرامة بشأن معارضة قيام تركيا بعملية عسكرية. فوزيرة الخارجية كوندليسا رايس أبلغت المسؤولين الأتراك في انقرة الموقف نفسه، لأن أي عملية عسكرية تخرّب الاستقرار في العراق. وفي كلام للسفير الأميركي في بغداد ريان كروكر، انه لا الجيش الأميركي ولا الجيش العراقي في وضع يسمح لهما بالقيام بعملية عسكرية في الجبال. كما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤول اميركي، قوله ان ادارته تأمل سقوط الثلج لأنه يمنع تسلل مسلّحي الكردستاني الى داخل تركيا طوال فصل الشتاء.
وفي هذا السياق، يدرج معظم المعلقين الأتراك عملية الإفراج عن الجنود الأتراك الثمانية الذين اسرهم حزب العمال الكردستاني في 21 الشهر الماضي، وقبل يوم واحد فقط من لقاء بوش واردوغان، في اطار جهود اميركا لتنفيس الاحتقان التركي وتبرير ضغطها لعدم لجوء تركيا الى عملية جراحية، والى ان الأمور يمكن ان تؤخذ بروية ولو اخذ ذلك بعض الوقت.
في هذا المناخ «السلمي»، انعقد اللقاء بين اردوغان وبوش، وسط توقعات عالية جدا من الرأي العام التركي بقيام اميركا بخطوات محددة لتصفية حزب العمال الكردستاني بشكل او بآخر. غير ان ما رشح من نتائج يكاد يعادل الخيبة بحد ذاتها.
وكانت صحيفة «زمان» عبر مراسلها الدائم في واشنطن، الأكثر دقة، أشارت الى ان القمة اسفرت عن مجرد وعود، وان العقل الأميركي كان اثناء اللقاء مشغولا بما يجري في باكستان، بل ان بوش افتتح اللقاء مع اردوغان بالحديث عن باكستان! وذكرت الصحيفة انه لا يعرف كيف سيواجه اردوغان ما كان يتوقعه الرأي العام التركي من القمة التي اسفرت عمليا عن نتيجتين لا تقدمان ولا تؤخران، بل ستساعدان على تأجيل، او ربما صرف النظر، عن اي عملية عسكرية واسعة النطاق: الأولى التنسيق في تبادل المعلومات الاستخباراتية، والثانية تشكيل آلية تشاور بين رئاستي اركان الجيش في البلدين.
وعلى هذا، قد يكون هناك تعاون لاعتقال بعض كوادر او قادة حزب العمال الكردستاني بعد التثبت استخباراتيا من مكان وجودهم والقيام بعمليات تستهدف مراكز محددة، وما سمّته صحيفة راديكال بـ«عمليات النقطة». اما اعتبار بوش ان حزب العمال الكردستاني هو عدو مشترك لأميركا ولتركيا، فلا يعني شيئا، لأن واشنطن كانت قد اعتبرت سابقا منظمة «مجاهدي خلق» كذلك من دون ان تترجم أقوالها الى أفعال.
وقد أكد المكتب الإعلامي لأردوغان، ان تركيا «لا تزال مصرة على اتخاذ الاجراءات السياسية والدبلوماسية والعسكرية التي أجازها لها البرلمان لمكافحة البؤر الارهابية».
حصلت واشنطن على ما تريده من القمة مع اردوغان، الذي أرسل بدوره بعد اللقاء اشارة اضافية الى انه ليس من حرب مع شمال العراق بل قد تكون عمليات عسكرية محدودة وبالتالي لا خوف على الوضع الاقتصادي في تركيا ولا سيما في مناطق الجنوب الشرقي.
وإذ تتساءل صحيفة «راديكال» عن سرّ اصرار اميركا على عدم التعرض لحزب العمال الكردستاني تحديدا، يعرض الكاتب في صحيفة «ميللييت» طه اقيول لموقف واشنطن الحريص على عدم التعرض عسكريا لحزب العمال الكردستاني وذلك لاستخدام الحزب اداة ضد ايران من جهة، وللضغط على انقرة على قاعدة «وقوف تركيا الى جانب الولايات المتحدة ضد ايران في مقابل إنهاء حزب العمال الكردستاني»، من جهة ثانية، فضلا عن ان اميركا تضغط، بحزب العمال الكردستاني، لاعتراف انقرة بحكومة اقليم كردستان من جهة ثالثة.
في ظل المعادلة التي اسفرت عنها محادثات اردوغان وبوش، يكون رئيس الوزراء التركي قد نأى بحكومته وحزبه عن التورط بالمستنقع العراقي واستطرادا عن هز الاستقرار الداخلي في تركيا الذي تريده القوى المعارضة لحزب العدالة والتنمية، مع تحقيق بعض التقدم بالنقاط على صعيد محاربة حزب العمال الكردستاني وإن دون مستوى توقعات الرأي العام، وهو ما قد يحرج حكومة اردوغان ويظهرها بمظهر الضعيفة وغير الحازمة في مكافحة «الارهاب الكردي». وفي الوقت ذاته، لا يهتز الاستقرار الذي تريد اميركا المحافظة عليه وعلى حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. اما المسألة الكردية في الداخل التركي، فتبقى الغائب الأكبر عن كل المعالجة فيما هي المبتدأ والمنتهى.

محمد نور الدين

المصدر: السفير
  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...