خلدون المالح (البرجوازي النبيل)
كان الأكثر أناقة ، وكانت إطلالته كمقدم برامج ومذيع على شاشة التلفزيون، توحي أنه ((البرجوازي النبيل)) الذي يفهم الفن على أنه حضارة، ويفهم الإعلام على أنه الأناقة في نقل الرسالة الأمينة والنظيفة للناس !
بين عامي (1938ـ 2016) وهي رحلة الحياة والموت للفنان الراحل خلدون المالح ، سجل حكاية غنية ومحكمة التفاصيل في التأسيس لفن تلفزيوني سوري ، مالبث أن شق طريقا له من خلال الانتاج أيضا ..
لا يمكن لأي منشأة فنية حضارية أن تنهض في طور التأسيس دون أن يعمل فيها مبدع ونشيط مثل المخرج والمذيع السوري الراحل خلدون المالح، فعندما أحدث التلفزيون في سورية، وكان السوريون في الساحات العامة يتحلقون حول الأجهزة القليلة الموزعة في أرجاء العاصمة كان خلدون المالح يبحث عن مفاتيح الحكاية التلفزيونية التي توسع حلقات الفرجة تلك وتدفع الناس الذين أدهشهم الحكواتي في مقاهي دمشق القديمة، وأسرهم المسرح في كل زاوية من زوايا دمشق مع صعود مرحلة أبي خليل القباني .. إلى نقلها إلى البيوت مهما كلف الثمن !
سريعا، ومع الأسابيع الأولى التي تلت تأسيس التلفزيون العربي السوري في 23 تموز 1960 صافح خلدون المالح أستاذ الكيمياء الموهوب دريد لحام، وسريعا تفاهم مع المسرحي اللامع نهاد قلعي، وسريعا أقنع محمود جبر بالشروع في السهرات الدرامية الأولى التي أنشأت من الطريق الأول عشرات الطرق الفرعية إلى الدراما التلفزيونية .. ولأن اتلك السهرات أطلقته كصانع للسعادة لأبناء دمشق عبر التلفزيون، كان لابد له أن يكتب في وصيته، أن من الضروري أن يكون قبره في دمشق، وفي دمشق تتسع الأرض لقبور الكثيرين ، لكن قبور الأسماء الكبيرة تعيدنا إلى تاريخ غني بالعطاء ..
برحيله ، يخاف الوسط الفني أن تطوى صفحة الفن الدرامي الأصيل مع الهجمة الانتاجية الكبيرة التي أحرقت عفويته وأصالته التي كان المالح أحد أهم أعمدتها ، ومع أن الفرصة كانت متاحة ليكون في السنوات الأخيرة أحد أهم صانعي الانتاج الدرامي، انكفأ عن هذه الصنعة فالانتاج عنده فن ، والفن الأصيل لايحتاج إلى ترويج من النوع الذب كان سائدا !
عندما جرى الإعداد للعيد الذهبي للتلفزيون عام 2010، جنّد خلدون المالح نفسه لتقديم مانحتاج إليه، وعندما كانت خشبة مسرح الأوبرا تعرض مشهد اللحظة الأولى لإطلاق التلفزيون ، كان ينبغي علينا أن نراقب وجه خلدون المالح ودريد لحام وسهيل الصغير وجميل ولاية وغيرهم من الرواد الموجودين لنشعر بمعى الرسالة التي جسدها العرض، والغريب أن إشراقة وجه خلدون المالح كانت الأكثر وضوحا بين إشراقات الجميع، وكأنه كان واثقا أن الصرح أضحى متماسكا ليكون مستقبلا كاملا للفن السوري .
رسم الفنان أيمن زيدان في ذلك العرض ملامح اللحظة التاريخية التي حصرت التأسيس في اللوحة الأولى، وكنا معه نحاول مواكبة المناسبة، وكان علينا أن نسأل كثيرا أولئك الباقين من جيل الرواد عن التفاصيل، وعمليا ظل خلدون المالح ساعة كاملة معي على خط الهاتف وهو يجيب على تساؤلاتي التي جمعتها على دفاتري ونحن نعد لبرامج العيد الخمسين ..
صحيح أن الفنان الراحل خلدون المالح أخرج صروح الكوميدية السورية : «مقالب غوار» و«صح النوم» بجزأيه، و«وين الغلط»، و«وادي المسك»، لكنه أيضا كان أول كاتب درامي يرسم لوحات الكوميديا الأولى بفسيفساء فنه بالتشارك مع الآخرين كدريد ونهاد ..
ينضم خلدون المالح اليوم لقائمة الراحلين العمالقة في الإعلام السوري : الامير يحيى الشهابي، عادل خياطة، يوسف الخطيب، وفؤاد شحاده .. لكنه يترك لنا سؤالا مهما : هل يمكن أن تحافظوا جيدا على هوية الدراما السورية التي كنت واحد من أوائل من أشعلوا شمعتها الأولى؟!
وبطبيعة الحال : نحن لانعرف صياغة الجواب بعد !
عماد نداف: بوابة الشرق الأوسط الجديدة
إضافة تعليق جديد