حين «يفور» الدم يسقط الحب وتذهب الذكريات الجميلة هباءً
عطيل، بطل مسرحية شكسبير (1603)، قتل زوجته ديزدمونا لمجرّد أن منديلها المطرّز وصل إلى يد رجل آخر. انتفض فجأة، لما عرف، عاد إلى «بربريته» ودقّ عنقها الأنيق، بقضبته المتوحّشة. انجلت حقيقة خيانة الزوجة البريئة: ياغو مساعد عطيل هو من دسّ المنديل وحاك المؤامرة. أيقن عطيل غلطته فانتحر.
في لحظة انقباض اليد على العنق، تبدد كل الحب الذي يكنّه البطل الحالك البشرة للفتاة البيضاء الرقيقة. وطارت الثقة. وخسرنا نحن قراء الكتاب ومشاهدي المسرحية كل احتمال في تقارب شخصين مختلفين.
فورة دم ولحظة غضب أدّيا إلى سقوط كل شيء جميل، كل المشاعر والعواطف. ترى ما الذي يدور في خلد الذي يغسل شرفه قتلاً أو تشويهاً أو كلاهما معاً. في برنامج «أحمر بالخط العريض»، قناة «أل بي سي» اللبنانية، مساء الأربعاء 26 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وكانت الحلقة تدور حول العلاقات ما قبل الزواج، ظهر شاب قتل اخته، لما سمع من شاب أنه يصاحب فتاة. ذهب إليها ليستجوبها، فأنكرت العلاقة. وفي فورة غضب، أثناء «التحقيق»، انهال عليها ضرباً حتى فارقت الحياة. الشاب سجن، وخرج. تكلّم في تلك الحلقة بهدوء، قد ينم عن ندم، وفي النهاية، طلب منها السماح.
الروايات الأخرى عن جرائم الشرف، لا تُشعر متتبعيها بأن مرتكبيها نادمون، فثمة من يتباهى، وثمة من يبدي ارتياحه إثر تخلّصه من «المشكلة» أو من حمل على الظهر. وكأن تأزّمه النفسي هو نتيجة «صبره» على الضحية واضطراره إلى العيش في العار والضيم، قبل أن يجهز عليها، ويرتاح ويريح العائلة. وكأن تأزّمه هو نتيجة ما لم يفعله أو يرتكبه بعد.
وعليه، لا مكان للندم لدى غاسل العار. هو، قاصراً كان أم بالغاً، يتلقى إيعازاً بالقتل، ينفّذه واضعاً حداً لـ«المحنة». وأما الضحية، في مناطق معيّنة من العالم، فتشرع في فعلتها التي تفوّر دم أهلها وأقاربها، على رغم علمها بالعواقب. ضدان لا يفرّقهما إلاّ الموت.
وعليه أيضاً، لا مكان للسؤال عن العشرة والألفة والحميمية والقربى... التي تربط القاتل بالضحية. إذا كانت الأخيرة أختاً كبرى أو أماً، تكون قد أطعمت الأول ولاعبته، واعتنت به خلال المرض. ولعلّها، في بيئات معيّنة، هي من زرعت فيه بذرة الثأر للشرف.
في لحظة القتل، التي يخطّط لها بتأنٍ أحياناً، «تتبخّر» الذكريات الجميلة، ولعب الأطفال، والمشاجرات البريئة، وركب الأراجيح، وجلسات الإلفة. وكأن التخطيط للارتكاب، يطيل فوران الدم، أو يؤجّله إلى تلك اللحظة.
تقارير «اليونيسف» تقدّر ضحايا جرائم الشرف بخمسة آلاف سنوياً في العالم، ومن مسبباتها إذا تعرّضت الضحية للاغتصاب أو أظهرت اهتماماً برجل. وقد تُقتل بتهمة الزنا، لكن تبيّن أن بعضهن قتلن وهن بعد عذراوات.
في المهاجر والمغتربات، يحمل المهاجرون معهم تقاليدهم وممارساتهم الاجتماعية. ويفور دمهم في البلاد البعيدة، مثلما يحصل في بلدانهم الأصلية. ففي الولايات المتّحدة، حصلت جريمتي قتل مرتبطتين بالشرف، في رأس السنة الحالية، بعد أن اكتشف الوالد أن لدى كل من ابنتيه «بوي فراند».
في تركيا، بحسب «بي بي سي» (2005)، 40 في المئة يدعمون هذا النوع من الجرائم، وإلاّ فقطع أذني «الزانية» وأنفها.
في الدنمارك، سجلت 210 جرائم شرف، بين 2006 و2008. وفي هولندا، وفق إحصاءات عام 2007، سجلت أعمال عنف وجرائم شرف بحق الذكور هذه المرة، من مثليين ومن أزواج يخونون زوجاتهم.
المصدر: الحياة
التعليقات
جرائم الشرف
إضافة تعليق جديد