حلب: رحيل حج عبدو الفوال وبائع المقصات اليابانية
احتضنت مدينة حلب في ترابها هذا العام اثنين من أبنائها المعروفين والذين يعتبران من معالم تعريف المدينة وجزأين من ذاكرتها، وهما الحاج عبد الرزاق المصري، المعروف بـ ” حج عبدو الفوال”، والحاج عبد القادر مبيض، المعروف بـ “بائع المقصات اليابانية” الجوال.
و”أبو عبدو الفوال” أو “ حج عبدو “ يعتبر واحداً من أبرز معالم المدينة وأكثر الشخصيات المعروفة والمحبوبة لدى الجميع، توفي عن عمر تجاوز الـ 70عاماً، تاركاً لدى الكبير والصغير ذكريات لن تنسى عن وجهه البشوش وانحناء ظهره وتراقصه المعروف أثناء عمله في محله الأول الشهير بحي الجديدة في حلب القديمة.
ولمحل أبو عبدو في الجديدة الملاصق لساحة الحطب قصص وذكريات كثيرة عاشها مختلف الأهالي بتعدد أعمارهم وفئاتهم الاجتماعية، وكان العشرات يصطفون أمام المحل يومياً قبل افتتاحه بساعات الفجر الأولى، “كرمال صحن فول من أول طبخة”، ووجه الحاج أبو عبدو الضاحك البسيط الذي أصبح صبحية يومية للكثيرين.
ومحل أبو عبدو الأصلي في الجديدة يعود عمره لحوالي 116 عاماً، حيث بدأ بأبو عبدو الأب الذي كانت صورته المعروفة تتربع وسط المحل، ليكمل بعدها المسيرة أبو عبدو الابن لأكثر من 70 عاماً.
ولم تستثنِ الحرب في حلب أبو عبدو الفوال من دمارها، فبعد تدمير ساحة الحطب ودخول المسلحين إلى الجديدة اضطر أبو عبدو لإغلاق ذاكرة من ذكريات حلب، وغادر إلى مصر ناوياً افتتاح مطعمه هناك.
إلا أن مدة قصيرة مضت أصر خلالها الحاج العودة لسوريا، ليتم افتتاح مطعم أبو عبدو الجديد بمساحة أكبر من مساحة المحل الأساسي، وعودة الاسم وزوار المحل الذي نادراً ما تراه فارغ، وأمل الحاج بالعودة لمحله الأساسي لازال مستمراً عبر أبنائه أيضاً.
أما الحاج عبد القادر مبيض فهو المتجول صاحب اللحية البيضاء والابتسامة اللطيفة الذي حفظته كافة شوارع المدينة، فتراه يتجول بكل مكان، وهو يبيع “المقصات اليابانية” حصراً.
توفي الحاج مبيض عن عمر 90 سنة، لتستقيم بالنهاية انحناءة ظهره التي كانت تزداد يوماً بعد يوم، بعد أن أمضى الحاج 35 عاماً من حياته في ببيع تلك المقصات، بأسواق حلب القديمة وحول القلعة.
ولم تمنع ظروف الحرب خلال السنوات الستة في حلب الحاج من الاستمرار بعمله، ليتحول من تجواله بالأسواق القديمة إلى التجوال في الأحياء السكنية التي بقيت تحت سيطرة الدولة، مستذكراً صور المدينة القديمة وأسواقها ومنتظراً حينها العودة.
وبالفعل وبعد تحرير المدينة بشكل كامل، عاد “بائع المقصات” إلى حاراته القديمة، متجولاً أيضاً، ولعل صورة ذكريات الحاج اختلفت أمام ما رآه من دمار حل، إلا أن حجارة حاراته التي حفظها عن ظهر قلب مازالت موجودة مبعثرة.
ودّع الحاج عبد القادر مبيض مدينته وأسواقها القديمة، وودّع أهالي حلب صوت “المقصات” المبحوح صاحب اللحية البيضاء، أما حلب فلم تودعه، فهي مدينة لا تودع أحبابها، بل يحتضنهم ترابها منسيين.
وبالنهاية.. هذه حلب بعد سنتين على تحريرها.. أقدم مدينة مأهولة في التاريخ تحتفل رغم وجعها بانتصارها وتستذكر ست سنوات من الحرب والمآسي التي طردتها وبقيت حلب.. ليمر التاريخ هنا عابراً.. ولتبقى حلب.
تلفزيون الخبر
إضافة تعليق جديد