"جيل الانترنت الثاني" في فرنسا يجد ملاذه في سوريا
منذ 23 كانون الثاني الماضي، تاريخ توجه الصبية نورا، سراً وهي مازالت في الخامسة عشر من العمر الى سوريا، وفؤاد وأسرته يعيشون في جحيم، فهم لا يستطيعون فهم كيف تمكنت، هذه الطالبة المجتهدة في إحدى مدارس أفينيون، من التخلي عن كل شيء.
نورا، التي كانت تحلم بأن تصبح طبيبة وتوجهت من دون علم أسرتها الى سوريا للجهاد، قالت عبارة لا تغيب عن ذهن فؤاد شقيقها الأكبر البالغ السابعة والثلاثين: "هل ستتخلون عني؟".
لقد اكتشف فؤاد أن شقيقته كانت كانت تعيش "حياة مزدوجة" مع "طريقتين في اللباس" و"حسابين على فيسبوك": أحدهما تعرض فيه حياتها كصبية عادية بلا قصص، والآخر تقول فيه إنها ذهبت "الى حلب لمساعدة اخوتي واخواتي السوريات"، مضيفة "اذاً لم افعل شيئا فان الله سيحاسبني".
وفي نيسان الماضي تمكن فؤاد من الالتقاء بها في سوريا "لمدة نصف ساعة في حضور "أميرها" عمر أومسن" وهو فرنسي من أصل سنغالي.
وقال "وجدتها في حالة من القذارة وقد فقدت الكثير من الوزن وأصابها الشحوب". لكن كان من المستحيل اقناع "الأمير" بتركها ترحل. بالرغم أنها في محادثة هاتفية سابقة كانت نورا قد أبلغت شقيقها برغبتها في العودة قائلة "انني محاطة بمنافقين وجبناء يرهبون السوريين".
لكن حتى منتصف آذار الماضي كانت تقول إنها "سعيدة" بالوجود بعيداً عن "الكافرين والمغتصبين". وبعد عشرة أيام فقط قالت له باكية في اتصال هاتفي "افتقدكم كثيراً.. هل ستتخلون عني؟".
من جهته، يرى وكيل فؤاد المحامي غي غينون "انها اليوم رهينة"، معتبراً أنها "ضحية طائفة دينية"، مضيفاً "اننا بصدد اكتشاف جبل الجليد"، ومشدداً على "الشبكات" النشطة في كل مكان تقريباً على الأراضي الفرنسية لارسال الجهاديين الى سوريا.
ففرنسا، التي تضم أكبر جالية مسلمة في أوروبا، هي أيضاً البلد الذي ينتمي اليه العدد الأكبر من "الجهاديين" الغربيين، توجه الف منهم إلى سوريا والعراق عبر شبكات تجنيد.
من هؤلاء؟ بائسون، مهمشون، شباب ضواحي ضائع؟ يقول إمام مسجد في ضاحية باريسية حسن شلقمي المعروف بانتقاداته للتطرف "لا يوجد فقط ابراهيم وعائشة، يوجد أيضاً ميشال وجاكلين".
هذه الظاهرة تشمل كل المناطق وكل الأوساط: فمنهم الريفيون وأبناء المدن، الشباب والصبية، المسلمون والمعتنقون الجدد (21 في المئة حسب وزارة الداخلية)، الأسر وأصحاب المهن الحرة.
أما مديرة "مركز الوقاية من الانحرافات الطائفية" دنيا بوزار فقد أعربت عن قلقها من تزايد عدد المتوجهين الى "الجهاد" في سوريا والعراق. وأكدت أنهم جميعاً أمضوا ساعات على "يوتيوب" وشبكات التواصل الاجتماعي في مشاهدة صور صادمة ورسائل تنظيم "داعش" أو "جبهة النصرة" تدعو الى الالتحاق بها في بلاد الشام. وأكدت أنهم لم يذهبوا الى المساجد وعزلوا أنفسهم عن أسرهم وأصدقائهم. يلخص الصحافي في اذاعة "فرنسا" الدولية ديفيد تومسون، وهو مؤلف كتاب "الفرنسيون الجهاديون"، الوضع بأنهم أبناء "الجيل الثاني من خدمات الانترنت". أما المحامي مارتان برادل فيضيف "ليست لديهم ثقافة خاصة بالاسلام". المحامي المدافع عن الكثير من "الجهاديين" الذين اُودعوا السجن لدى عودتهم الى فرنسا، أشار الى حالة "موظف ثلاثيني في وضع معيشي جيد" بعيد كل البعد عن فتيان الضواحي الفاشلين في الدراسة. وشدد على السرعة التي يتحول فيها البعض الى التشدد، "شهر واحد" لأحد موكليه.
هؤلاء اذا آمنوا بالفكرة لا شيء يثنيهم. هذا هو حال مريم المسلمة ذات العشرين عاماً الطالبة في السنة الثانية من كلية الحقوق، والتي تدعم بقوة تنظيم "داعش". توضح مريم لصحافي في "فرانس برس" أن الذين لا يستطيعون السفر يمكنهم "الجهاد حيثما كانوا". وترى أن "اعتداءات ستقع في فرنسا"، مؤكدة مع ذلك أنها لن تشارك فيها.
وتتبادل كثيراً التغريدات على "تويتر" مع أصدقاء لها توجهوا الى سوريا "مسلمون وواحد اعتنق الاسلام"، مؤكدة "انهم في غاية السعادة". ورداً على سؤال عن ذبح الغربيين تقول مريم "انه شيء محزن، لكنها الحرب".
وعلى حسابها على "تويتر" تكتب مريم تعليقات مع قلوب صغيرة على صور "جهاديين" يحملون كلاشنيكوف.
في سياق متصل، قال مصدر قضائي فرنسي، اليوم، لوكالة "فرانس برس" إن 11 شخصاً من عائلة واحدة يُشتبه بمغادرتهم فرنسا الى سوريا للقتال هناك، في وقت تحاول فيه السلطات منع مواطنيها من التوجه الى العراق وسوريا.
وفتح قسم محاربة الارهاب في النيابة العامة في باريس، أمس، تحقيقاً أولياً حول اختفاء هذه العائلة بسبب مؤشرات تدعو الى الاعتقاد بأن أفراد العائلة توجهوا الى سوريا بحسب المصدر، مؤكداً بذلك معلومات أوردتها "إذاعة أوروبا 1". وقد غادرت العائلة التي تسكن نيس أواخر ايلول الماضي. وبين هؤلاء رجل وشقيقتاه ووالدتهم مع الزوجات والأزواج والعديد من أولادهم واحدهم طفل، بحسب المصدر.
(أ ف ب)
إضافة تعليق جديد