جلطة الساق العميقة فوق السحاب
ركب الطائرة في رحلة طويلة استغرقت أكثر من 10 ساعات. بقي طوال الرحلة في مقعده من دون حركة وهو بين نصف نائم ونصف مستيقظ. خلال الساعة الأخيرة من الرحلة شعر بأنه ليس على ما يرام، وبدأت ملامح ضيق التنفس تظهر عليه. ما إن حطت الطائرة على أرض المطار حتى زادت معاناته سوءاً. اشتد ضيق التنفس الى درجة لا تطاق. بدأ يشكو من ألم في الجانب الأيمن من الصدر يزداد حدة عندما يتنفس بعمق. داهمته نوبات من السعال المترافق مع بعض الدم. أحاط به مضيفو الطائرة محاولين مساعدته لكن من دون جدوى، لذلك ما ان توقفت محركات الطائرة حتى نقل على عجل إلى أقرب مركز طوارئ. الفحص السريري والتحريات الطبية كشفت أن المسافر أصيب بالجلطة الرئوية بسبب خثرة انطلقت من الأوردة العميقة للساق.
إن طول مدة السفر في الرحلات القارية ما بين الإقلاع والهبوط، يشكل خطراً على بعض المسافرين ويجعلهم أكثر عرضة لخطر الإصابة بجلطات الساق العميقة، خصوصاً أن شركات طيران كثيرة لا تتوافر فيها الشروط الصحية للمقاعد، مثل ضيق المسافة بين صفوف المقاعد ما يحول دون مد المسافر ساقيه، فهذه العوامل كلها تعرقل من عملية سريان الدم في أوردة الساقين الأمر الذي يشجع على تشكل الجلطة التي تسد الوعاء، أو أنها (الجلطة) تسبح من موقعها لتنتقل إلى الرئتين فتسد الشريان الرئوي لتسبب ما يعرف بالجلطة الرئوية التي يمكن أن تنقل المصاب بها إلى العالم الآخر. إن الجلوس من دون حراك لفترة طويلة أثناء الطيران يبطئ من سريان الدم في أوردة الساق، ويزيد من لزوجة الدم، وهذا ما يشجع على حصول الجلطة الدموية، وعلى رغم أن سبب الجلطة ما زال غير واضح تماماً، الا أن الدراسات أماطت اللثام عن وجود عوامل إذا توافرت في شخص معين فإنها تزيد من احتمال تعرضه لجلطة الساق، وهذه العوامل هي:
1- عدم الحركة، فالمعروف أن الدم يجري في أوردة الساقين ضد قوة الجاذبية الأرضية أثناء رحلة العودة إلى القلب، وذلك بفضل تقلصات عضلات الساقين التي تضغط على الأوردة وتعصرها ليتدفق الدم عبرها، ولكن في حال بقي الشخص جامداً لا تحصل التقلصات المذكورة، الأمر الذي يسبب ركودة دموية تخلق البيئة الخصبة لتكون الخثرة الدموية.
2- كلما تقدم الشخص في العمر زاد خطر حدوث الجلطة خصوصاً عند كبار السن الذين يعانون من اضطرابات في الدورة الدموية.
3- وجود قصة سابقة، شخصية أو عائلية، للإصابة بالجلطة. إن كل شخص أصيب سابقاً بجلطة الأوردة العميقة يكون أكثر عرضة من سواه لحدوث الجلطة مرة أخرى، وتفيد التحريات الطبية بأن مثل هذا الخطر يتكرر عند أكثر من ثلث المصابين خلال السنوات العشر اللاحقة وفي نسبة أعلى عند الرجال مقارنة بالنساء. أيضاً، أفادت البحوث العلمية بأن الأشخاص الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى (أب، أم، أخ، أخت) وتعرضوا سابقاً لجلطة وريدية عميقة، هم أكثر تعرضاً لزيارة الجلطة لهم بنسبة تبلغ أكثر من الضعفين.
4- وجود خلل وراثي في آلية تخثر الدم أو في مكونات الدم ذاته، الأمر الذي يزيد لزوجة الدم وبالتالي يحفز على تشكل الجلطة الدموية.
5- السرطان، فالمصابون به يعانون كثيراً من زيادة في عدد الصفائح الدموية وفي عوامل التخثر، وذلك إما بسبب الخلايا السرطانية ذاتها، أو نتيجة المعالجة بالأدوية الكيماوية المضادة للسرطان. وفي بعض أنواع السرطانات، مثل سرطان المعدة والرئة والأمعاء، يتم إفراز مادة تعرف باسم «الميوسين» التي تملك خاصية زيادة خطر حدوث تجلط الدم. ويملك المرضى الذين يشكون من سرطانات الرئة أو الرحم أو البانكرياس، خطراً أعلى لحدوث التجلط مقارنة بالمصابين بأورام خبيثة أخرى.
6- قصور عضلة القلب، وتنتج منه صعوبة في ضخ الدم كما الحال في القلب الطبيعي، الأمر الذي يقلل من انسياب الدم في شكل فاعل، وهذا ما يؤهب لنشوء الركودة الدموية وبالتالي تشكل الجلطة.
7- حبوب منع الحمل والمعالجة الهورمونية البديلة، فالنساء اللاتي يتناولن هذه الأدوية هم أكثر عرضة من سواهن لخطر الإصابة بجلطة الساق، ويعود السبب إلى أن تلك العقاقير تزيد من قدرة الدم على التجلط، أو أنها تزيد من إفراز بعض المركبات الكيماوية اللازمة لتجلط الدم.
8- البدانة المفرطة، وهذه تؤدي إلى مضاعفات تنعكس سلباً على القلب والأوعية الدموية من شأنها أن تشجع على تشكل جلطة الأوردة العميقة.
9- التدخين، وهو يطلق مواد كيماوية تزرع قنابل موقوتة في كل أنحاء الجسم خصوصاً الأوعية الدموية، لا تلبث أن تنفجر لاحقاً لتزرع مضاعفات لا تعد ولا تحصى من بينها جلطات الأوردة العميقة.
10- الحمل، وهو يؤدي إلى بطء جريان الدم في الحوض والساقين، ما يسبب الركودة، وبالتالي زيادة احتمال نشوء الجلطة الوريدية. وتشير الإحصاءات الطبية الى أن حاملاً من بين 10 تصاب بجلطة الساق العميقة، وأن خطر تعرض الحامل للجلطة هو أكثر 10 مرات مقارنة بالمرأة غير الحامل.
كيف تتظاهر جلطة الساق العميقة؟
في البداية نشير إلى أن جلطة الساق العميقة قد تكون حدثاً عابراً عند البعض، بحيث تأتي الجلطة لمرة واحدة من دون مضاعفات تذكر. في المقابل، فإن الجلطة عند آخرين، يمكن أن تتمخض عنها مشكلة صحية طويلة الأجل نتيجة تورم الساق المستمر، ونشوء التقرحات الجلدية، والأخطر من ذلك، الإصابة بالجلطة الرئوية التي يمكن أن تكون قاتلة عند البعض.
إن تشخيص جلطة الساق العميقة ليست سهلة دوماً نظراً الى تشابه صورتها السريرية مع الصورة السريرية التي تخص الكثير من الأمراض. وفي شكل عام، فإن الجلطة تتظاهر بالعوارض والعلامات الآتية:
- ألم في الساق أو عند الضغط على الساق خصوصاً على عضلة الربلة (بطة الساق).
- تورم في الساق بما فيها القدم والكاحل، أو تورم على طول الوعاء المصاب في الساق.
- احمرار جلد الساق أو ازرقاقه. - الإحساس بالسخونة عند ملامسة منطقة الساق المؤلمة أو المتورمة.
ما هو العلاج؟
إن الهدف الأساس من العلاج هو تجنب حدوث الجلطة الرئوية القاتلة، وما قد ينجم عنه من كوارث. إن إعطاء مميعات الدم يعتبر الخطوة الأهم من أجل الحد من تزايد حجم الجلطة وكذلك للحيلولة دون تشكل خثرات أخرى. وفي العادة يتولى الجسم إذابة الخثرة بعد حين، وفي حال فشله في تحقيق ذلك يعمد الطبيب إلى حقن عقار مذيب للخثرة.
وبما أن درهم وقاية خير من قنطار علاج، ينصح بالإجراءات الآتية لتفادي حدوث جلطة الساق العميقة:
- تناول الكثير من السوائل على مدار اليوم.
- ارتداء الألبسة الفضفاضة وانتعال الأحذية المريحة.
- عدم الجلوس في وضعية ثابتة من دون حركة لفترة طويلة.
- تحريك القدمين والساقين لمدة خمس دقائق كل ساعة من أجل تنشيط الدورة الدموية.
- تجنب الوجبات الدسمة والمشروبات التي تسبب جفاف الجسم.
- على الأشخاص الذين يملكون استعداداً لتشكل الجلطة أن يرتدوا الجوارب الضاغطة، أو استعمال مميعات الدم بعد المشورة الطبية. ختاماً، إن رصد العلامات التحذيرية لجلطة الساق العميقة، وطلب المساعدة الطبية العاجلة هما الأساس لمنع الانزلاق نحو المضاعفات وما أكثرها. على كل حال، إذا كان لديك مشروع رحلة جوية قارية فلا تنس أن تحرك رجليك خلال الرحلة، فالحركة هي أفضل دواء للوقاية من جلطة الساق العميقة.
المتلازمة والعودة السيئة
تتظاهر الجلطة الرئوية بالعوارض الآتية:
- ضيق في التنفس في شكل مفاجئ وغير مبرر.
- ألم في الصدر، يزيد سوءاً عند التنفس بعمق.
- البصاق المدمى.
- الشعور بالقلق والعصبية والإرهاق.
- المعاناة من الدوخة أو الإغماء.
- التعرق الشديد أحياناً.
وقد لا تنتهي جلطة الساق العميقة بالجلطة الرئوية وحسب، بل قد يتعرض المريض لمتلازمة ما بعد الجلطة التي تظهر بعد سنوات من حدوث الجلطة ويرجع سببها إلى حصول تلف في الأوردة. وتتضمن هذه المتلازمة المضاعفات الآتية:
- التورم المستمر في الساق.
- الشعـور بالألم وعدم الارتياح في الساق المصابة.
- تشكل التقرحات الجلدية.
- تكرار حدوث الجلطة في الساق نفسها.
- ارتفاع الضغط الشرياني الرئوي.
ويتم علاج هذه المتلازمة بإعطاء الأسبيرين، والمدرّات البولية، واستعمال الجوارب الضاغطة.
د. أنور نعمة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد