جزيرة أرواد: شوق البر إلى البحر
تعتبر جزيرة أرواد جوهرة السواحل السورية، وهي جزيرة مسكونة، وأقرب المدن السورية إلى أرواد هي مدينة طرطوس ثاني المحافظات السورية الساحلية جنوب اللاذقية.
وتقع أرواد على خط طول 35 شرق غرينتش، وخط عرض 34 شمال خط الاستواء، تبلغ مساحتها حوالى 20 هكتاراً. بينما المساحة المأهولة بالسكان 13.5 هكتار، ويبلغ طول الجزيرة 750م تقريباً، وعرضها 450م تقريباً، وتمتاز بمبانيها المتلاصقة وشوارعها الضيقة التي لا تتسع إلا للمشاة فلا سيارات في جزيرة أرواد، ويمارس أهلها مهنة صيد السمك والإسفنج، وصناعة المراكب والشِّباك، وبعض الصناعات السياحية الصغيرة، وحول الجزيرة خمس جزر صغيرة غير قابلة للسكن كانت ملاجئ للسفن عند هيجان البحر ولم يعثر فيها على أي أثر معماري، ولعلها كانت مقالع للأحجار.
وأرواد هي كبرى جزر السواحل الإقليمية لبلاد الشام، وهي أكبر الكتل الصخرية أمام الساحل، وبقية الكتل الصخرية في الساحل السوري هي: جزر «الحبيس، والمشار أبو علي، والمخروط، والنمل» وتبعد أرواد عن يابسة مدينة طرطوس خمسة كيلومرات تقريباً، ويبلغ عدد سكانها حالياً حوالى 10000 نسمة.
ويتنوع نطق اسم أرواد، وتتعدد الأماكن التي يشير إليها، ومن أساليب نطقه: أرادوس، أرفاد، أرواد، أراد، وتعني بالفينيقية الملجأ، وتحمل هذا الاسم أماكن تاريخية عدة، ومنها: أرادوس على ساحل فلسطين بين الكرمل ودوروس، وأرادوس على الساحل الافريقي، وأرادوس في جنوب كريت، وأرادوس في الخليج العربي، وأرادوس أو أراثوس وهي جزيرة عراد.
وورد ذِكر أرواد والأرواديين في الكتب المقدسة القديمة، ومنها التوراة، فقد ورد في الإصحاح العاشر من سفر التكوين: «وكنعان ولد صيدون بكره .... والأروادي» أي: صيدون أخ الأروادي فقط. وورد في الإصحاح السابع والعشرين على لسان حزقيال النبي قوله: «أهل صيدون وأرواد ملاحيك ... بنوا أرواد مع جيشك على الأسوار من حولك، هم تمموا جمالك».
وتفيد الملاحم الفينيقية التي اكتشفت في أوغاريت أن الفينيقيين أنفسهم يذكرون بأن أجدادهم قد هاجروا من منطقة النقب الى الساحل السوري وهذا يؤيد الرأي القائل بأن الجزيرة العربية ليست إلا مهداً للساميين وأنّ منطقة النقب ما هي إلا امتداد شبه جزيرة العرب وقد كانت محطة من محطات انتقال القبائل البدوية من حياة البداوة الى الحياة الحضرية.
ويختلط تاريخ أرواد بالأساطير حيث تقول إحداها: إن شاباً ركب البحر في طلب الرزق، ومرت الأيام فلم يرجع، فقلقت عليه خطيبته الحسناء، وراحت تسأل عنه بلهفة كُلَّ غادٍ ورائحٍ حتى التقت برفيق له، فأنبأها أنه ذهب ضحية جنيات البحر اللواتي أحطن بقاربه ذات يوم، وأخذن يتجاذبنه حتى غرق، ولكن الفتاة المسكينة لم تصدق، وأخذت تبتهل إلى الآلهة أن تعيد إليها حبيبها، ومضت الأيامُ، وهي تندب حظها البائس، وتُنشِدُ أغاني الشوق والحنين، وتنتظر الغائب الذي لا يعود، وكان الصياد الشاب أسيراً لدى عرائس البحر الماجنات، فسمعت ملكتهنَّ بحزن الخطيبة المسكينة ولهفتها، فرثت لحالها، وبعثت إليها مع أحد طيور الماء رسالة تخبرها أن غائبها سيعود إليها قريباً، ثم طلبت الملكة الى آلهة البحر أن تصنع للخطيبين مكاناً يلجآن إليه في مأمنٍ من حوادث الزمن، فصنعت لهما الآلهة الرحيمة جزيرة ليس لها شبيه في غير بلاد الأحلام. وهكذا وُجدت أرواد على مقربة من ساحل بلاد الشام الخلاب.
وتقول أسطورة فينيقية: كانت أروادُ ابنةً شرعيَّة لآلهة البرِّ «بعل»، وكانت هنالك «يَمّ» إلهة البحر، وقام الصراع بين الآلهتين، وأعجبت أرواد بالآلهة «يَمّ» فهربت اليها، وارتمت في أحضانها مؤثرة البقاء عندها، وما زال أبوها «بعل» يدعوها إليه إلى ما لا نهاية، لكنها لا تجيب نداءه.
وورد ذِكر جزيرة أرواد في كتاب «معجم البلدان» لياقوت الحموي الذي قال: «أروَادُ: بالفتحِ، ثم السكون، وواو، وألف، ودال مُهمَلة. اسم جزيرةٍ في البحرٍ قُرْبَ قُسطنطينية، غزاها المُسلمون، وفتحوها في سنة 53 - 54 هجرية/ 673 – 674م مع جُنادة بن أبي أمية، في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وأسكنَها معاويةُ، وكان مِمَّنْ فتَحَها مُجاهد بن جبر المقري، وتُبيع ابن امرأةِ كعبِ الأحبار، وبِها أقرأ مجاهِد تُبيعاً القرآنَ الكريم، ويُقالُ: بل أقرَأهُ بجزيرة رودس».
ومن المعلوم أن لجزيرة أرواد تاريخاً مغرقا في القِدَم، فقد سماها الإغريق: «أرادوس» وسماها الفينيقيون: «أرفاد»، واستوطنها الفينيقيون في الألف الثاني قبل الميلاد، ولم ينقطع نسلهم فيها، واتخذوها قاعدة تجارية وعسكرية بحرية لهم، وحاول الفراعنة احتلالها فحاربهم مقاتلو أرواد في معركة قادش سنة 1299 قبل الميلاد، ثم خضعت جزيرة أرواد للسيطرة الآشورية ما بين سنة 1100 قبل الميلاد وسنة 625 قبل الميلاد، ثم انتقلت سنة 604 قبل الميلاد إلى السيطرة البابلية التي ورثت الآشوريين، ولما فتك الفرس بالبابليين أخضعوا جزيرة أرواد لسيطرتهم سنة 539 قبل الميلاد.
وساهم أسطول الأروادين في محاربة الإغريق في معركة سلاميس سنة 480 قبل الميلاد، ولكن مكانة أرواد تهمشت بعدما خضعت للرومان الذين ورثوا المستعمرات الإغريقية، وتحولت مكانة الجزيرة التجارية إلى ميناء طرطوس، وبقيت خاضعة للرومان حتى حررها المسلمون سنة 53 - 54 هجرية/ 673 – 674م، وصارت حاضرة من حواضر الخلافة الإسلامية الأموية، ثم خضعت للخلافة الإسلامية العباسية، ولكنها سقطت بأيدي الفرنجة وبقيت كآخر حصن خاضع لسيطرة فرسان الهيكل حتى أخرجهم منها السلطان المملوكي قلاوون، ودمّر أسوارها سنة 702 هـ/ 1302، وترك الصليبيون فيها قلعتين، وإضافة إليهما توجد في أرواد قلعة عربية.
وبعد رحيل فرسان الهيكل إلى رودس وقبرص ومالطا بقيت أرواد تابعة للمماليك ثم تبعت للعثمانيين بعدما قام السلطان سليم الأول بتوحيد الأناضول والشام ومصر والحجاز، وبعد الحرب العالمية الأولى احتلها الفرنسيون مع سورية، وحولوا قلعة أرواد إلى سجن زجوا فيه بالعشرات من الزعماء الوطنيين السوريين واللبنانيين.
محمود السيد دغيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد