جديد يوم المرأة العالمي.. 2010
لم يكن للسيدة (ف) في مطلع عام 2010 سوى أن تلتزم الصمت، وخاصة بعد ناهز عمرها الستين، وهي تمضي ليلة رأس السنة وحيدة.. بينما زوجها الذي ناهز السبعين يحتفل مع عروسه التي بلغت الخامسة والثلاثين والتي لم يمض على زواجه بها سوى بضعة أيام..
أمضت ليلتها وحيدة تحاول ابتلاع غصتها بعد ان مكث لديها بضعا من الليلة أولادها مع زوجاتهم وأولادهم، ثم ما لبثوا ان غادروا المنزل المليء بالكآبة إلى مكان آخر ليحتفلوا بقدوم العام الجديد..
استعرضت (ف) شريط ذكريات حياتها مذ تزوجت في سن الثامنة عشرة من ابن خالتها، وكافحا معا سنوات طويلة قبل ان يؤمنا منزلا لهما..
أمضت أكثر من عشرين عاما في حياتها وهي تدرّس مادة اللغة العربية صباحا.. لتعيد هذه الدروس مساء على بعض الطلاب كدروس خصوصية..
لم يكن يعنيها قليلا من الإرهاق، وذلك الألم الذي لازمها طويلا حول رقبتها وأسفل ظهرها إلى انتهى بمرض الديسك وانقراض الفقرات..
ففكرة أنهما يدخران مبلغا لشراء منزل كانت تغمرها بسعادة لا يخالطها شعور أجمل..
في تلك الأيام لم يخطر ببالها قط ان تفكر بان تسجّل شيئا من ملكية المنزل او حتى نصفة باسمها، فهي تعلم أنها وزوجها شخص واحد يسعيان إلى تحسين ظرفيهما ضمن طاقتهما القصوى..
ومرت السنوات مسرعة وهي ترى ثمار تعبها وجهدها الطويل يكبر أمامها بنجاح أولادها في حياتهم وحسن اختيارهم لحياتهم..
لم يهمها ادخار مال او ذهب او حتى تمضية عطلة الأعياد في رحلة ما..
حين فاتحها زوجها قبل شهرين من هذه الليلة المشؤومة لم تستوعب فكرة زواجه او بالأحرى خيانته لها تحت مسمى الدين..
ما ان حاولت ان تبعد هذه الفكرة عنه حتى استحضر ذريعة زواجه بالحجة المعتادة (الشرع بيسمحلي)
تركته تلك الليلة بعد ان نالت صفعة قاسية لمشاعرها وإحساسها بكيانها في العائلة، فكيف لها بعد هذا القرار المجنون من زوجها ان تنظر بعيني أولادها.. وزوجاتهم، وحتى أحفادها..
كيف لها ان تتحمل نظرة الشفقة التي لن يستطيعوا إخفاء ملامحها من قسمات وجوههم ..
أفاقت من نومها الطويل وحلمها الوردي إلى صباح سوداوي قصدت فيه احد المحامين الذين تثق بهم طالبة الطلاق كونها لن تعيش مع رفيق دربها وقد فضل عليها او بالأحرى استبدلها بأخرى تصغرها بثلاثين عاما..
كقطعة غيار عتيقة حان له ان يستبدلها بأخرى جديدة ..
وكانت الصدمة الأكبر ليخبرها ان خلاصة عمرها لا تساوي شيئا مادامت تعاملت بكل سذاجة، ولم تفكر يوما بان تسجّل شيئا باسمها..
عادت إلى منزلها منكسرة.. مهزومة.. حتى آخر جولة في مشوار حياتها..
ورضخت لكرم زوجها الطائي الذي سمح لها بان تبقى في منزل العائلة شريطة الا تطلب الطلاق..
وان تبتلع لسانها بعيدا عن ما أسماه ثرثرتها ومهاتراتها عن فقدانه لعقله. وأن امرأة تحاول ان تستغل سنه للوصول إلى ماله
مشوار اخذ من عمرها اكثر من أربعين عاما.. لتجد نفسها في نهايته خالية حتى من أربعة جدران تظلل عليها بعضا من السكينة والهدوء.. بعيدا عن شعورها بالمهانة والذل ممن اعتبرته لنصف قرن تقريبا رفيق دربها..
كان درسا قاسيا لهذه المرأة لأنها تعاملت بصدق وبحس عال بالمسؤولية تجاه منزلها وحياتها وسعادتها.
وقد تكون أي امرأة سورية مكانها مالم تفكر بتأمين نفسها قبل الإقدام على زواج ضمن قانون يعطي للرجل كامل صلاحيته، ويقيد المرأة في أدنى حقوقها.. تحت مسميات عدة يتم استغلالها لإلغاء كيان المرأة المادي والقانوني والنفسي..
في يوم المرأة العالمي 2010 نضيء شمعة جديدة يقف إلى يمينها مشروعين هزيلين لقانون الأحوال الشخصية.. والى يسارها حرمان واضح لها من أي دعم او مكتسبات قانونية مالم يرتبط اسمها برجل ..
في يوم المرأة العالمي نشعل شمعة جديدة كفسحة ضوء صغيرة كالأمل يلفه سواد أعظم من الظلم ..
ربا الحمود
المصدر: الثرى
إضافة تعليق جديد